الخلاف الأميركي الصيني: العالم أمام مخاطر شرخ اقتصادي كبير

عبد الامير رويح

2019-10-13 05:07

على الرغم من بعض الاتفاقيات التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين والتي تشمل بحسب بعض المصادر، المشتريات الزراعية والعملة وبعض جوانب حماية الملكية الفكرية، وتتفادى تهديداً بزيادة في الرسوم الجمركية، ماتزال الحرب التجارية متواصلة بين بين أكبر اقتصادين في العالم والتي عصفت بالأسواق المالية وعطلت قطاع الصناعات التحويلية وأبطأت النمو العالمي، خصوصاً مع استمرار التصريحات والقرارات الامريكية التي ستمهد وكما يرى بعض المراقبين الطريق لحرب أكبر.

حيث اكد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في وقت سابق إن اقتصاد بلاده في وضع "قوي جدا"، وذكر ترامب في تغريدة على تويتر، أن كميات طائلة من الأموال تغادر الصين وأجزاء أخرى من العالم تتدفق إلى الولايات المتحدة، بفضل عوامل الأمان والعائد الاستثماري وأسعار الفائدة. هذه الحرب والخلافات التجارية المستمرة اثارت قلق ومخاوف كبيرة لما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في مقابلة صحفية إن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين من المنتظر أن تقتطع نصف نقطة مئوية من النمو العالمي العام القادم.

وأبلغ لو مير صحيفة لاكروا الفرنسية أن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم هى أكبر تهديد للنمو العالمي. وأضاف قائلا ”الرسوم الجمركية التي تضعها الولايات المتحدة على بضائع صينية والرسوم الانتقامية من الصين سيكون لها تأثير سلبي قدره 0.5 نقطة مئوية على النمو العالمي في 2020“. ”ذلك رقم كبير خصوصا في ضوء النمو الضعيف في منطقة اليورو“. وقال لو مير إنه ينبغي للحكومات في منطقة اليورو أن تكثف جهودها لدعم النمو، وإن مساعي الحكومة الفرنسية لإصلاح اقتصادها تؤتي ثمارا.

مخاطر وتهديدات

وفي هذا الشأن اعتلى وزير الخارجية الصيني وانغ يي منبر الأمم المتحدة ليطلق تحذيرا حازما موجها إلى الولايات المتحدة، مؤكدا أن "الصين لن تخشى أبدا التهديدات ولن ترضخ للضغوط". وشكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك مرة جديدة مسرحا لهذا "الشرخ الكبير" الذي يتربص بالعالم، بحسب تعبير الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش الذي استضاف هذا الملتقى الدبلوماسي السنوي.

وبعد سبعين عاما على تأسيسها، تؤكد الصين الشيوعيّة أكثر من أي وقت مضى مكانتها كقوة كبرى وقطب بوجه الولايات المتحدة، فيما تخوض واشنطن حملة غير مسبوقة للحفاظ على تفوقها. وحين ندد وانغ يي بـ"الضغوط" و"التهديدات"، تحدث عن الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، محذرا من أنها قد "تغرق العالم في ركود". وجاء هذا التحذير ردا على ترامب بعد أيام على تنديد الرئيس الأميركي أمام قادة دول العالم الـ193 بـ"تجاوزات" بكين.

ولطالما ردد الرئيس الجمهوري اتهاماته للصين بالمنافسة غير النزيهة وصولا إلى التجسس الصناعي، جاعلا من هذا الخط محورا أساسيا من ولايته، وقد انضمت إليه إدارته في توجيه هذه الانتقادات للصين. وقال الرئيس الذي يرفع شعار "أميركا أولا" إنه "لسنوات تم التغاضي عن هذه التجاوزات وتجاهلها، لا بل تشجيعها" مؤكدا أن "هذا الزمن ولّى".

وتخوض القوتان المتناحرتان منذ أشهر طويلة مفاوضات تجارية تتخللها فترات توتر تتداخل مع فترات هدنة. لكن مع بدء حملته الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية، بات ترامب يلمح إلى أنه لن يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق قبل استحقاق 2020. لكن خلف هذا الصراع الذي يهزّ الأسواق ويتصدّر وسائل إعلام العالم، فإن المواجهة هي في الحقيقة معمّمة بين البلدين.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن مخاوفه من هذا "الشرخ الكبير"، واصفا "كوكبا مقسوما إلى شطرين، تقوم أكبر قوتين اقتصاديتين فيه ببسط نفوذهما على عالمين منفصلين متنافسين، لكلّ منهما عملته المهيمنة وقوانينه التجارية والمالية وشبكة الإنترنت الخاصة به وذكاؤه الاصطناعي واستراتيجياته الجيوسياسية والعسكرية الخاصة في لعبة لا رابح فيها". وإن كانت واشنطن جعلت من فنزويلا عدوها الإقليمي، وإيران محطّ بغضها، وروسيا خصمها في الضفة الأخرى من الأطلسي، فإن وزير الخارجية مايك بومبيو لم يخفِ أنّ الخصومة الاستراتيجية الحقيقية على المدى البعيد هي مع الصين.

وعلى ضوء ذلك، باشرت إدارة ترامب حملة على جميع الأصعدة تذكر بأجواء الحرب الباردة. وفصّل نائب الرئيس مايك بنس هذا الهجوم قبل عام في كلمة عدد فيها بقسوة غير مسبوقة كل المآخذ والتهم ضد الصين. ولا تقتصر هذه الخصومة على المسائل التجارية، بل تشمل الانتقادات الموجهة للصين النزعة التوسيعية على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري والتعرض المعمم للحريات العامة والتعديات على الأقليات الدينية. والإدارة الأميركية ليست معزولة في حملتها، إذ يتفق قسم كبير من أعضاء الكونغرس والدبلوماسيين وخبراء الصين من كل التوجهات على القول إن الأمال تبدّدت في أن تؤدّي العولمة إلى "تطبيع" الصين من خلال إحلال الديموقراطية والحريات فيها بالتزامن مع الازدهار الاقتصادي.

لكن بعض المنتقدين يشيرون إلى أن المبادرات الأميركية للتصدي للنفوذ الصيني أعقبت انسحاب واشنطن من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، في حين أن ذلك كان بالأساس الهدف من اتفاقية التبادل الحر تلك. وسحب ترامب بلاده من الاتفاقية فور وصوله إلى البيت الأبيض. وشكلت اجتماعات الأمم المتحدة مسرحا للمواجهة بين القطبين. فبعدما درج ترامب على التوجه بالثناء إلى "صديقه" شي جينبينغ، أصدر هذه المرة تحذيرا شديدا للرئيس الصيني بشأن الأزمة السياسية في هونغ كونغ، وهو موضوع كان شديد التحفظ حياله حتى الآن. بحسب فرانس برس.

وقال إن "طريقة تعامل الصين مع الوضع ستعكس دورها في العالم في المستقبل"، داعيا بكين "بحزم" إلى احترام تعهداتها من أجل "الحرية" و"الديموقراطية" في المستعمرة البريطانية السابقة. بموازاة ذلك، فرضت السلطات الأميركية عقوبات على شركات صينية لاتهامها بانتهاك الحظر المفروض على النفط الإيراني، على غرار العقوبات التي سبق أن فرضتها بشأن الحصار على كوريا الشمالية. وأخيرا، اغتنمت وزارة الخارجية الأميركية الجمعية العامة لمحاولة تعبئة الأسرة الدولية ضد "حملة القمع المروعة" التي تمارسها السلطات الصينية تجاه المسلمين الأويغور في ولاية شينجيانغ. ونفت بكين الاتهامات منددة مرة جديدة بـ"تدخل" أميركي.

قرارات مستمرة

الى جانب ذلك يدرس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إمكانية إلغاء إدراج شركات صينية بالبورصات الأمريكية، حسبما قال مصدر جرى إطلاعه على الأمر، فيما قد يصبح تصعيدا جذريا لتوترات التجارة بين البلدين. وقال المصدر إن الخطوة ستأتي في إطار جهد أوسع نطاقا للحد من الاستثمارات الأمريكية في الصين، مؤكدا فحوى تقرير سابق لبلومبرج أحدث صدمة في الأسواق المالية.

وتراجعت أسهم مجموعة علي بابا القابضة وجيه. دي.كوم وبيندودو وبايدو وفيبشوب القابضة وباوزون وآيتشي-يي بين اثنين وأربعة بالمئة في معاملات ما بعد الظهيرة. وانخفضت العملة الصينية اليوان 0.4 بالمئة مقابل الدولار في الأسواق الخارجية بعد الأنباء، مقتربة من أضعف مستوى لها أمام نظيرتها الأمريكية في نحو ثلاثة أسابيع. وأوردت بلومبرج، نقلا عن مصدر قريب من المشاورات، أن الآليات الدقيقة لكيفية إلغاء إدراج الشركات ما زالت قيد البحث وأن أي خطة ستتطلب موافقة ترامب، الذي أعطى الضوء الأخضر لمناقشة الأمر.

ونسبت الوكالة إلى ثلاثة مصادر قولها إن المسؤولين يدرسون أيضا سبل وضع قيود على الشركات الصينية المسجلة على مؤشرات أسهم تديرها شركات أمريكية، لكن من غير الواضح بعد كيف ذلك. وكانت مجموعة مشرعين أمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قدمت في يونيو حزيران مشروع قانون لإلزام الشركات الصينية المدرجة في البورصات الأمريكية بالخضوع للإشراف التنظيمي، بما في ذلك السماح بالاطلاع على تدقيق حساباتها أو مواجهة إلغاء الإدراج.

وتبدي السلطات الصينية ترددا في السماح لجهات تنظيمية خارجية بالتفتيش على شركات المحاسبة المحلية - بما في ذلك أعضاء بشبكات المحاسبة الدولية الأربع الكبار - متعللة باعتبارات الأمن القومي. وفي فبراير شباط، بلغ عدد الشركات الصينية المدرجة على ناسداك وبورصة نيويورك 156 شركة، وفقا لبيانات حكومية، منها 11 شركة على الأقل مملوكة للدولة. وأحجمت بورصة نيويورك عن التعليق في حين لم ترد ناسداك ولا ام.اس.سي.آي أو ستاندرد اند بورز أو فوتسي راسل على طلبات للتعليق.

من جانب اخر وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات حادة إلى الممارسات التجارية للصين، قائلا إنه لن يقبل ”إتفاقا سيئا“ في مفاوضات التجارة الجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وأضاف ترامب أن بكين فشلت في الوفاء بوعود قدمتها عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 وأنها متورطة في ممارسات لاستغلال الآخرين كلفت الولايات المتحدة ودولا أخرى ملايين الوظائف. بحسب رويترز..

وقال الرئيس الأمريكي ”الصين لم تمتنع فقط عن تبنى إصلاحات وعدت بها، بل اعتنقت أيضا نموذجا اقتصاديا يعتمد على حواجز ضخمة في السوق ودعم حكومي كبير والتلاعب بالعملة.. وعمليات النقل القسري للتكنولوجيا وسرقة الملكية الفكرية، وأيضا أسرار تجارية على نطاق ضخم“. وأضاف قائلا ”فيما يتعلق بأمريكا فإن تلك الأيام قد ولت“.

الاقتصاد والانتخابات

على صعيد متصل قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته قد تبرم اتفاقا بشأن التجارة مع الصين قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، أو أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بعد يوم من توجه الناخبين الأمريكيين إلى مراكز الاقتراع. وقال ترامب إن بكين تعتقد أنه سيعاد انتخابه، لكن المسؤولين الصينيين يفضلون التعامل مع شخص آخر. وقال إنه أبلغ الصين أنه إذا جاء الاتفاق بعد انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني 2020، فإنه سيكون بشروط ”أسوأ بكثير“ لبكين من تلك التي تستطيع تحقيقها الآن.

وقال ترامب ”أعتقد أنه سيكون هناك اتفاق وربما عما قريب، ربما قبل الانتخابات، أو بعدها بيوم واحد. وإذا حدث ذلك بعد الانتخابات، فسيكون اتفاقا غير مسبوق، سيكون الأعظم على الإطلاق والصين تعي ذلك.“ وأضاف ”يعتقدون أنني سأفوز. الصين تعتقد أنني سأفوز بسهولة بالغة وهم قلقون لأنني قلت لهم: ’إذا كان بعد الانتخابات، فسيكون أسوأ بكثير مما هو عليه الآن.‘ أبلغتهم بذلك. هل يرغبون في فوز شخص آخر؟ قطعا.“ ويقول خبراء التجارة والمسؤولين التنفيذيين والحكوميين في البلدين إن حرب التجارة الأمريكية الصينية تطورت إلى معركة سياسية وأيديولوجية أعمق بكثير من الرسوم الجمركية وإن حلها قد يستغرق سنوات.

من جانب اخر أشار بحث نشره مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى أن الشكوك التي تحيط بالسياسة التجارية والتي يقودها النزاع المتصاعد لإدارة ترامب مع الصين تعني أن الناتج الأمريكي سيفقد 200 مليار دولار في حين سيخسر الناتج العالمي 850 مليار دولار حتى أوائل العام القادم.

ووجد باحثو البنك المركزي الأمريكي، الذين قاموا بتحليل مقالات صحفية ونتائج للشركات لتقدير الشكوك التي تحيط بسياسات التجارة، أن تلك الشكوك قفزت مؤخرا إلى ”مستويات لم تشهدها منذ عقد السبعينات من القرن الماضي“. ثم قام الباحثون بتقدير الضرر الذي توجهه مثل هذه الشكوك إلى النشاط الاقتصادي مع قيام الشركات بتقليص الاستثمار والإنتاج. وخلصوا إلى أنه على المستوى العالمي وفي الولايات المتحدة فإن التأثير يبلغ حوالي واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. بحسب رويترز.

ومع تقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يبلغ حوالي 20 تريليون دولار والناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 85 تريليون دولار فإن تأثيرا بنسبة واحد بالمئة بسبب الشكوك التجارية سيعني فقدان الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي حوالي 200 مليار دولار بينما يصل الرقم إلى 850 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا