الاقتصاد الأميركي: ما أبرز المخاطر المحدقة بأكبر اقتصاد في العالم؟
إيهاب علي النواب
2018-12-18 07:29
رغم ضخامة الاقتصاد الاميركي على مستوى العالم، سيما وهو الاكبر من ناحية الناتج المحلي الاجمالي، وعلى الرغم من فترة الانتعاش التي شهدها بعد تولي ترامب زمام السلطة في البيت الابيض، الا ان مراقبون سيما في الفترة الاخيرة يرون ان ثمة هناك تدني في مؤشرات هذا الانتعاش، خاصة بعد التوترات الحاصلة بيت ترامب وبين الاحتياطي الفيدرالي حول اسعار الفائدة، وفي الخارج كنتيجة لسياسات ترامب التجارية من الشركاء خاصة الصين والتي يرى البعض فيها انها اضرت الاقتصاد الاميركي اكثر مما نفعته.
فقد توقّع كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي أن تلمس الولايات المتحدة تداعيات تباطؤ النمو الاقتصادي المسجّل في بقية أنحاء العالم، مستبعدا في الوقت الراهن انكماش أكبر قوة اقتصادية في العالم. وفي مقابلة مع صحيفتي "وول سريت جورنال" و"فايننشال تايمز" قبل أيام من تركه منصبه صرح موريس أوبستفلد "نحن نتوقّع منذ فترة تباطؤا تدريجيا للنمو الأميركي في 2019 مقارنة بالعام الحالي"، مع تراجع التحفيزات الضريبية والمالية التي تقدّمها الإدارة الأميركية، واضاف أوبستفلد إن التباطؤ "سيكون أكبر في 2020 مقارنة مع 2019 بحسب معطياتنا"، في حين خفّض الصندوق توقّعاته للنمو الأميركي للعام المقبل من 2,9 إلى 2,5 بالمئة.
وتابع كبير الخبراء الاقتصاديين "بالنسبة لبقية أنحاء العالم، ويبدو أن البالون بدأ يفرغ من الهواء (الفورة بدأت تخمد) وهذا سيؤثر في نهاية المطاف على الولايات المتحدة"، مستندا في ذلك إلى معطيات اقتصادية أقل من التوقعات في آسيا وأوروبا في الفصل الثالث، وعلى غرار ما فعل منذ أشهر، ندد أوبستفلد، الذي يغادر منصبه في صندوق النقد نهاية العام لتحل محله البروفسورة في جامعة هارفرد غيتا غوبيناث، بالنزاعات التجارية التي تهدد النمو العالمي، واعتبر كبير اقتصاديي صندوق النقد أن "التوترات الحالية يمكن أن تكون مضرّة لأن الاستثمارات والانتاج على مستوى العالم مرتبطة بالتجارة، لكن ليس من شأن ذلك أن يقود إلى الانهيار الذي شهدناه في ثلاثينيات القرن الماضي". وقد جددت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد تخوّفها من أن تؤدي التوترات التجارية إلى فرض مزيد من الضرائب والرسوم الجمركية، وذكرت لاغارد "إنها مشاهد محزنة جدا، وأن يحدث ذلك في باريس أمر محزن للغاية" في إشارة إلى مشاهد أعمال العنف والأضرار التي سجّلت خلال التظاهرات والتي تناقلتها محطات التلفزة الفرنسية والأجنبية.
العجز التجاري الأمريكي يرتفع لأعلى مستوى في 10 سنوات
قفز العجز التجاري الأمريكي في أكتوبر تشرين الأول لأعلى مستوياته في عشر سنوات، حيث شهدت صادرات فول الصويا مزيدا من الانخفاض وارتفعت واردات السلع الاستهلاكية لمستوى قياسي، وهو ما يشير إلى أن إجراءات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتبطة بالرسوم لتقليص العجز التجاري لم تكن مجدية على الأرجح، وأظهرت بيانات أخرى أن أرباب العمل في القطاع الخاص عينوا عددا من العاملين أقل من المتوقع في نوفمبر تشرين الثاني، وهو ما يشير إلى تباطؤ في نمو الوظائف. وعزز ذلك تقرير آخر أظهر انخفاضا بسيطا في أعداد الأمريكيين الذين تقدموا بطلبات لصرف إعانات البطالة الحكومية.
وتنضم هذه التقارير إلى البيانات الضعيفة الخاصة بسوق الإسكان وإنفاق الشركات على المعدات في الإشارة لتباطؤ في النمو الاقتصادي. وأثار القلق بشأن متانة الاقتصاد اضطرابا في الأسواق المالية، وأفادت وزارة التجارة الأمريكية إن العجز التجاري زاد 1.7 في المئة إلى 55.5 مليار دولار، مسجلا أعلى مستوياته منذ أكتوبر تشرين الأول 2008. واتسع العجز التجاري بذلك على مدى خمسة أشهر متتالية، وجرى تعديل بيانات سبتمبر أيلول لتظهر زيادة العجز إلى 54.6 مليار دولار، بدلا من 54 مليارا في التقديرات السابقة، وقفز عجز تجارة السلع مع الصين، وهي مسألة حساسة سياسيا، بنسبة 7.1 في المئة إلى مستوى قياسي بلغ 43.1 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول.
وتوقع خبراء اقتصاديون أن يزيد العجز التجاري الكلي إلى 55 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول. وعند التعديل في ضوء التضخم، ارتفع عجز التجارة السلعية إلى 87.9 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول من 87.2 مليار دولار في سبتمبر أيلول. ويفوق ما يسمى بالعجز التجاري الحقيقي متوسطه في الربع الثالث، وفي أكتوبر تشرين الأول، تراجعت صادرات السلع والخدمات 0.1 في المئة إلى 211 مليار دولار، بينما ارتفعت واردات السلع والخدمات 0.2 في المئة إلى 266.5 مليار دولار، مسجلة أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وعلى صعيد منفصل، أظهر تقرير التوظيف الوطني لمؤسسة إيه.دي.بي أن عدد الوظائف في القطاع الخاص زاد 179 ألف وظيفة في نوفمبر تشرين الثاني، بعد زيادة معدلة بالخفض بلغت 225 ألفا في أكتوبر تشرين الأول، وكان خبراء اقتصاد توقعوا ارتفاع عدد الوظائف في القطاع الخاص بمقدار 195 ألفا الشهر الماضي، بعد زيادة قدرها 227 ألفا في التقديرات الأولية لشهر أكتوبر تشرين الأول، ويجري إعداد تقرير إيه.دي.بي بالاشتراك مع موديز أناليتكس، ويأتي قبل نشر تقرير الوظائف الحكومي الأشمل لشهر نوفمبر تشرين الثاني، وتشير توقعات خبراء الاقتصاد إلى أن من المرجح أن تزيد عدد الوظائف في القطاعات غير الزراعية الأمريكية بواقع 200 ألف وظيفة في نوفمبر تشرين الثاني، بعد ارتفاعها 250 ألفا في أكتوبر تشرين الأول. ومن المتوقع أن يظل معدل البطالة قرب أدنى مستوى في 49 عاما عند 3.7 بالمئة.
رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي يبدي مخاوف حيال الاقتصاد
قد يكون رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول يبدي تفاؤله بشأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، غير أنه أعرب عن مخاوف تحرمه من النوم. وذكر من بين الأسئلة التي تطرح عليه: هل سيتسارع التضخم؟ وهل أن معدلات الفوائد أعلى أو أدنى مما ينبغي؟ وهل هناك مخاطر محدقة بأكبر اقتصاد في العالم؟
في المقابل، لفت إلى أن نسبة البطالة متدنية جدا في حين أن التضخم معتدل موضحا في تصريحات عكست التناقضات التي تتجاذبه "ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الدورة لن تتواصل لبعض الوقت". وتطرق إلى الأزمة المقبلة التي قد تحصل في المستقبل، وذكر إنها ستكون مختلفة عن أزمة 2008 في غياب بوادر بلبلة مالية أو مشكلات في القطاع المصرفي، ورأى أنها قد تكون مشكلة مماثلة لهجوم إلكتروني.
وحذر بأن السياسة الحمائية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب وتباطؤ اقتصادات كبرى مثل الصين قد تكون عوامل "سيئة للعمال الأميركيين والاقتصاد الأميركي". وطرح سيناريو عكسيا، فذكر إنه في حال أدت الحروب التجارية التي باشرها ترامب بقراره فرض رسوم جمركية إضافية على 250 مليار دولار من البضائع الصينية، إلى تخفيض الحواجز الجمركية وفرض احترام أكبر لقواعد التجارة الدولية، فإن "ذلك سيكون جيدا لنا".
من جهة اخرى جدد الرئيس الاميركي دونالد ترامب انتقاداته للاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الاميركي الخميس وصرح بإنه يتحرك "باندفاع كبير" برفعه أسعار الفائدة، ورغم أنه أقر بأن رفع أسعار الفائدة ساعد المدخرين، إلا أنه انتقد أساليب الاحتياطي الفدرالي. موضحاً "إنهم يتصرفون باندفاع مبالغ فيه". وجاءت هذه التصريحات عقب انتقاداته غير المسبوقة في وقت سابق الخميس عندما ذكر أن الاحتياطي الفدرالي "أصابه الجنون"، وأكد أن ارتفاع أسعار الفائدة تسبب بانهيار البورصة، حيث خسر مؤشر داو جونز لدى إغلاقه أكثر من 800 نقطة في أسوأ أداء له منذ فترة.
وتسبب ذلك بتداعيات على البورصات العالمية امتدت إلى آسيا وأوروبا حيث يخشى المستثمرون رفع أسعار الفائدة -- الذي يدفع المشترين بعيدا عن الاسهم وباتجاه السندات -، إضافة إلى تأثير النزاع التجاري بين ترامب والصين. ورغم أن ترامب أقر بأن ارتفاع أسعار الفائدة بعد سنوات من ثباتها عند الصفر هو "أمر جيد لمن لديهم أموال في البنوك ويستطيعون الآن الحصول على فائدة على أموالهم لأول مرة منذ فترة طويلة" إلا أنه أكد الخميس أن الاحتياطي الفدرالي "يرتكب خطأ كبيراً"، والهجمات على البنك المركزي الاميركي هي مثال آخر على خرق ترامب للأعراف. فالبنك هو جهاز مستقل وتجنب الرؤساء في العقود الأخيرة التعليق علنا على الخطوات التي يتخذها.
إصلاحات ترامب الضريبية تهوي بتدفقات الاستثمار الأجنبي
كشفت دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الإصلاحات الضريبية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سببت اضطرابا كبيرا في تدفقات الاستثمار العالمي، مع جذب الولايات المتحدة أموالا أكثر من التي تضخها في الخارج في الربع الأول من العام وذلك للمرة الأولى منذ 2005. وأفادت المنظمة التي مقرها باريس إن الدراسة الصادرة عنها هي الأولى التي تكشف بيانات عن أثر التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وصرحت ماريا بورجا خبيرة الإحصاء بقسم الاستثمار في منظمة التعاون الاقتصادي”في العادة فإن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للاستثمار الخارجي في العالم. لذا حين تتحول إلى تسجيل رقم بالسالب فإن لذلك أثرا كبيرا على التدفقات العالمية“. وخلصت الدراسة إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية المتجهة إلى الخارج انخفضت 44 بالمئة إلى 136 مليار دولار في الربع الأول من 242 مليار دولار في الربع السابق، ويرجع ذلك في الأساس إلى تحول سلبي للاستثمارات الخارجة من الولايات المتحدة مما يعني أن الشركات الأمريكية جلبت المزيد من الأموال إلى الداخل بالمقارنة مع تلك التي ترسلها إلى الخارج. كما تراجعت الاستثمارات الخارجة من الولايات المتحدة إلى سالب 145 مليار دولار، لتسجل رقما سالبا للمرة الأولى منذ الربع الرابع من 2005. ويرجع التغيير إلى تحويلات كبيرة إلى الداخل من قبل الشركات الأمريكية الأم لأرباح شركاتها التابعة في الخارج.
في ذات الشأن يرى الكثير ان القطيعة او استمرار التوتر بين ادارة ترامب والاحتياطي الفيدرالي وان كان لايمثل خطورة على المشهد الاقتصادي بالمجمل، الا انه من الممكن ان ينقل صورة سلبية عن وجود حالة من التوافق بين الاثنين، مما يعني زيادة مخاوف العاملين في قطاع الاستثمار والتجارة بل وحتى الافراد سيما فيما يتعلق بمنح القروض، وبالتالي قد يجد الاقتصاد الامريكي نفسه امام موجه كساد جديدة، ترغم ترامب عن التنحي عن اصراره في الاستمرار في سياسته الحمائيه التي باتت تمثل الشغل الشاغل للاقتصاديين اليوم.