الأزمة المالية العالمية بعد عشر سنوات: الكارثة قد تعود

ندى علي

2018-09-16 04:25

قبل عشرة أعوام، كابد العالم واحدة من أسوأ الأزمات المالية في التاريخ الحديث، لكن هذه الكارثة الاقتصادية قد تطل مجددا في السنوات القادمة، وسط توقعات بأن تسوء الأوضاع في 2020، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية للتقليل من التداعيات.

وبدأت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في 14 سبتمبر 2008 حين أعلن بنك "ليمان براذرز" الأميركي إفلاسه بشكل رسمي بسبب الخسائر المسجلة في سوق الرهن العقاري، لكن آثار هذه المعضلة لم تقتصر على الولايات المتحدة ولكنها امتدت إلى مختلف أنحاء العالم.

فقبل عقد انهار النظام المالي الأميركي نتيجة استثمارات غامضة ومكونات مسممة للاقتصاد. اليوم، تحمل الأخطار التي تلقي بثقلها على الاستقرار الاقتصادي أسماء أخرى معروفة: الصين، انتشار الأسواق الناشئة، بريكست... ودونالد ترامب.

في السنوات التي تلت الأزمة المالية عام 2008 والتي تسببت بخسارة عشرات ملايين الأشخاص منازلهم وفقدان عشرات الملايين وظائفهم ودمرت تريليونات الدولارات من الثروات، استعاد الاقتصاد العالمي عافيته.

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3,9 بالمئة هذا العام والتالي، ما يؤكد على متانة التعافي على مستوى العالم، لكن مع وجود الولايات المتحدة وسط نزاعات تجارية متعددة فإن تحديثات تلوح في الافق.

وحذر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي موريس اوبستفلد من أن "خطر تفاقم التوترات التجارية الحالية ... هو أكبر تهديد في المدى القريب على النمو العالمي".

وعبر أقوى البنوك المركزية في العالم، الاحتياطي الفدرالي الأميركي، عن رأي مماثل محذرا من أن "تصعيدا في الخلافات التجارية العالمية يمثل خطرا مترتبا محتملا على النشاط الفعلي".

ولكن يبقى السؤال مطروحًا بقوّة: هل نحن على أعتاب أزمة مالية؟ في الواقع هناك مؤشرات ربما تثير الكثير من القلق، وقد تشكل ناقوس خطر يهدد الاقتصاد العالمي في حال تفاقم أيٍّ منها، وسنلقي خلال السطور القادمة نظرة عامة على هذه المؤشرات، وكيف يمكن أن تقود العالم نحو أزمة مالية.

وبحسب موقع "فورتشن" فإن مصرف "جي بي مورغان تشيس" وهو مصرف أميركي متعدد الجنسيات، توقع بشأن التاريخ المحتمل لاندلاع الأزمة المالية المقبلة، حيث رجح أن تضرب العالم سنة 2020، أي أن "الهزة الاقتصادية" ستعصف بالاقتصاديات العالمية في غضون عامين فقط.

لكن الخبر الإيجابي في خضم هذه التوقعات المتشائمة هو أن الأزمة المقبلة ستكون أقل حدة من سابقتها، أما الأمر السلبي فهو أن العالم لم يتجاوز بعد آثار 2008 وتبعات التراجع الكبير في سيولة الأسواق، ويقوم مصرف "مورغان" بحساب الموعد المحتمل للأزمة استنادا إلى حال الاقتصاد ونموه والمدة المتوقعة للركود وقيمة الأصول والقوانين الموجودة ومدى الابتكار المالي.

وأوضح الخبيران الماليان في المصرف الأميركي جون نورماند وفيديريكو ماني كاردي، أن قيمة الأصول في البلدان النامية تراجعت خلال العام الجاري وهذا الأمر سيساعد على التخفيف من تبعات الأزمة المقبلة على اعتبار أن هذا الهبوط يخفف من حدة ما يعرفُ بـ"الرفع المالي".

ويشير مفهوم الرفع المالي في الأسواق المالية إلى القروض والوسائل المالية الأخرى التي تؤدي إلى تضخيم أثر الأرباح والخسائر على المستثمر، لكن هذه الأزمة لا تقتصر على البلدان النامية فهي عالمية الطابع، وقال المحللان إن حدة الأزمة المالية العالمية المرتقبة ستتوقف على المدة التي تستغرقها فمتى ما زاد أمد المشكلة أصبحت ثمة صعوبة أكبر في تجاوزها.

وبيّنت الخبيرة المالية البريطانية، آن بيتيفور، أن العالم لم يتعلم الدروس من الأزمة السابقة على الرغم مما قام به من ترقيع على الهامش على اعتبار أن البنوك ما زالت تعمل على غرار ما كانت تفعل في السابق.

وأضافت في تصريح لصحيفة "غارديان" البريطانية، أن بلوغ عالم آمن من الناحية المالية يقتضي تحقيق الديمقراطية لأن هذه الآلية السياسية هي التي تضمن اتخاذ القرار من أشخاص لهم النزاهة حتى يضمنوا تدفق الأموال وصرف العملة وفق مستويات تفيد الاقتصاد والشعوب ولا تخدم قلة من المنتفعين.

الفشل بمقاضاة المسؤولين أطاح بثقة الأميركيين

وجه رئيس لجنة التحقيق بالأزمة المالية لعام 2008 فيل أنغيليدس أصابع الاتهام الى بعض أكثر الرجال نفوذا في العالم وفي وول ستريت، لمسؤوليتهم عن التسبب بانهيار الاقتصاد العالمي، ما أطلق العنان للمواقف الحادة التي لا تزال حتى اليوم تسيطر على السياسة الأميركية، وممن شملهم سخط أنغيليدس، وزير أميركي سابق للخزانة ومدير تنفيذي كبير في مصرف سيتي بنك، ومسؤولون كبار في مؤسسة ميريل لينش، ورؤساء سابقون في شركة التأمين العالمية "آيه إي جي"، ولا بد من إخضاع جميع هؤلاء للتحقيق، حسب لجنة التحقيق بالأزمة المالية العالمية التي يترأسها أنغيليدس، فالأدلة تشير الى أنهم ضللوا المستثمرين حول انكشافهم على استثمارات سيئة في قلب أزمة وول ستريت.

ومررت اللجنة الأدلة عام 2010 بشكل سري الى وزارة العدل وفق السجلات التي تم نشرها بعد سنوات، وسط توقعات حينها بأن يلتقط المدعون العامون الكرة التي صارت في ملعبهم ويكملوا المسار القضائي، الا أنهم لم يفعلوا ذلك، كما لم يتم تحميل المسؤولية الى أي من حيتان المال الكبار. بحسب فرانس برس.

وقال أنغيليدس وزير الخزانة السابق في ولاية كاليفورنيا لفرانس برس "لم يتم تحميل المسؤولية جنائيا أو مدنيا الى أي شخص من الذين قادوا هذا السلوك وتكتموا وأشرفوا عليه"، وبالفعل بعد مرور عشر سنوات وفرض مئات المليارات من الدولارات غرامات جزائية على حاملي أسهم المصارف، فإن ما تبقى من إرث الأزمة المالية أمر معاكس لفضائح العقود السابقة، اذ لم يتم اعتقال أحد أو محاكمته وإدانته، وأضاف أن الأمر بدا وكأن المصارف "متورطة في تصرفات خاطئة هائلة ومنظّمة، لكن دون تورط أي مصرفي"، مشيرا الى أن نتائج ذلك يتردد صداها اليوم، وقال "لا أعتقد أن هناك أي شك في أن غياب المحاسبة في أعقاب الأزمة المالية قد ساهم في تكدير السياسة في بلدنا".

وخلصت مراجعة لصحيفة "وول ستريت جورنال" عام 2016 الى أنه من أصل 156 قضية مدنية وجزائية رفعت ضد 10 من أكبر المصارف في وول ستريت في أعقاب الأزمة، فقد تم تحديد الأشخاص المسؤولين عن المخالفات بنسبة 19 بالمئة، وهناك فقط شخص واحد من أصل 47 منصبه على مستوى مجالس الإدارات.

أميركا تحتاج الى "قائد قوي"!

يعتقد ثلثا الاميركيين اليوم أن الولايات المتحدة تحتاج الى "قائد قوي" من أجل "استعادة البلاد" من الأثرياء والنافذين، وفق جاكسون، وقال بول بيلتيير المدعي العام السابق في وزارة العدل الذي قاضى مدراء "آيه إي جي" لسنوات، إن واشنطن عانت من انهيار الإرادة السياسية لجر قضايا الاحتيال الكبرى الى المحاكمة، وقال لفرانس برس "مسألة الأخطاء التي حصلت تتعلق مئة بالمئة بالكفاءة والشجاعة".

ففي أزمة المدخرات والقروض في أواخر الثمانينات وفضائح الاحتيال في صناديق ضمان شركة "إنرون" في بداية العقد الأول من القرن الحالي، تم تمكين المدعين العامين وتقديم موارد لهم على المستوى الوطني لتحمل المخاطر وملاحقة المئات من النافذين المدعى عليهم، وأدى تغيير القيادات في بداية فترة ولاية الرئيس باراك أوباما وبعض الإخفاقات التي حصلت في قاعات المحاكم الى جعل المسؤولين أكثر اهتماما بتفادي الخسائر والميل لإقامة تسويات هائلة، وقال بيلتيير إن المدعين العامين تخوفوا من ارتكاب اخطاء في المحاكم قد تنهيهم مهنيا، وفي السنوات التي تلت الأزمة تلاشت التحقيقات التي تتعلق بالمدراء التنفيذيين في مؤسستي غولدمان ساكس وليمان براذرز، ويبقى انهيار الأخير رمز الأزمة المالية العالمية.

وقال بيلتيير إن مساعد المدعي العام لاني بروير شعر أن الإدانة غير مضمونة في القضية ضد المدير التنفيذي في "آي إي جي" جوزيف كاسانو فاسقطها، ولم يرد بروير على طلب بالتعليق، لكن بيلتيير الذي فشل في الوصول الى مجلس الشيوخ عن الحزب الديموقراطي في ولاية فيرجينيا قال إن الشعب غاضب وخائب، وأضاف "كان يمكن للمقاضاة الصحيحة أن تذهب بعيدا في الحد من هذا" الغضب.

الأزمة التالية

عندما انهار مصرف ليمان براذرز في 15 ايلول/سبتمبر 2008، بدا حجم الكارثة واضحا، فقد استُثمرت مبالغ طائلة في أدوات مالية بالغة التطور قائمة على كذبة: رهون عقارية بفائدة منخفضة جدا لفترات طويلة سمحت للعديد من الناس شراء منازل دون اعتبار قدرتهم على السداد، ولكن عندما بدأ الاحتياطي الفدرالي في رفع الفائدة في 2004، انهار البناء الورقي، والان بعد سنوات من فائدة عند صفر بالمئة، فإن الاحتياطي الفدرالي يرفع الفوائد مجددا. وخبراء "الركود الكبير" غير متأكدين متى ستتفجر الأزمة الكبيرة المقبلة.

وقال نيكولاس كولاس من داتا-تريك ريسرتش "نستشهد بما قاله تولستوي، كل سوق جيد هو ذاته، لكن كل سوق يشهد أزمة، مختلف بطريقته الخاصة".

فأين مؤشرات التحذير؟.، يسير الاقتصاد الأميركي بكامل قوته، مع نسبة بطالة في مستويات تاريخية متدنية عند حوالى 4 بالمئة، ولا مؤشرات على حصول تضخم فيما البورصة تخرق الأرقام القياسية، وقانون دود-فرانك العائد لعام 2010، قام بحصر المخاطر وأجبر البنوك على الاحتفاظ باحتياطي نقدي كبير.

نتيجة لذلك فإن "القطاع المصرفي هو الأكثر تنظيما اليوم بعد الخدمات" بحسب ستيف آيزامن، أحد خبراء المال الذين توقعوا فقاعة الرهن العقاري وتربّحوا منها، غير أن الاقتصاد يتعافى منذ عشر سنوات، والمؤكد هو أن أزمة أخرى قادمة.

وقال آرون كلاين، الخبير حول القوانين في معهد بروكينغز "لذا لا أعرف ما الذي سيسبب الأزمة المقبلة، لكني متأكد بأنها لن تكون الزهور الهولندية ...ولا الرهون العقارية"، وتساءل الخبير في المخاطر السياسية إيان بريمير من "يوريجيا غروب" ما إذا كانت القوى العالمية اليوم سترد بالفعالية نفسها كما في 2008 أو بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر الإرهابية، وقال بريمر "هناك فائض في الاستقرار السياسي في العالم حاليا للتعاطي مع أزمات اليوم" وأضاف "لكن فيما يتعلق بالأزمة المقبلة، فإني أقل ثقة".

عقد على انهيار ليمان براذرز

تستعيد الأوساط المالية العالمية الذكرى السنوية العاشرة لإفلاس مصرف "ليمان براذرز" الأميركي في أيلول/سبتمبر 2008 ما أدخل العالم في أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي.

وبسبب الفشل في إيجاد جهة تشتري المصرف العملاق المتهالك بفعل أزمة الرهن العقاري، تخلت السلطات الأميركية عن المؤسسة العريقة العائدة إلى أكثر من قرن ونصف القرن، ويوم الإثنين 15 أيلول/سبتمبر 2008 عند الساعة الثانية إلا ربعا بعد منتصف الليل، أشهر مصرف "ليمان براذرز" إفلاسه بشكل مفاجئ تاركا أصولا بقيمة 691 مليار دولار و25 ألف موظف في مهب الريح.

وكان هذا الإفلاس الأكبر في التاريخ الأميركي. وفي وول ستريت، تراجع مؤشر "داو جونز" 500 نقطة في أقوى تراجع منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وقد غادر المصرفيون في اليوم عينه مقر البنك تحت عدسات صائدي الصور.

وأكد أحد الموظفين في المجموعة في لندن "لم نكن نرى أي بوادر على ذلك"، لكن لآخرين وبينهم لورنس ماكدونالد المصرفي السابق وأحد معدي كتاب صدر في 2009 عن انهيار المصرف بعنوان "ايه كولوسل فايلور أوف كومون سنس"، كان مدراء "ليمان براذرز" قد تلقوا منذ فترة بعيدة إنذارات بشأن المجازفات الكبيرة التي كانوا يقومون بها لزيادة أرباحهم على المدى القصير، وقال ماكدونالد حينها لوكالة فرانس برس إن الإدارة "جعلتنا نسير بسرعة 250 كيلومترا في الساعة في اتجاه الهاوية الكبرى للرهون العقارية"، وأضاف "كان 24 ألفا و992 شخصا يدرّون الأموال وثمانية آخرون (في الإدارة) يبددونها"، منتقدا المجازفة الكبيرة لمدراء المصرف بالاعتماد على أصول غير مضمونة.

وبين 2005 و2007، حقق مصرف "ليمان براذرز" أرباحا قياسية في مرحلة كان فيها في صلب الفقاعة العقارية التي شهدت إقراض زبائن معسرين كثيرين لشراء عقارات لا يستطيعون تكبد تكلفتها، لكن منذ منتصف 2007، بدأ المصرف يراكم الخسائر إلى أن تلقى ضربة كبرى في 16 آذار/مارس 2008 حين شارف مصرف "بير ستيرنز" الاستثماري على الإفلاس.

وبعدما وصل إلى حافة الهاوية بفعل رهانات كارثية على الرهون العقارية، بيع مصرف "بير ستيرنز" لقاء مبلغ زهيد لحساب "جي بي مورغان" برعاية الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) ما قوّض الثقة في الأسواق التي بدأت تراهن على سقوط "ليمان براذرز".

وحاولت السلطات الأميركية إيجاد شارٍ لتعويم البنك عبر إجراء مفاوضات غير مجدية مع بنك كوري جنوبي ثم مع مصرفَي "بنك أوف أميركا" و"باركليز"، وبعد أسبوع على تأميم عملاقي إعادة تمويل الرهن العقاري "فاني ماي" و"فريدي ماك" اللذين كانا يضمنان قروضا تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار، تخلت الدولة الأميركية عن "ليمان براذزر".

لكن بعد بضعة أيام، أنقذت الدولة شركة "إيه أي جي" للتأمين (في مقابل 180 مليار دولار) قبل وضع 700 مليار دولار في تصرف البنوك في إطار خطة إعادة رسملة مثيرة للجدل، وواجهت السلطات انتقادات لاذعة لتضحيتها بـ"ليمان براذرز" وإنقاذها مصارف أخرى مثل "غولدمان ساكس"، وقال وزير الخزانة الأميركي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن هنري بولسون الذي كان يتولى مهامه مع اندلاع الأزمة، في تصريحات أدلى بها أخيرا "تلقينا الكثير من الانتقادات لأننا تركنا +ليمان (براذرز)+ يصل إلى الإفلاس".

وأضاف "لقد نجحوا في إنقاذ +بير ستيرنز+ و+إيه أي جي+، لماذا لم يفعلوا ذلك مع +ليمان+؟ نشرح ذلك ولا أحد يصدقنا"، وأوضح رئيس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك حينها تيموتي غايتنر خلال مقابلة أجراها أخيرا مع إذاعة "أن بي أر" العامة أن "ليمان كان ضعيفا للغاية حتى بالمقارنة مع مؤسسات أخرى. كان من الصعب جدا إيجاد جهة صلبة بما يكفي في تلك الفترة المحفوفة بالمخاطر لمجابهة هذا التحدي".

لكن برأي البعض وبينهم لورنس بال الذي نشر أخيرا كتابا بشأن إفلاس مصرف "ليمان براذرز" بعنوان "ذي فيد أند ليمان براذرز، سيتينغ ذي ريكورد سترايت أون ايه فايننشل ديزاستر"، فإن المصرف دفع ثمن "ضغط سياسي هائل" فيما كان الرأي العام يندد بعمليات الإنقاذ لعمالقة "وول ستريت" على حساب المكلّفين الأميركيين.

ستروس كان يحذر

من جهته أكد المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس- كان أن العالم أقل استعدادا اليوم لمواجهة أزمة مالية كبيرة كما كان قبل عقد من الزمن، وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، قال ستروس- كان المنبوذ الآن والذي كان يدير الصندوق في أوج الأزمة المالية المدمرة في العام 2008 إن تيار الشعبوية المتنامي في العالم هو نتيجة مباشرة للأزمة.

واستقال ستروس-كان من منصبه في العام 2011 بعد اتهامه بمحاولة اغتصاب في نيويورك، ورغم أن الاتهامات ضده اسقطت لاحقا. وافق ستروس-كان على تسوية قضية مدنية لاحقة، عبر دفعه أكثر من 1,5 مليون دولار،بحسب تقارير اعلامية.

وقال ستروس، حين التحقت بالصندوق في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، كان من الواضح بشكل متسارع أن الأمور لم تكن على ما يرام. لذا، ففي كانون الثاني/يناير 2008، اصدرت بيانا اثار بعض الضجيج، طالبا بحزمة تحفيز عالمية قيمتها 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. وفي نيسان/ابريل 2008 وخلال اجتماعات الصندوق في الربيع، حددنا أن المصارف تحتاج الى تريليون دولار لإعادة تشكيل رأس مالها.

وأضاف في جواب عن ادراك إدارة بوش خطر إفلاس ليمان براذرز، لا، ولهذا السبب قرّر وزير الخزانة هنري بولسون عدم انقاذ ليمان، لأنه أراد أن يجعل منه نموذجا باسم المجازفة الأخلاقية. وعلى غرار الجميع، قلل كثيرا من عواقب الأزمة. السماح بإفلاس ليمان كان خطأ جسيما. خصوصا أنهم بعد أسبوع واحد كانوا مرغمين على انقاذ شركة (اية اي جي) للتأمين التي كانت أكبر بكثير.

وعن التعاطي بشكل أفضل للتعاطي مع أزمة بهذا الحجم قال ستروس: لقد احرزنا بعض التقدم، خصوصا في مجال معدلات رأس المال للمصارف. لكن هذا ليس كافيًا. فلنتخيل أن دويتشه بنك وجد نفسه فجأة يواجه بعض الصعوبات. إن نسبة ثمانية بالمئة من رأس المال الموضوع بتصرفه لن تكون كافية لحل المشكلة. الحقيقة هي أننا أقل استعدادا الآن. القوانين غير كافية.

وأضاف، بعد 2012- 2013 توقفنا عن الحديث عن الحاجة إلى تنظيم الاقتصاد، على سبيل المثال فيما يتعلق بحجم المصارف، أو بشأن وكالات التصنيف. فقد تراجعنا، وهذا هو السبب في أنني متشائم بشأن استعداداتنا. لدينا اتجاه بعدم التفكير في العولمة لكنه لا يؤدي إلى نتائج إيجابية.

وعن استمرار التنسيق الدولي قال: التنسيق انتهى تقريبا. لم يعد أحد يلعب هذا الدور الآن. لا صندوق النقد الدولي ولا الاتحاد الأوروبي، كما أن سياسات رئيس الولايات المتحدة لا تساعد. ونتيجة لذلك، فإن الآلية التي تم إنشاؤها في مجموعة العشرين، والتي كانت مفيدة للغاية لأنها تضم الدول الناشئة، قد انهارت.قبل عشر سنوات، وافقت الحكومات على ترك هذا الدور لصندوق النقد الدولي. لست متأكدا من قدرة الصندوق على لعب هذا الدور اليوم، لكن المستقبل سيكشف عن ذلك.

وحول دور الازمة في انتخاب دونالد ترامب قال: اعتقد ذلك. لا أقول إنه كان هناك سبب واحد لانتخاب ترامب، لكن الوضع السياسي اليوم ليس بعيدا عن الأزمة التي مررنا بها، سواء في الولايات المتحدة بخصوص ترامب أو في أوروبا.

وأضاف: لقد تم التقليل تماما من شأن أحد عواقب الأزمة، في رأيي: إن النزعة الشعبوية التي تظهر في كل مكان هي النتيجة المباشرة للأزمة والطريقة التي تم التعاطي بها بعد 2011/2012، من خلال تفضيل الحلول التي كانت ستزيد عدم المساواة. لقد كان التيسير الكمي (حيث قامت المصارف المركزية بضخ سيولة في النظام المصرفي) مفيدا ومقبولا. لكنها سياسة مصممة أساسا لإنقاذ النظام المالي، وبالتالي تخدم أغنى الناس في العالم.

حين يندلع حريق، يتدخل رجال الإطفاء ويكون هناك ماء في كل مكان. ولكن بعد ذلك تحتاج إلى القيام بعملية تطهير، وهو ما لم نفعله. ولأن هذه المياه (الأموال) تدفقت إلى جيوب البعض، وليس الجميع، ازداد عدم المساواة حدة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا