التراجع القياسي للجنيه وتأزم الأوضاع الاجتماعية: هل هو فشل للسياسة الاقتصادية في مصر؟
وكالات
2023-01-18 07:14
التراجع القياسي للجنيه المصري يزيد من تأزم الأوضاع الاجتماعية في أكبر بلد عربي ديمغرافيا، نتيجة الارتفاع الصاروخي للأسعار. وبلغ تراجع الجنيه في الفترة الأخيرة 50 بالمئة. فما هي الأسباب التي أدت لهذا الوضع؟ وهل تتحمل الحكومة المسؤولية فيه؟ وما هي الحلول الاقتصادية المتاحة للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية والاجتماعية؟ بحسب فرانس برس.
تتعقد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مصر أكثر فأكثر مع تفاقم تراجع العملة المحلية مقابل الدولار بنسبة بلغت الأربعاء 104 بالمئة عند منتصف النهار في المصارف االحكومية قبل أن تتحسن قليلا لتصل نسبة التراجع إلى 91 بالمئة. وبلغت قيمة انخفاض الجنيه المصري مجملا 50 بالمئة منذ مارس/آذار عقب تخفيضه في وقت سابق في خضم 10 أشهر استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر حكومية.
وهذا الوضع النقدي المتأزم في مصر، سيزيد من تعقيد الظروف المعيشية للمواطن المصري في أكبر بلد عربي ديمغرافيا، حيث يبلغ عدد سكانه حسب بعض المصادر، نحو 104 مليون نسمة، خاصة وأن البلاد عرفت نسبة تضخم تجاوزت وفق بيانات رسمية 21 بالمئة. وتتأثر القدرة الشرائية للمواطن المصري بشكل غير مباشر بالتحولات السلبية في قيمة العملة المحلية، بحكم أن البلد يستورد غالبية حاجياته، ويكون مطالبا بشرائها بالعملة الصعبة مقابل جنيه في أسوأ حالاته النقدية.
والشهر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة ثلاث مليارات دولار تسدد على 46 شهرا. ولكن هذا القرض ليس سوى قطرة في بحر إذ تثقل كاهل الدولة ديون تقدر بحوالي 42 مليار دولار، يجب عليها سدادها خلال السنة المالية 2022-2023.
الوضع صعب للغاية
يقول المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية المصري محمد اليمني إن "الوضع صعب للغاية". وله مسبباته السياسية والاقتصادية طبعا. يحددها الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب في "ارتفاع أسعار القمح والحبوب في البورصات العالمية بنسبة وصلت إلى 40%، أدى إلى زيادة الطلب المصرى على الدولار، حيث أن مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح. وتبلغ الواردات المصرية من القمح ما قيمته 3 مليار دولار".
ويشدد اليمني على الأضرار الجانبية للحرب الروسية الأوكرانية التي تدفع ثمنها مصر اليوم بسبب ارتفاع أسعار القمح والحبوب. فيوضح قائلا: "نحن مقبلون على كارثة إن لم تتوقف هذه الحرب، التي أثرت على دول الاتحاد الأوروبي بأكملها وليس مصر فقط وإن كان بمستوى أكثر".
أما بقية الأسباب الاقتصادية التي أدت لهذا الوضع، يوردها عبد المطلب في النقاط التالية:
- خروج ما يقرب من 25 مليار دولار من استثمار الأجانب فى أذون وسندات الخزانة المصرية خلال فترة مارس/يوليو 2022. وقد تسبب هذا الخروج في انخفاض الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى من 40 مليار دولار إلى 33 مليار دولار.
- ارتفاع الأسعار العالمية أدى إلى ارتفاع كافة أسعار الواردات. وارتفعت قيمة الواردات من 68 مليار دولار فى نهاية يونيو/حزيران 2021 إلى 87 مليار دولار فى نهاية يونيو/حزيران 2023."
ويراقب المصريون بقلق كبير هذا التدهور في قيمة عملتهم المحلية. و"أكثر ما يشغل بالهم حاليا هو مستقبل الجنيه، إذا أخذنا فى الاعتبار معاناة السوق المصري حاليا من نقص بعض الخامات ومستلزمات الإنتاج، ومعاناة بعض المصانع من توفير احتياجاتها من هذه المستلزمات وضغوط رجال الأعمال لتعديل قواعد الاستيراد المطبقة حاليا"، حسب عبد المطلب.
الدعم الخليجي
هذه الأزمة، بالنسبة لليمني، "لا تبشر بالخير خاصة في ظل تخلي دول الخليج عن مساعدة مصر، وهي السعودية، الإمارات وقطر...التي كانت تساعد القاهرة في بعض الأزمات والأوقات منذ سنوات كثيرة جدا...". والرئيس السيسي تحدث في الموضوع بوضوح في الفترة الأخيرة. وقال فيما معناه: "لم تساعدنا الدول التي كانت تقوم بذلك في الماضي. وليس أمامنا إلا خيار الاعتماد على أنفسنا"، يشير اليمني.
ويعزى هذا التخلي الخليجي عن مساعدة مصر كونها "فقدت ثقلها السياسي عربيا ولم تعد تتمتع بوزنها التقليدي في الدبلوماسية العربية سواء بالمنطقة أو دوليا. منذ عبد الناصر وحتى مبارك كان دورها الدبلوماسي وازنا، وكانت سياساتها تختلف كثيرا عن التعاطي الدبلوماسي الحالي"، حسب اليمني.
ومع هذه الظروف، توجد الحكومة المصرية في مهمة في غاية الصعوبة لتوضيح الرؤية حول مستقبل الجنيه المحلي وتوفير الدولار. ولذلك فمصر، بحسب الخبير الاقتصادي عبد المطلب، "ليس أمامها إلا خياران لا ثالث لهما فى الوقت الحالي. الأول: دعم من الأشقاء والأصدقاء فى شكل تدفقات دولارية نقدية، وأعتقد أنه لا توجد بوادر لهذا الدعم". ويحاط الغموض بإمكانية دعم عربى مقدر بـ14مليار دولار. وسيكون المسلك الثاني وهو الخيار الأصعب، "الاستمرار فى سياسة التقشف وتقييد الواردات، ولا أعتقد أن مجتمع الأعمال سيتحمل هذه السياسات لفترات طويلة"، واتخذت الحكومة المصرية قرارات عدة نشرتها الجريدة الرسمية الإثنين، لترشيد الإنفاق العام لمواجهة الأزمة، بينها "تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء فيها ولها مكون دولاري واضح".
ما الحل؟
ويتم تحميل جزء كبير من المسؤولية للحكومة المصرية، بحكم "الأخطاء المتراكمة" التي ارتكبت في "إدارة ملف السياسة النقدية"، كما يلفت عبد المطلب. وبينها "السماح بدخول الأموال الساخنة"، إضافة إلى "عدم اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع أزمتها وتركها تخرج دون تعويض"، ثم "تقييد الواردات أو وقفها دون وجود بديل محلي".
ولذلك، يشدد عبد المطلب، "فإننى أرى أن حل المشكلة الاقتصادية المصرية الحالية، يستلزم وجود آليات مبتكرة لاستعادة ثقة المواطن والمستثمر المصريين. وأعتقد أن إصدار شهادات استثمار دولارية طويلة الأجل بعائد مرتفع قد يساهم فى حل سريع لجزء من الأزمة".
ويستطرد الخبير الاقتصادي: "بالتأكيد تمتلك الحكومة الكثير من الأدوات لحل الأزمة، فعلى سبيل المثال يمكن لها زيادة المعروض من السلع الغذائية فى منافذها بأسعار مخفضة، أو السماح باستيراد مكونات الأعلاف والزيوت وغيرها من المواد الغذائية أو المحسوبة على صناعة الغذاء، برسوم جمركية مخفضة. كذلك تستطيع تشديد الرقابة على الأسواق بحيث تمنع رفع التجار للأسعار دون مبررات حقيقية، كما يمكنها الدخول كمشتر ومسوق لبعض المحاصيل الهامة مثل القمح والأرز، لموسم أو موسمين".
وبقراءة يختلط فيها التشاؤم بالتفاؤل يرسم المحلل السياسي محمد اليمني صورة شبه قاتمة عن السياسة الاقتصادية للحكومة "كنا نأمل أنه مع بداية 2023 تلوح بارقة أمل ويعلن عن خطط حكومية لحل الأزمات الكثيرة في هذا التوقيت خاصة منها المرتبطة بارتفاع أسعار المواد العذائية الأساسية. لكن لا يوجد شيء من ذلك. فبعض المواد الغذائية ارتفع ثمنها بأكثر من 30 جنيها. وهذه المؤشرات ستزيد من تفاقم الوضع. فالأمور الاقتصادية لا تبشر بخير أبدا. الحكومة فشلت فشلا ذريعا ولابد من استقالات أو إقالات جماعية ولا بد من تحرك داخلي في بعض الوزرات وفي بعض المناصب المهمة جدا".
الحلول على الورق، بالنسبة للخبير الاقتصادي عبد المطلب، "بالتأكيد موجودة وخطط كثيرة ودراسات تتم بشكل متعمق ولها فترة زمنية، وأعتقد أنه ستكون هناك رؤية مستقبلية جاهزة في منتصف الشهر القادم للتعاطي مع الوضع، وسيتم تقديمها سواء من الحكومة الحالية أو من حكومة جديدة".