السياحة في العالم.. صراع من اجل الاستقطاب في عالم مضطرب
عبد الامير رويح
2015-04-11 12:45
تعد السياحة من أهم مصادر الدخل للكثير من الدول في العالم، هذا القطاع المهم الذي تأثر بشكل كبير خلال السنوات الماضية جراء الأزمة الاقتصادية العالمية وكما يقول بعض الخبراء، لا يزال وعلى الرغم من الانتعاش النسبي يعاني الكثير من المشكلات والأزمات بسبب استمرار الصراعات والتوترات الإقليمية والدولية، يضاف إليها التقلبات المهمة في أسواق النفط و المال العالمية التي أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد في العديد من الدول وخصوصا الدول الغنية، من جانب آخر يرى بعض المراقبين ان السياحة العالمية وفي ظل التطور الهائل لوسائل الاتصال والانتقال، تشهد تحول كبير وانتعاشاً غير مسبوق وهو ما دفع العديد من الدول الى اعتماد خطط تنافسية من اجل استقطاب اكبر عدد من السياح.
وبحسب الإحصائيات السابقة الصادر عن منظمة السياحة العالمية وكما تنقل بعض المصادر فقد ارتفع عدد السيّاح الدوليين بنسبة 4.6% في النصف الأول من العام 2014 واستقبلت المقاصد السياحية من حول العالم ما يقارب 517 مليون سائح دولي بين شهرَيْ كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2014، أي أكثر بـ22 مليون سائح مما كان عليه العدد في الفترة نفسها من 2013. وسُجِّلت أعلى معدَّلات النمو في القارة الأمريكية تلاها إقليما آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا. وبحسب المناطق دون الإقليمية، تصدَّرت مناطق جنوب آسيا وأوروبا الشمالية الترتيب إلى جانب منطقة شمال شرق آسيا.
وقد علَّق أمين عام منظمة السياحة العالمية، على هذه المسألة بالقول: "تظهر هذه النتائج استفادة قطاع السياحة من الأداء الإيجابي للسنوات السابقة، بحيث بات هذا القطاع يوفر فرصاً للتنمية والاقتصاد في جميع أنحاء العالم". وأضاف: "فعلاً، على الرغم من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، ارتفع عدد السيّاح الدوليين سنوياً بنسبة 5% كمعدل وسطي منذ العام 2010، وقد انعكس هذا الاتجاه على النمو الاقتصادي، مولداً المزيد من الصادرات والمزيد من فرص العمل".
السياحة وأسعار العملات
وفي هذا الشأن فمن الارتفاع الكبير في سعر الفرنك السويسري الى انهيار الروبل الروسي مرورا بتراجع اليورو الى مستويات قياسية، تؤثر التبدلات الكبيرة في اسعار صرف العملات بشكل مباشر على خيار السياح وترغم الاخصائيين في القطاع على التكيف المستمر مع تبدلات الاوضاع. وقال الامين العام لمنظمة السياحة العالمية طالب الرفاعي على هامش مشاركته في معرض السياحة العالمية الذي انهى اعماله في برلين ان المعادلة بسيطة في هذا المجال: "العملة الضعيفة تجذب الناس الى بلدكم لكنها تعيق سفركم اما العملة القوية فتشجع الناس على السفر لكنها تصعب الامر بالنسبة للاخرين الراغبين في زيارة بلدكم".
وعندما حقق الفرنك السويسري ارتفاعا كبيرا في مقابل اليورو مسجلا زيادة 30 % في وقت سابق لاحظ يواخيم كوات مدير المبيعات في مجموعة "بيار إي فاكانس سنتر بارك" في المانيا وسويسرا سريعا ان السويسريين صبوا اهتمامهم على مواقع السفر التابعة للمجموعة في المانيا وفرنسا والتي تقدم اسعارها باليورو. واشار كوات الى ان هذا الامر "يدفعنا بطبيعة الحال الى التحرك"، وهو ما قامت به المجموعة من خلال تقديمها تخفيضات للمسافرين على موقعها الذي يقدم الاسعار بالفرنك السويسري.
وعلى رغم محاولة مدير الهيئة السويسرية للسياحة يورغ شميت في برلين التخفيف من اهمية المسألة قائلا ان "العملات عامل متبدل صعودا وهبوطا"، تتوقع هذه الهيئة المعنية بالترويج للسياحة السويسرية تراجعا في الحجوزات لفترة الصيف من جانب السياح الاوروبيين. لذا تركز الهيئة على الحملات الموجهة للسياح غير الاوروبيين، وتحديدا الاسيويين، عبر اعلانات محددة الاهداف تركز على الرياضة مثلا. وتسعى الهيئة السويسرية للسياحة ايضا الى اقناع السويسريين بتمضية عطلاتهم في بلدهم.
وخلافا لزملائهم في سويسرا، يجد المروجون السياحيون الروس سهولة واضحة في التحدث عن الاسعار: 91 يورو هو ثمن قضاء ثلاث ليال في فندق اربع نجوم في موسكو مع الفطور بالاضافة الى زيارات سياحية داخل المدينة بالحافلة وثمن الدخول الى المتاحف. وبالنسبة لسيرغي كورنيف من الوكالة الفدرالية للسياحة الروسية، فإن الهبوط الكبير في سعر الروبل الذي خسر 50 % من قيمته مقابل الدولار في 2014، يمثل "فرصة نادرة" لجذب السياح الى موسكو وسان بطرسبرغ اضافة الى مدن ما يعرف بالطوق الذهبي في روسيا.
وقال "لا نعلم ما سيكون عليه الوضع في الغد، لذلك علينا الاستفادة من هذه الفرصة اليوم"، مبديا سعادته ازاء الاقبال غير الاعتيادي للمهنيين على منصة العرض الخاصة بروسيا في معرض السياحة في برلين. وأوضح من جانبه دان نغوين من هيئة السياحة في مقاطعة كيبيك الكندية ان التبدل الكبير في اسعار العملات يمثل "احد العناصر التي يمكن تلمس اثارها في شكل اسرع"، اذ ان تراجع القدرة الشرائية للسياح او زيادتها يصبحان "امرا ملموسا بسرعة" بمجرد استخدام ادوات تحويل العملات. بحسب فرانس برس.
وتأمل هذه المقاطعة الكندية بالاستفادة من تراجع الدولار الكندي مقابل الدولار الاميركي لجذب مزيد من السياح الاميركيين. ولتحفيز الحركة، اطلقت هيئة السياحة في كيبيك حملات اعلانية وبرامج سياحية مع شركات سفريات اضافة الى حجز مساحات اعلانية على مواقع الكترونية لكبرى وكالات السفر. اما بالنسبة لاخصائي السياحة في المانيا، فيبدو ان التعويل اكبر على السياح الاميركيين والسويسريين والبريطانيين وذلك املا في توافدهم باعداد كبيرة للاستفادة من قوة عملاتهم المحلية في مقابل اليورو. لكن "سيكون من التبسيط القول ان الطلب يرتبط فقط بتبدل اسعار صرف العملات" بحسب بترا هيدورفر رئيسة المديرية الالمانية للسياحة. وأضافت هيدورفر "لدينا استراتيجيات طويلة الامد" لا تتبدل مع تغير سعر صرف اليورو. كذلك شدد طالب الرفاعي على "اننا في حاجة الى صناعة (...) تتطور وتتكيف لكن يجب عدم السعي دائما الى اجراء تغييرات جذرية في الاستراتيجية بسبب هذا الامر".
سنغافورة
من جانب آخر أظهرت دراسة مسحية أن سنغافورة هو أفضل مقصد غير إسلامي للسياح المسلمين وذلك بفضل منتجاتها الحلال، لتصبح بذلك أكثر بلد غير مسلم "صديق" للزوار المسلمين حسبما أفاد المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية الذي جمعت بياناته مؤسسة كريسنت رايتينج السياحية وشركة ماستر كارد. وأظهرت دراسة في العام الماضي أن نحو 108 ملايين مسافر مسلم أنفقوا نحو 145 مليار دولار أي ما يعادل عشرة بالمئة من الانفاق العالمي على السفر. ومن المتوقع ارتفاع هذا الرقم إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2020.
ويبدو أن المنتجات الحلال قد ساعدت في تألق سنغافورة بعدما أظهرت دراسة مسحية أن البلد الآسيوي هو أفضل مقصد غير إسلامي للسياح المسلمين. وجاءت نتيجة الدراسة بعد أسابيع من صدور بيانات رسمية أظهرت تراجع عدد الزائرين الإجمالي لسنغافورة العام الماضي للمرة الأولى منذ 2009. وتفوقت سنغافورة التي تتميز بتعدديتها الثقافية على تايلاند وهونغ كونغ وتايوان فضلا عن مقاصد سياحية مشهورة مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا لتصبح أكثر بلد غير مسلم "صديق" للزوار المسلمين حسبما أفاد المؤشر العالمي للسياحة الإٍسلامية الذي جمعت بياناته مؤسسة كريسنت رايتينج السياحية وشركة ماستر كارد. بحسب فرانس برس.
ووفقا للمؤشر فقد تغلبت سنغافورة أيضا على بعض البلدان الإسلامية مثل جزر المالديف ومصر بعدما أحرزت نقاطا أكثر في مجالات التعامل بود مع العائلات والأمان والخدمات. وشملت الدراسة مسافرين من 100 دولة. والسياح المسلمون هم من أسرع المجموعات المسافرة نموا ويعد اجتذابهم أمرا حيويا في ظل تباطؤ الاقتصاد في أوروبا والصين. ويبحث المسافرون المسلمون عن مطاعم تقدم المأكولات الحلال وعن المساجد وغيرها من المناطق المخصصة للصلاة كما يهتمون بالأمان. وتشير الدراسة إلى أن تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في بعض الدول الغربية بالإضافة لزيادة هجمات المتشددين الإسلاميين من بواعث القلق الأمر الذي ساعد في حصول قارة آسيا على أفضل العلامات في المؤشر.
البرتغال
على صعيد متصل أنفق السياح الأجانب في البرتغال مبلغا إجماليا قياسيا قدره 10,4 مليارات يورو سنة 2014، لتسجل نفقاتهم بالتالي ارتفاعا بنسبة 12,4 % بالمقارنة مع العام السابق، بحسب الإحصاءات التي نشرها مصرف البرتغال. وصرح وزير السياحة أدولفو ميسكيتا نونيس أمام وسائل الإعلام أن "المصرف المركزي أكد أن العام 2014 كان عاما قياسيا بالنسبة إلى السياحة في البرتغال وحطم جميع الأرقام القياسية".
وارتفعت العائدات السياحية في البرتغال "بمعدل أكبر بثلاث مرات من تلك المسجلة في اسبانيا وأربع مرات من تلك في إيطاليا ومرتين من تلك في فرنسا"، على ما قال وزير الاقتصاد أنطونيو بيريس دي ليما. وتشكل السياحة 10 % من إجمالي الناتج المحلي في البرتغال وهي كانت من القطاعات التي أدت دورا حيويا في انتعاش الاقتصاد بعد سنيتن ونصف السنة من الركود. بحسب فرانس برس.
وسجلت الفنادق البرتغالية 46,1 مليون ليلة من الحجوزات العام الماضي، أي أكثر بنسبة 11 % من العام السابق، من بينهم 32,3 مليون حجز سدده سياح أجانب، على رأسهم البريطانيون والإسبان والفرنسيون. وارتفعت عائدات قطاع الفنادق بنسبة 12,8 %، "ما يدل على أن النمو لم يحصل على حساب الأسعار"، على ما لفت وزير السياحة. وتم الإدلاء بهذه التصريحات على هامش التوقيع على بروتوكول اتفاق في مجال السياحة بين الدولة البرتغالية ومجموعة "إيه ان إيه". وتعهد الطرفان استثمار 10 ملايين يورو بالتساوي في الترويج للمشاريع السياحية خلال السنوات الخمس المقبلة.
نيويورك ولوس انجليس
الى جانب ذلك استقبلت مدينة نيويورك عددا قياسيا من السياح في العام 2014 شمل 56,4 مليون سائح، أي أكثر بمليوني شخص من العدد المسجل العام الماضي، بحسب ما كشفت البلدية. وكان 44,2 مليون شخص من بين هؤلاء السياح يأتون من الولايات المتحدة، في مقابل 12,2 مليون من الخارج، على ما جاء في بيان صادر عن البلدية أكد أن نيويورك هي الوجهة السياحية الأولى في الولايات المتحدة.
وصرح رئيس البلدية بيل دي بلازيو أن "نوعية العيش الممتازة ونسبة الجرائم المنخفضة والدينامية المتواصلة (للمدينة) تستمر في استقطاب أعداد قياسية من السياح كل سنة. ولم يكن العام 2014 استثناء على ذلك". وكان الرقم القياسي السابق يعود للعام 2013 مع 54,3 ملايين زائر. وقد ارتفع عدد السياح بنسبة 23 % منذ العام 2009. ويأتي السياح الأجانب خصوصا من بريطانيا وكندا والبرازيل وفرنسا والصين وأستراليا وألمانيا. وحقق قطاع السياحة في نيويورك عائدات قياسية شملت 61,3 مليار دولار وهو وفر 359 ألف فرصة عمل. وكانت المدينة تضم حتى نهاية العام 2014 حوالى 102 ألف غرفة فندق بسعر يعادل 295 دولارا لليلة الواحدة. ووصلت نسبة الحجوزات في الفنادق إلى 89 %. وتعد أسعار الفنادق في نيورك الأغلى في البلاد. بحسب فرانس برس.
في السياق ذاته حققت مدينة لوس أنجليس أرقاما قياسية جديدة للسياحة والمسافرين الذين يصلون إلى مطار لوس أنجليس الدولي في العام المنصرم حيث وصلت إلى مستويات اثنى عليها رئيس بلدية المدينة ووصفها بأنها حاسمة لاقتصاد المنطقة. وقال إريك جارسيتي رئيس البلدية إن 43.4 مليون سائح زاروا لوس أنجليس في 2014 وهو ما يحطم الرقم القياسي للسياحة للعام الرابع على التوالي لثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة.
وقال جارسيتي إن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 70 مليون مسافر سافروا عبر مطار لوس أنجليس الدولي العام الماضي وهو رقم قياسي آخر لواحد من أكثر المطارات ازدحاما في العالم. وقال جارسيتي "النمو المتواصل المحطم للأرقام القياسية وقوة السياحة في لوس أنجليس يسلطان الضوء على اقتصادنا ويخلقان وظائف مجزية الاجر لعائلاتنا ويفيدان الشركات المحلية ويولدان عائدا كبيرا للمدينة يوجه إلى الخدمات العامة لتلبية احتياجات مدينتنا."
واضاف قائلا "يجب على أهل لوس أنجليس أن يفتخروا بأن مدينتنا العظيمة هي وجهة مفضلة لزائرين من ارجاء الولايات المتحدة والعالم." وقال جارسيتي ان لوس أنجليس حققت في 2014 أرقاما قياسية فيما يتعلق بعدد الزوار الدوليين حيث بلغ 6.5 مليون زائر ونسبة الاشغال في الفنادق حيث بلغت 79 بالمئة في حين بلغت مبيعات الليالي الفندقية 28.04 مليون بزيادة قدرها 3.2 بالمئة عن العام السابق.
اليابان
على صعيد متصل أرخى الزلزال والتسونامي اللذان ضربا اليابان سنة 2011 بثقلهما على قطاع السياحة في البلاد، بعد الاضرار الهائلة التي لحقت بالساحل الشمالي الشرقي ما خلف الاف القتلى وتسبب بأسوأ ازمة نووية خلال جيل. لكن بعد اربع سنوات على هذه الكارثة، بدأ القطاع يستعيد عافيته وسط توقعات بشأن ازدياد اعداد الزوار الى البلاد للاستفادة بشكل خاص من تراجع سعر صرف الين ومع تخفيف حدة القلق جراء ترددات كارثة فوكوشيما النووية.
فقد سببت المخاوف ازاء التسربات الاشعاعية من مفاعل فوكوشيما تراجعا كبيرا في عدد الزوار الى اليابان ما جعل سعي السلطات لجذب سياح جدد الى البلاد يبدو هدفا مستحيلا في الايام والاسابيع التي اعقبت الكارثة. لكن طوكيو سجلت العام الماضي رقما قياسيا بلغ 13,41 مليون زائر اجنبي، اي ضعف العدد المسجل سنة 2011 وأكثر من نصف عدد العشرين مليونا الذي تأمل البلاد جذبهم خلال الالعاب الاولمبية سنة 2020. ويمثل تراجع المخاوف بشأن التسرب الاشعاعي من مفاعل فوكوشيما والتدهور الكبير في سعر الين -- ما ساهم في تحسين صورة اليابان المعروفة عادة بأنها من الوجهات السياحية المكلفة -- عوامل مساعدة لجذب الزوار الى العاصمة اليابانية، ومن بينهم خورخي سانتيان المتحدر من العاصمة الارجنتينية بوينوس ايرس وزوجته. وقال سانتيان ان تراجع سعر صرف الين "اثر حقيقة على قرارنا" بزيارة اليابان.
فمنذ اطلاق رئيس الوزراء شينزو ابي سياسته الرامية الى انهاض الاقتصاد الياباني في اوائل العام 2013، تراجع سعر صرف الين 20 بالمئة في مقابل اليورو وحوالى 40 بالمئة في مقابل الدولار -- ما جعل كل السلع من السوشي والساكي الى الفنادق والقطارات السريعة ارخص بكثير بالنسبة للزوار. وقال السائح الفرنسي ارنو كورنييه "اننا كنا نتصفح الانترنت ورأينا أن زيارة اليابان باتت اقل كلفة من السابق فقررنا الذهاب".
وقطعت اليابان شوطا كبيرا بعد المشاهد المأسوية التي عرضتها قنوات التلفزيون عن مناطق مدمرة بالكامل جراء التسونامي وعمال ببزاتهم الخاصة يجهدون لمنع حصول كارثة نووية كبرى تخرج عن السيطرة في مفاعل فوكوشيما. وتؤكد منظمة السياحة الوطنية اليابانية ان الهلع السائد بعد حادثة فوكوشيما، وهي الأسوأ من نوعها في العالم منذ كارثة تشرنوبيل سنة 1986، تراجع بشكل كبير الا انه لم يتبدد بالكامل.
الا ان المسؤول في المنظمة مامرو كوبوري اشار الى "اننا قلنا مرارا ان مستويات الاشعاعات ضئيلة جدا في طوكيو والمناطق السياحية الرئيسية". وأضاف "الناس يعلمون ان لا مشكلة في السفر وتناول الطعام والعيش هنا، شرط تفادي المنطقة المحظور زيارتها في محيط محطة فوكوشيما النووية". ووصف وزير الصناعة الياباني اكيهيرو اوهتا هدف استقطاب 15 مليون زائر هذا العام بأنه "واقعي"، مع الاستفادة من ازدهار قطاع السياحة الاقليمية وسط تدفق سياح من تايوان وكوريا الجنوبية والصين الى الاسواق الفخمة في حي غينزا للتسوق في طوكيو.
وقد ساهم في ذلك تخفيف القيود المفروضة على منح تأشيرات الدخول -- على رغم التشنج في العلاقات الدبلوماسية في كثير من الاحيان بين اليابان وجيرانها. وقالت ميكا هاتاكياما المسؤولة عن الترويج لليابان في مجموعة "فوياجور دو موند" الفرنسية المعروفة في قطاع السفر ان المطبخ الياباني والنزول التقليدية المسماة "ريوكان" وينابيع المياه الساخنة الشهيرة في سائر انحاء البلاد تمثل نقاط الجذب الرئيسية للزوار. بحسب فرانس برس.
وأضافت "الناس الذين يسعدون بالطابع الودي والمضياف لليابان يخبرون اخرين عن تجربتهم من هنا تنتشر المسألة بالتواتر"، مشيرة الى ان سمعة اليابان كوجهة آمنة ساهمت في زيادة المبيعات بنسبة 40 في المئة سنة 2014 مقارنة مع العام السابق. الا ان الزيادة في عدد الزوار الى مواقع جذب سياحية رئيسية تؤدي احيانا الى استنفاد قدرة بعض المدن الاستيعابية كما الحال مع العاصمة القديمة كيوتو التي يتم حجز فنادقها قبل اشهر عدة بحسب هاتاكياما. وبنتيجة ذلك، يتم بذل جهود لاقناع السياح بالتوجه الى مناطق اقل جذبا للزوار في الريف الياباني. وفي حين تسعى اليابان الى جذب عدد من السياح شبيه بذلك المسجل في بريطانيا او تركيا، اي بمعدل 30 مليون زائر سنويا، الا انها لا تزال بعيدة عن فرنسا، اكثر وجهة جذبا للسياح في العالم مع 80 مليون زائر سنويا.
المعالم الايطالية في خطر
من جانب اخر اوقف سائحان اميركيان في العشرينات من العمر بسبب حفرهما الاحرف الاولى من اسميهما على جدار الكولوسيوم في روما، في خطوة رائجة ضاربة في القدم تهدد تراث العاصمة الايطالية. ويمثل هذا النوع من الانتهاكات المرتبطة بشكل رئيسي بنقص الموارد وسوء التدبير على الصعيدين الاداري والمالي، تهديدا تنظر اليه السلطات الايطالية بجدية من اجل استمرارية المواقع التاريخية الكثيرة المنتشرة في ايطاليا والتي ادرج 47 منها على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
ويأتي هذا الفصل الجديد بعد اسابيع على تهشيم نافورة في روما من جانب مجموعة من مشجعي ناد هولندي لكرة القدم. وفي هذه المناسبة، طالبت جمعيات عدة مدافعة عن التراث بإقامة حواجز في محيط المواقع المعرضة لتعديات من المخربين او السياح الساعين الى ترك اثر لهم على المعالم التاريخية في العاصمة الايطالية. وقال كلاوديو باريزي المسؤول عن الموجودات الثقافية في المدينة انه "من غير الوارد بناء حواجز في محيط المعالم التي تمثل جزءا من التراث العالمي وهي بالتالي ملك للعالم اجمع".
وفي اعقاب هذه القضية، اطلقت بلدية روما برنامجا توعويا بهدف الحفاظ على التراث. وسيتم الادلاء بالكثير من المداخلات في المدارس كما يجري الاعداد لحملة اعلامية دولية في الموضوع. واعتبرت البلدية انه "من الضروري تثقيف الناس من خلال التوجه الى حساسيتهم وذكائهم، وليس عبر اقامة جدران بينهم وبين الثقافة. يجب ان تظل روما متحفا في الهواء الطلق".
وليست روما المدينة الوحيدة في ايطاليا التي تواجه هذا النوع من الاعمال التخريبية. ففي وسط مدينة نابولي المصنفة ايضا على قائمة اليونسكو للتراث، تسعة معالم من اصل عشرة تعرضت للتخريب عن طريق رسوم جدارية، بحسب دراسة صادرة سنة 2013 عن "التلوث البصري" اعدتها مجموعة "بورتوسالفو" المدافعة عن التراث. وهذه التعديات تمثل مشكلة جديدة تضاف الى تلك التي تعانيها اصلا السلطات العامة الايطالية التي تواجه صعوبة مستمرة منذ سنوات في صيانة الارث الثقافي العظيم للبلاد. فقد كان القطاع الثقافي من الاكثر تضررا جراء سياسات التقشف التي وضعتها الحكومات السابقة. وواصلت الميزانية المخصصة للحفاظ على المواقع الثقافية تدهورها في غضون عقد من الزمن، اذ تراجعت من ملياري يورو ونيف سنة 2000 الى اقل من مليار ونصف المليار في 2011. واضطرت ايطاليا التي تحوي لوحدها 60 % من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، لطلب مساعدات خارجية من جهات خاصة او من الاتحاد الاوروبي او لطرح مواقع للبيع. بحسب فرانس برس.
وفي مواجهة هذا الوضع، يجند مواطنون طاقاتهم لانقاذ المعالم الايطالية. ففي ميلانو، توجه مجموعة "انتي غرافيتي" التي اسست سنة 2006 بهدف مواجهة التعديات الممارسة على المواقع العامة في المدن، دعوات لنزول متطوعين الى الشوارع حاملين الاسفنج والمنظفات لاعادة الجدران الى حالتها الاصلية. وفي فيرونا، وجدت البلدية ردا مميزا على التعديات على جدران المدينة. فمنذ سنوات عدة، تروج مدينة روميو وجولييت لتطبيق خاص على الهواتف الذكية بعنوان "ليف اون" يسمح بترك رسائل على مواقع محددة يمكن رؤيتها فقط على هواتف الاشخاص المارين في هذه المنطقة ممن حملوا التطبيق على اجهزتهم. وهذه مبادرة جيدة للسماح للازواج من السياح بترك "اثر لا يمحى عن حبهم في مدينة روميو وجولييت من دون تخريبها"، على ما ورد في الموقع الالكتروني لبلدية المدينة.