العراق: اقتصاد منهك على طريق الإفلاس
عبد الامير رويح
2020-11-18 08:13
الازمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها العراق منذ سنوات، تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب الهبوط المفاجئ والمستمر لأسعار النفط في الاسواق العالمية وتفشي وباء كورونا، يضاف الى ذلك سوء الادارة وتفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة العراقية والخلافات المستمرة مع حكومة اقليم كردستان، التي تمتنع منذ سنوات عن تسديد واردات بيع النفط وغيرها من الواردات الاخرى.
هذه الازمة المالية الكبيرة اجبرت حكومة الكاظمي التي تواجه مشكلات كبيرة على اتخاذ اجراءات وخطط معينة لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط، ومنها لجوء الحكومة العراقية إلى الاقتراض المالي لسد العجز في موازنة البلاد، وهو ما عده البعض اسلوب فاشل فشل حكومي سيثقل كاهل العراق بديون وفوائد جديدة، والواجب عليها تعظيم الواردات غير النفطية خصوصاً وان العراق يمتلك الكثير من المقومات والموارد المهمة. وفي وقت سابق اعتبر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن الأزمة الاقتصادية الحالية لم تمر في تاريخ العراق، معتبراً أن “الفوضى التي مر بها العراق هي انعكاسات لسوء الإدارة في البلد”. وقال الى أن بعض القوى أو الجماعات تكرر نفس أخطاء الماضي ولو قمت بإعطاء الجماعات التي توجّه لي الاتهامات ما يريدون لكانوا أول المدافعين عني.
وتضرر اقتصاد العراق بشدة جراء سنوات الحروب والعقوبات والعنف الذي أوقد شرارته الاحتلال الأمريكي. يعتمد 97 بالمئة من ميزانية العراق على النفط. وقال وزير المالية علي علاوي إن إصلاح الاقتصاد يستلزم عملا على مدار خمسة أعوام وإن الدين العام يدور بين 80 و90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والدين الخارجي 133 مليار دولار. وتُظهر تقديرات البنك الدولي أن اقتصاد العراق سينكمش 9.7 بالمئة في 2020 بفعل انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا في أعقاب نموه 4.4 بالمئة في 2019.
ازمة وخلافات
وفي هذا الشأن وافق نواب البرلمان العراقي على مشروع قانون طارئ للإنفاق يتيح للحكومة التي تعاني من قلة السيولة الاقتراض من الخارج في ظل ما يعانيه الاقتصاد نتيجة لانخفاض أسعار النفط، لكنهم وافقوا على أقل من ثلث المبلغ المطلوب. وبموجب القانون الجديد سيُسمح لوزارة المالية باقتراض 10.1 مليار دولار من الأسواق الدولية والبنوك المحلية وهو ما يقل بكثير عن 35 مليارا طلبتها الحكومة في البداية. وفشل البرلمان بسبب الخلافات الداخلية في اعتماد مسودة ميزانية 2020 وسيتيح مشروع القانون، الذي جرى تمريره بشكل عاجل، للحكومة الحصول فقط على ما يكفيها من أموال حتى نهاية العام.
وتسبب التزام العراق باتفاق أوبك+ لخفض إنتاج النفط في تقليص موارده المالية تزامنا مع الصعوبات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع تداعيات أعوام من الحرب والفساد المستشري. ويعتمد العراق على النفط لتمويل 97 بالمئة من ميزانيته الحكومية. وكشفت نسخة من القانون أن الأموال التي سيتيحها ستغطي بشكل أساسي رواتب موظفي الحكومة وواردات الغذاء والمشروعات المهمة. بحسب رويترز.
وظهرت خلافات خلال التصويت حيث عارض الأكراد بندا يلزم حكومة إقليم كردستان العراق بتسليم إيرادات صادرات الإقليم النفطية كشرط لتلقي حصتها الشهرية من خطة التمويل الجديدة. وثمة خلافات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد بشأن إيرادات النفط، وأبدت حكومة الإقليم في بيان اعتراضها على الربط الوارد في قانون التمويل. وأضافت أن اجتماعا رفيعا سينعقد للخروج بموقف رسمي. وقال مشرعون إن معظم أعضاء البرلمان الأكراد انسحبوا من جلسة التصويت.
وأصدرت حكومة اقليم كردستان، بياناً بشأن تمرير قانون تمويل العجز المالي، فيما عبرت عن قلقها واعتراضها على القانون. وذكرت الحكومة في بيان ، أنه "في الوقت الذي تثمّن فيه حكومة إقليم كردستان الموقف الموحد لممثلي إقليم كردستان في مجلس النواب إزاء تمرير قانون تمويل العجز المالي والذي تم التصويت عليه بمبدأ الأغلبية ، بعيداً عن مبدأ التوافق وبدون مراعاة قلق شعب كردستان، فإنها تعبّر عن قلقها واعتراضها على القانون".
وأضاف البيان، أن "حكومة إقليم كردستان مستعدة ومستمرة في جهودها الرامية لحل المشاكل العالقة على أساس الدستور، وقد عبّرت التشكيلة الوزارية التاسعة لحكومة الإقليم منذ اللحظة الأولى لمهامها عن حُسن نيتها أكثر من مرة، وأجرت زيارات إلى بغداد، ونتج عن ذلك الكثير من التفاهمات والاتفاقات مع الحكومة الاتحادية السابقة والحالية".
وأكد، أن "حكومة إقليم كردستان أوفت بجميع الالتزامات الدستورية مقابل تأمين المستحقات الدستورية لشعب كوردستان وضمانها، وإذ نجدد التأكيد على الدفاع عن تلك الحقوق، فإننا لن نسمح بأن يتعرض شعب كوردستان إلى الظلم". وتابع: "ومن المقرر أن يُعقد اجتماع للرئاسات الثلاث في إقليم كردستان مع ممثلي الإقليم في الحكومة الاتحادية، وذلك للإعلان عن الموقف الموحد والرسمي لإقليم كردستان".
مشاريع مؤجلة
الى جانب ذلك قال وزير النفط العراقي إن تخفيضات انتاج أوبك+ أدت لتأجيل مشروعات نفطية في بلاده، لكنه يتوقع أن يتدعم القطاع بتعافي أسعار النفط اعتبارا من الربع الثاني من العام المقبل. وقال إحسان عبد الجبار في مؤتمر بترول العراق الذي تنظمه سي.دبليو.سي إنه يتوقع أن تصبح أسعار النفط أكثر جاذبية للمشاريع النفطية في العراق في الربع الثاني من 2021.
وأضاف خلال المؤتمر الذي يعقد عن بعد أن هناك بعض التحديات الداخلية في العراق بسبب تخفيضات أوبك، وهناك أيضا بعض التأجيلات لمشروعات. وقال إنه يتوقع أن يرفع العراق طاقته الإنتاجية إلى سبعة ملايين برميل يوميا خلال السنوات الخمس أو الست القادمة، من نحو خمسة ملايين برميل يوميا حاليا. وفي إطار اتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاء بقيادة روسيا، وهي مجموعة تعرف بأوبك+، وافق العراق على خفض إنتاجه 849 ألف برميل يوميا إلى 3.8 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام.
لكن نظرا لعدم التزامه بهذا المستوى المستهدف في السابق، طلبت أوبك+ من العراق تنفيذ تخفيضات تعويضية إضافية حتى ديسمبر كانون الأول. وأفادت وثيقة داخلية بأن المجموعة خلصت إلى أن الزيادة التراكمية في إنتاج العراق بلغت 578 ألف برميل يوميا في سبتمبر أيلول. وبحسب تقرير أوبك خلصت مصادر ثانوية إلى أن العراق أنتج في سبتمبر أيلول بمعدل 3.7 مليون برميل يوميا تقريبا، أو بزيادة 46 ألف برميل يوميا عن مستويات أغسطس آب. بحسب رويترز.
وقال عبد الجبار إن إقليم كردستان العراق شبه المستقل لا يساهم في التخفيضات المتفق عليها. وقال أيضا إنه يتوقع أن تكون شركة النفط الوطنية العراقية، التي تستعد بغداد لتأسيسها في إطار خطط لتحسين إدارة قطاع النفط، جاهزة للعمل في الربع الأول من 2022. ومن المقرر أن تشرف الشركة على إدارة شركات النفط المملوكة للدولة. كما نقلت وكالة الأنباء العراقية عن وزير بحكومة إقليم كردستان قوله إن حكومة العراق طلبت من الإقليم خفض إنتاجه النفطي 120 ألف برميل يوميا.
ونسبت الوكالة الرسمية إلى خالد شواني، الوزير المكلف بملف الحوار مع بغداد في حكومة الإقليم، إن استهلاك الإقليم العراقي شبه المستقل من النفط يبلغ 30 ألف برميل يوميا. وقال شواني إن بغداد والأكراد يناقشون عدة تصورات لاتفاق على تخفيضات الإنتاج. وكان وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار قال إن إقليم كردستان مازال يصدر النفط دون استشارة الحكومة الاتحادية.
كما قال وزير النفط العراقي إن العراق يهدف لأن تكون الإجراءات القانونية والتعاقدية جاهزة بحلول نهاية العام لمصنع في البصرة قد يجعل البلاد أكبر منتج للبتروكيماويات في المنطقة. وفي 2015، وقعت رويال داتش شل إتفاقا مع العراق قيمته 11 مليار دولار لبناء مجمع للبتروكيماويات في البصرة في إطار خطط العراق لتنويع مصادره للدخل. وقال عبد الجبار في بيان إن وزارة النفط العراقية عقدت اجتماعات مكثفة مع السلطات المعنية واتفقت على تسريع الإجراءات المطلوبة ووضع اللمسات النهائية على الإجراءات التعاقدية والقانونية مع الأطراف المعنية، ومن بينها شل انترناشونال، قبل نهاية العام الحالي.
العراق والبنك الأوروبي
من جانب اخر قال القائم بأعمال رئيس البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية إن البنك يبحث طلبا للعضوية تقدم به العراق. وقد يحصل العراق، الذي يعاني اقتصاده من تداعيات أزمة فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط، على تمويل لدعم القطاع الخاص إذا انضم للبنك. وقال يورجن ريجترينك القائم بإعمال رئيس البنك ”سيتم اتخاذ قرار بشأن عضوية العراق من مجلس المحافظين في الاجتماع السنوي“.
وتأسس البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية (إي.بي.آر.دي) في 1991 لمساعدة الدول الشيوعية السابقة في شرق أوروبا على التحول إلى اقتصاد السوق. وبدأ البنك في السنوات الماضية توسيع نطاق عمله الجغرافي إلى دول من بينها مصر وتونس والمغرب. وفي وقت سابق هذا العام، أعطى مساهمو البنك الضوء الأخضر لأن تصبح الجزائر عضوا.
وقال ريجترينك ”جرت الموافقة على عضوية الجزائر لكن نأمل في أننا سنتمكن من اتخاذ الخطوات النهائية، التي ستحدد إذا كانت ستصبح دولة تتلقى تمويلا أم لا، بداية العام المقبل وهو قرار سيتخذه مساهمو البنك“. وأضاف أن توسعا محتملا لعمليات البنك إلى دول أفريقية جنوب الصحراء تأجل بينما يتعامل البنك مع أثر جائحة فيروس كورونا. وتملك مجموعة الدول السبع الكبرى حصة أغلبية في البنك. وقال البنك إنه يتوقع استثمار 21 مليار يورو حتى نهاية 2021 لتقديم الدعم أثناء الجائحة. بحسب رويترز.
وحتى نهاية أغسطس آب، استثمر البنك 1.34 مليار يورو في منطقة جنوب وشرق المتوسط، التي تشمل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، وهو ما يشكل أكثر من ضعفي ما استثمره في المنطقة في نفس الفترة من العام الماضي. لكن ريجترينك قال إن لبنان لم يشهد نشاطا يذكر للبنك هذا العام. وأضاف قائلا ”بالنسبة لنا، وجود برنامج ناجح مع صندوق النقد الدولي مهم لاستقرار هذا البلد من وجهة نظر اقتصادية ومالية“.