أي مستقبل للبريكست في عهد بوريس جونسون؟

دلال العكيلي

2019-07-30 07:05

تحديات كبيرة أمام رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون، يأتي على رأسها إخراج "بريكست" من الطريق المسدود، عرف جونسون بدروه البارز في تشجيع التصويت خلال استفتاء 2016 على "بريكست"، وقد أعلن عن عزمه على إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق إذا اضطر "كإجراء أخير".

وكانت المملكة المتحدة قد صوتت في استفتاء 23 يونيو عام 2016، بأغلبية وصلت إلى 52 بالمئة، للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن لا زالت المفاوضات متعثيرة بين المملكة المتحدة والاتحاد، وبعد فوزه قال جونسون إنه ملتزم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من جهته أكد الاتحاد الأوروبي أنه لن يعيد التفاوض في شروط بريكست لكن جونسون قال سابقاً إن حكومة جديدة قد تساعد في إيجاد حل.

وكان جونسون قد تعهد بعدم دفع فاتورة بريكست، وهو مبلغ يقدر بما بين 40 و45 مليار يورو، في حال لم يوافق الاتحاد الأوروبي على شروط أفضل للانسحاب، وحذرت المفوضية الأوروبية من أن بريطانيا ملزمة بذلك حتى في حال "بريكست" دون اتفاق، وفي مقال له بصحيفة "تلغراف" البريطانية، قارن جونسون بين عملية بريكسيت وأول إنزال على سطح القمر.

وقال جونسون في مقاله "إذا نجحوا في عام 1969 بالعودة إلى الأرض بواسطة رمز معلوماتي مصنع يدوياً، فنحن نستطيع حل أزمة التبادل التجاري على حدود إيرلندا الشمالية" وكان جونسون قد استقال من حكومة تيريزا ماي احتجاجا على مشروعها للاتفاق مع الاتحاد الاوروبي الذي ينص على بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي و"شبكة أمان" في جزيرة أيرلندا، طالما لم تتم تسوية مسألة الحدود بين جمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الاوروبي وأيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة.

ويعتبر القادة الأوروبيون إن بند "شبكة الأمان" المذكور في الاتفاق، ضمانة لمنع تعريض اتفاق السلام في أيرلندا للخطر، ويمكن "لشبكة الأمان" أن تؤدي قانونيا إلى بقاء بريطانيا مقيدة إلى ما لا نهاية بالقواعد التجارية للاتحاد الأوروبي، من أجل إبقاء الحدود الإيرلندية مفتوحة.

جونسون والتعامل مع بريكست

قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إنه سيتولى مفاوضات "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي في إطار من "الالتزام" و"روح الصداقة والتعاون" وأشار جونسون إلى أنه سينغمس في المباحثات ولن يتعامل معها بـ"لا مبالاة"، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه من أجل تحقيق تقدم، ينبغي على بروكسل التنازل لإلغاء البند "غير الديمقراطي" المتعلق بإيرلندا في اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكان هذا البند الذي يضع آلية حماية لتفادي إقامة حدود بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية عقب الخروج من التكتل، هو العقبة الرئيسة التي حالت دون موافقة مجلس العموم البريطاني على اتفاق "بريكست"، الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وأكد جونسون، أنه سيكون مبادرا ولن ينتظر مجيء بروكسل إلى لندن بمقترحاتها، مضيفا: "سنحاول حل هذه المشكلات".

من جهته، يصر الاتحاد الأوروبي على أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2018 مع لندن غير قابل للتفاوض، بما في ذلك البند المثير للجدل المتعلق بإيرلندا، لكنه أبدى استعداده للعمل على تحسين الإعلان الملحق، حول مستقبل العلاقة التجارية الثنائية، وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الذي تولى هذا المنصب الأربعاء الماضي، بعد انتخابات تمهيدية لحزب المحافظين، وعقب خطاب أدلى به في مانشستر للإعلان عن تمويل قطار سريع بشمال بريطانيا.

يجب على المحافظين "طرد" جونسون

سأل بوريس جونسون، أعضاء الحزب المحافظ البريطاني فور انتخابهم له رئيسا للحزب، وبالتالي رئيسا للحكومة: "هل تبدون متوجسين؟ هل تشعرون بالريبة؟"، في سؤال استنكاري بالطبع، لكن التوتر بدا، بالفعل، على عدد غير قليل منهم، وهو شعور مبرر تسلم رئاسة حكومة بريطانيا الآن، المحافظ، أو "التوري"* الثالث على التوالي منذ تصويت الشعب على استفتاء مغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكست) قبل ثلاثة أعوام، ويرأس برلمانا مأزوما يأبى مساندة اتفاق الخروج المبرم مع الاتحاد الأوروبي، برغم اقتراب الموعد النهائي في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ودخل الجنيه الإسترليني في حالة "ذبول" مستمرة في ظل احتمال انهياره في حال خرجت بريطانيادون صفقة، ويتطلب توجيه مسار هذه الفوضى لمسة سياسية بارعة للغاية، ومع ذلك، قام المحافظون بالمقامرة، واختاروا زعيمًا شعبويًا لا فكرة له عن معنى القيادي في موقع الثقة، ويشبّه جونسون، الذي كتب سيرة وينستون شرشل، ويتوق لأن ينظر إليه الآخرين على أنه من هذا النوع من القياديين، نفسه، ببطله (تشرتشل) بمعنى أنه ورث أسوأ أزمة في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية ويبشر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والخروج منه بلا صفقة على وجه الخصوص، بضرب الاقتصاد وترك البلاد معزولة دبلوماسيا في عالم تتعرض فيه مصالحها للتهديد، كما يحدث الآن معها في مضيق هرمز تُعد هذه مخاطرة وجودية لبريطانيا، إذ إن بريكست يخيم على الروابط مع إسكتلندا وإيرلندا الشمالية أيضاً.

وفي وقت يسود فيه اكتئاب عام على المستوى الوطني، يأمل حزب المحافظين أن تكون حماسة جونسون كافية "للتغلب على حبال الشك الذاتي"، كما قال مبتسما في خطاب قبوله (استلامه لرئاسة الحكومة)، لكن في الواقع، يبدو أن أسلوبه المرح ليس تشرشليا (نسية لتشرشل) جريئا بقدر ما هو محض تهور غير مدروس، فقد قدم وعودا لا يُمكنه تحقيقها حول ملف بريكست بهدف الوصول إلى منصبه الجديد.

ويعني نهجه الأحمق هذا، أنه يسير بسرعة نحو عدم التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فتح مواجهة مع البرلمان، الذي يبدو أنه مصمم على منع تلك النتيجة، وعلى بريطانيا أن تستعد لإحدى الحكومات التي قد تكون الأكثر تعثرا في تاريخها الحديث، كما أنها قد تكون الأقصر أيضا، وكما كان البريطانيون العاديون ينتظرون قرار أعضاء حزب المحافظين حول من سيخلف رئيسة الحكومة السابقة، تيريزا ماي، دون أن يكون لهم رأي في ذلك، فإنهم تُركوا اليوم أيضا ليتساءلوا عن أي نسخة من جونسون سترأس حكومتهم، فهل سيكون بوريس الليبرالي الاجتماعي المؤيد للهجرة؟ أم أنه سيكون بوريس الذي انبعث من جديد ليبشر بالشكوكية الأوروبية؟

ورغم اتسامهِ بشخصية متقلبة كالحرباء، إلا أن جونسون حاكى السياسات المتشددة المتزايدة لأعضاء حزب المحافظين، وفي تعديل وزاري مثير للدهشة، عيّن يمينيين في حكومته، وهما؛ الداعمة السابقة لعقوبة الإعدام، بريتي باتل، في منصب وزيرة الداخلية، والمؤيد بشدّة لبريكست، دومينيك راب، في منصب وزيرة الخارجية، كما أن اعتقاد جونسون أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يمكن أن يوفر "حبل نجاة" لبريطانيا في تخليها عن الاتحاد الأوروبي، مَنَعَه من انتقاد الثاني، حتى عندما قلل ترامب من شأن السفير البريطاني في واشنطن وتُعد هذه المحاولة لإرضاء ترامب بأي ثمن كان، أمراً خطيراً خصوصاً في الوقت الذي يجب أن تعارض بريطانيا السياسة الأميركية تجاه إيران.

أما الموضوع الأكثر إثارة للقلق، فهو خطّة جونسون الخيالية لبريكست لقد قضت ماي على نفسها كرئيسة للحكومة، في أعقاب تقديمها وعودا غير واقعية حول الصفقة التي ستحصل عليها بريطانيا، وهي تعهدات قضت عامين بائسين في محاولة التراجع عنها، أما جونسون فقد ارتكب الخطأ ذاته على نطاق أوسع، فقد أقسم أنه سيتخلص من "شبكة الأمان" المصممة لتجنب الحدود الفعلية مع إيرلندا، وهو ملف يصر الاتحاد الأوروبي على أنه غير قابل للتفاوض، ويقول إنه لا يجب على بريطانيا دفع فاتورة الخروج التي وافقت عليها كما أنه تعهد بالمغادرة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بعدما قال "أفعل ذلك أو أموت" وقال إنه إذا لم يقدم الاتحاد تنازلات، فلن "يكون مكلفا البتة" على بريطانيا تركه دون أي صفقة، وبينما وجدت ماي أن الواقع صعب جداً مقارنة بالتصريحات، فإن جونسون سيواجه واقعا أكثر "وحشية" بكثير.

لا يمكن تجنب ورطة بريكست إلا باتخاذ مسلك واحد ووحيد، لكن جونسون يتميز بقدرة كبيرة على التقلب بحيث يمكن للمرء أن يتصور أن بمجرد وصوله إلى السلطة ومواجهة عواقب وعوده، فإنه سيتخلى عنها ببساطة، ويستطيع تألقه أن يساعده على إنجاز صفقة معدلة قليلا من خلال البرلمان، كما أن أوروبا مستعدة لمساعدته على ذلك، لكن فرص تقديمه تنازلات تبدو ضئيلة وبينما حظيت ماي بعامين للتراجع عن وعودها الخيالية (وفشلت بذلك)، فإن جونسون ليس لديه سوى ثلاثة أشهر للتراجع عن تصريحاته الفضفاضة، هذا بالإضافة إلى أن الأغلبية الحاسمة للمحافظين بالبرلمان، تقف عند ثلاثة أعضاء فقط، مع وجود الكثير من المتمردين في جناحَي المؤيدين لبريكست، والرافضين له.

لذا، فإن التوصل إلى صفقة مع الاتحاد قد تعني على الأرجح، العمل مع حزب العمال من أجل تحقيقها، الأمر الذي سيكلف الحكومة بقيادة جونسون، إجراء استفتاء جديد (بحسب مطلب المعارضة)، وهذا قد يؤدي إلى نتيجة جيّدة للدولة، وهو خيار يستحق منحه الفرصة لتوضيح ما إذا كانت حزمة بريكست بمساوئها وحسناتها، تتساوى مع الصيغة الخيالية الجميلة التي سُوقت للناس عام 2016، لكن الخطوط الحمراء التي ورط فيها جونسون نفسه، قد تبقي صفقة مماثلة بعيدة المنال.

وهذا يعني أن خطورة توجه جونسون في مسار الخروج من الاتحاد دون صفقة، في تزايد مستمر، والتي سيصفها بالخطوة الشجاعة والتشرشيلية، وبعض داعمي بريكست يحذون حذوه في التبجح بأن التحذيرات من أضراره على الاقتصاد والموقع الدولي لبريطانيا والاتحاد على حد سواء، هي محض "أخبار مزيفة"، فيما يدعي آخرون أن هذه هي التكلفة "الضرورية" لتنفيذ بريكست، إلا أن الخروج دون اتفاقية لن يرقى لتحقيق هذا حتى فستستمر المحادثات مع الاتحاد الأوروبي حول الجوانب غير المحلولة للعلاقات المتبادلة بعد الخروج، مع تغير موقع بريطانيا لأنها ستصبح خارج المعادلة فقط، وستضطر بالتالي للتفاوض على شروط أسوأ من ذي قبل.

أما بالنسبة للحفاظ على الديمقراطية البريطانية، فليس هناك تفويض لعدم وجود صفقة، وهو ما لم يكن في النشرة التمهيدية لبريكست، ولم ينادي به أي حزب في الانتخابات الأخيرة، وفي الواقع، تعارضه أغلبية البرلمان والجمهور على حد سواء، ويقول بعض مؤيدي الخروج المتشددين إنه يجب تعليق البرلمان حتى لا يتم فرض أي صفقة، باسم الديمقراطية، وهذه بشاعة تتحدث عن نفسها، ومع ذلك، لم يستبعد جونسون ذلك.

وإذا ما قرر أن يخوض مناورة متهورة كهذه، فيجب على البرلمان أن يقف في طريقه. قد يكون المسار الوحيد هو التصويت على حجب الثقة عنه، سيحتاج ذلك على الأقل إلى بعض أعضاء البرلمان المحافظين للتصويت لإسقاط حكومتهم، وهو أمر لم يحدث منذ أن ساعد حزب المحافظين المتمردين على طرد نيفيل تشامبرلين في عام 1940، وذلك قد يعني الغوص إلى أعماق انعدام اليقين لتظهر استطلاعات الرأي اليوم انقساماً بين الأحزاب الأربعة، ما يجعل النتائج المتوقعة لأي انتخابات ناتجة عن هذا، أشبه باليانصيب.

لكن ينبغي أن يعلم المحافظون المترددون، دون أدنى شك، أنه إذا ما سُمح لجونسون بتعليق الديمقراطية لفرض بريكست دون صفقة، الذي من شأنه زعزعة الاقتصاد والمخاطرة بالاتحاد، فإن ذلك لن يكون خيانة للبلاد فحسب، بل قد تكون نهاية المحافظين، ويجب أن يكون جونسون على يقين تام أنه ما لم يتخلَّ عن الوعود الخيالية، ويتحول إلى تبني خطاب جدي بشأن القيام بصفقة، فقد ينتهي به الأمر إلى المقارنة ليس بتشرتشل، بل بتشامبرلين.

بريكست: فرصة هائلة للبريطانيين

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن بريكست يمثل "فرصة اقتصادية هائلة"، بعدما تمّ التعاطي معه خلال فترة تيريزا ماي على أنه "عاصفة معادية داهمة" وقال رئيس الوزراء الجديد إنّ "مغادرة الاتحاد الأوروبي تمثّل فرصة اقتصادية هائلة للقيام بأشياء لم يكن مسموح لنا القيام بها لعقود".

وقال "حين صوّت الناس لمغادرة الاتحاد الأوروبي، لم يصوّتوا فقط ضدّ بروكسل، وإنّما أيضاً ضدّ لندن" ووعد بوريس جونسون الذي كان يكشف في هذا الخطاب أولوياته للبلاد، بمنح مزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية، وتعزيز البنى التحتية للاتصالات والنقل، وأضاف أنّ "استعادة السيطرة لا تعني فقط أنّ وستمنستر ستسترد سيادتها من الاتحاد الأوروبي، وإنّما تعني أيضاً أنّ قرانا ومدننا وقطاعاتنا ستكتسب استقلالية" ولدى سؤاله عن مفاوضات بريكست، قال بوريس جونسون إنّه مستعد للتباحث مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي،

ولفت رئيس الوزراء البريطاني إلى أنّ "مقاربة حكومة المملكة المتحدة لا تقوم على الانعتاق، ولا على أخذ المسافة، ولا على انتظار أن يأتوا إلينا، بل سنحاول حل هذه المشكلة".

مركز النبأ الوثائقي يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية
للاشتراك والاتصال annabaa010@gmail.com
أو عبر صفحتنا في الفيسبوك (مركز النبأ لوثائقي)

......................................
المصادر
- الغد
- الحرة
- RT
- عرب 48

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا