الأردن: ثورة الضرائب تنذر برحلة إلى المجهول

ندى علي

2018-06-09 04:50

يواجه الاقتصاد الأردني صعوبات مع تباطؤ النمو والعجز المزمن في الموازنة، وهو ما تفاقم بفعل غياب تدفقات رأس المال الأجنبي بشكل كبير أو وصول مبالغ كافية من الدعم الخارجي، في الآونة الأخيرة انفجرت ثورة من غضب شعبي أردني على قانون ضريبي طرحته حكومة هاني الملقي بتوصية من صندوق النقد الدولي، ورغم أن القانون أدى لسقوط حكومة الملقي فإن ضغط الشارع والنقابات يتواصل لإلغائه.

وكان السبب في اندلاع الاحتجاجات، الزيادة المقترحة في ضريبة الدخل التي تقضي بأن يدفع كل من لديه دخل سنوي قدره 8000 ديناراً أو أعلى، ضريبة الدخل، وكلما ارتفع الدخل، ترتفع الضريبة المدفوعة، أي أن الشركات ستواجه ضريبة أكبر. مع تشديد قانون معاقبة المتهربين من الضريبة.

وكانت الحكومة قد أقرت رفع الأسعار بالإضافة إلى ضرائب قدرها 5.5 في المئة لأسعار المحروقات، و19 في المئة في أسعار الكهرباء، ولكن الملك عبد الله الثاني أمر بتجميد تلك الزيادات بسبب الاحتجاجات الغاضبة.

وسرعان ما اتخذت السلطات إجراءات لتهدئة الشارع الغاضب، وأمرت بتعليق الزيادة خلال شهر حزيران/ يونيو الحالي. ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن رئيس الوزراء هاني الملقي قوله إنه بأوامر من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني جرى "وقف العمل بقرار لجنة تسعير المحروقات" الذي كان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ بعد منتصف ليل الجمعة.

ويرى خبراء في الاقتصاد الأردني أن التعديل لا يخرج من إطار الإصلاحات المالية والاقتصادية التي تجريها الحكومة الأردنية، كاستجابة جزئية لتوصيات صندوق النقد الدولي، والذي يرتبط ببرنامج قرض يمتد لـ3 سنوات تنتهي 2019.

ويتوقع مراقبون أن تعكس الزيادة في القانون أعباء مباشرة على قطاعي البنوك والصناعة، حيث ستنعكس الزيادة على تكلفة الخدمات التي تقدمها هذه القطاعات، ما يشير إلى زيادة سعر البيع للمستهلك المحلي، وتراجع الطلب في الأسواق التصديرية، وهو ما يؤدي إلى ضعف المنافسة، والخطر الأكبر لهذا القانون أثره المباشر على الطبقة الوسطى حيث سيرفع من الأعباء عليها،

من جهة أخرى يرى متخصصون إن تحقيق العدالة الضريبية التي يجب أن تحققه الحكومة، يتطلب مراجعة للمنظومة الضريبية كاملة بما في ذلك ضريبة المبيعات، مؤكدين ضرورة معالجة قضايا الفقر والبطالة من جذروها، من خلال إيجاد فرص عمل وتدريب وتأهيل الفقراء، وإشراكهم بالمشاريع الإنتاجية، وفتح أسواق جديدة للصادرات الوطنية وتعزيز استثمارات الطاقة المتجددة، وأن “يتم دعم الملف الاقتصادي بملف سياسي، من خلال إعادة تقييم التحالفات السياسية في المنطقة وبنائها وفقا لما يتناسب مع مصلحة الأردن”.

بينما وصف خبراء اقتصاد الحكومة المقبلة، بأنها حكومة ما بعد 31 مايو/ أيار، وهي تختلف عن سابقاتها، وستكون مسؤولة عن التأسيس لمرحلة جديدة والتعامل مع المتطلبات الحياتية للمواطنين، وتواجه الحكومة الجديدة تحديات الضرائب كلها وليس فقط ضريبة الدخل، وكذلك التعامل مع متطلبات صندوق النقد الدولي.

وكان مشروع قانون لزيادة ضرائب الدخل في إطار الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي قد دفعت الآلاف للخروج إلى الشوارع في عمان ومناطق أخرى بالأردن. ويتزايد الغضب الشعبي منذ تطبيق زيادة حادة في الضريبة العامة على المبيعات وانتهاء دعم الخبز في وقت سابق من العام الجاري.

وهذه هي المرة الأولى التي يتذوق فيها كثيرون من المشاركين في الاحتجاج طعم المعارضة السياسية في بلد نجح فيه إحكام الأمن في احتواء الاضطرابات.

ويشكو المحتجون، وكثيرون منهم من الطلبة والخريجين والشباب العامل، من مواجهة صعوبات في سداد فواتيرهم والعثور على وظائف أو بناء مستقبل وسط ركود الاقتصاد الأردني ويقولون إن سياسات الحكومة زادت الأمور سوءا. كما يتهمون الساسة بتبديد المال العام وبالفساد.

وفي ذلك الوقت قاد معظم المظاهرات في الأردن إسلاميون وقيادات عشائرية وأحزاب يسارية، والآن يقول النشطاء إن الاحتجاجات أفرزت وجوها جديدة وأعدادا كبيرة لم يسبق لها مثيل من شباب المهنيين وأسر الطبقة المتوسطة والطلبة الذين لا خبرة لهم بالسياسة.

وتزايد حجم التجمعات الشعبية منذ دعت إليها النقابات في الأسبوع الماضي. ورغم أن من المستبعد أن تتسبب هذه الاحتجاجات في اضطرابات كبرى مثل ما حدث في انتفاضات الربيع العربي فإن كثيرين من الشبان الأردنيين يقولون إنها تبرهن على أن لديهم قدرا من الوعي السياسي أكبر مما كان لدى أجيال أخرى وإنهم مستعدون لمواصلة الحشد.

تغيير شبابي

لم يسبق للمحاسبة الأردنية لين سامر المشاركة في احتجاج في عمان، لكنها خرجت هي وأصدقاء لها منذ الأسبوع الماضي مع من خرجوا إلى التجمعات قرب مقر مجلس الوزراء كل ليلة للمشاركة في أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ سنوات.

قالت لين (24 عاما) بعد منتصف الليل يوم الثلاثاء ”أحس أن شيئا ما يتغير“ بينما كان المئات من حولها يهتفون ”حكومة حرامية“ ويلوحون بالأعلام، وأضاف ”لا رجوع. الشباب ثائر ولن نظل صامتين بعد اليوم“. بحسب رويترز.

وفي مقابلات مع رويترز راح هؤلاء الشباب في العشرينات من أعمارهم يتذكرون سنوات المراهقة التي تابعوا فيها انتفاضات ”الربيع العربي“ عام 2011 التي لم يصب الأردن منها شيء يذكر، وقال الطالب الجامعي أحمد عوض (22 سنة) ”تعودنا أن نتفرج على الآخرين وهم يحتجون على التلفزيون. لكن الحمد لله حققنا شيئا طيبا“.

وقال علي العبوس رئيس مجلس النقباء الذي أعلن أول احتجاج إن الاحتجاجات تشير إلى تنامي الوعي السياسي بين الشباب وإنه يعتقد أن الشبان سيكونون أكثر نشاطا في المستقبل، وقال ”هم يعبرون عن أنفسهم. الحياة تغيرت والناس أصبحت أكثر اهتماما بالسياسة“، وكانت آخر مرة تشهد فيها البلاد اضطرابات في 2012 عندما طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة رفع أسعار البنزين.

خيارات قليلة

في العامين الماضيين، مضت الحكومة قدما في سلسلة زيادات حادة في الضرائب جمعت من خلالها إيرادات إضافية بلغت نحو 1.4 مليار دولار، وأغضب ذلك طبقة وسطى محبطة بالفعل من أصحاب المهن، وأيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، الذين يشكلون العمود الفقري لقطاع خاص نابض بالنشاط، ويشعرون بوطأة زيادة الضرائب في بلد يتفشى فيه الفساد. وأطلق الاحتجاجات إضراب عام نظمته نقاباتهم.

وإتجهت معظم الزيادة في الإيرادات إلى الحفاظ على بيروقراطية متضخمة، في بلد يشهد واحدا من أعلى المستويات في العالم للإنفاق الحكومي قياسا إلى حجم اقتصاده. ويقول خبراء اقتصاديون إن الإنفاق يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ حوالي 40 مليار دولار. بحسب رويترز.

وبعد ترتيبات من صندوق النقد الدولي جلبت بعض الاستقرار إلى المالية العامة، اتفق الأردن في 2016 على برنامج طموح مدته ثلاث سنوات لتنفيذ إصلاحات هيكلية طال تأجيلها، بهدف خفض الدين العام إلى 77 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2021 من 95 بالمئة حاليا، وسيؤدي خفض الوظائف الحكومية، إما من خلال تقليص الإنفاق الدفاعي أو تنظيم وترشيد أجهزة الخدمة المدنية، إلى خفض كبير في الإنفاق، لكن الاثنين كليهما من الخطوط السياسية الحمراء في الأردن. ولا يوجد أمام صندوق النقد الدولي خيارات تذكر سوى الحث على زيادة الضرائب بهدف خفض الدين العام المتنامي.

ويرجع الدين لأسباب من بينها سياسات توسعية للمالية العامة انتهجتها حكومات متعاقبة، كانت تريد خلق وظائف وزيادة الرواتب في القطاع العام لضمان الاستقرار، بعد انتفاضات ”الربيع العربي“ التي شهدتها المنطقة في 2011.

وبالإضافة إلى الدين العام المتزايد، تفاقمت الصعوبات الاقتصادية بفعل انخفاض الإيرادات المحلية والمساعدات الأجنبية، وهو ما دفع الأردن إلى الاقتراض بكثافة سواء من الخارج أو من البنوك المحلية.

إصلاحات بطيئة

تنامى الاستياء منذ إعلان زيادة كبيرة في ضريبة المبيعات وإلغاء دعم الخبز في وقت سابق هذا العام ضمن خطة يدعمها صندوق النقد الدولي لخفض الدين العام البالغ 37 مليار دولار، وقالت الحكومة إنها تحتاج لمزيد من الأموال للخدمات العامة وإن التعديلات الضريبية تقلص الفوارق الاجتماعية لأنها تضع العبء الأكبر على أصحاب الدخول المرتفعة ولا تمس تقريبا محدودي الدخل، وتطرق الملك في خطاب تعيين الرزاز إلى مطالب المحتجين قائلا إن ارتفاع الأسعار أثقل كاهل الأردنيين ودعا إلى تحسين الخدمات وألقى باللوم في عرقلة اقتصاد الأردن على غياب الاستقرار الإقليمي. بحسب رويترز.

وقال مشرعون إنهم سيستأذنون الملك لعقد جلسة استثنائية للبرلمان قريبا لبحث الزيادات المقررة التي يريد معظم النواب أن تتراجع عنها الحكومة، وقال مسؤولون إن الرزاز من معارضي الإصلاحات التي تضر بالفقراء. وأضافوا أن تكليفه بتشكيل حكومة يبعث برسالة للمانحين الأجانب مفادها أن الأردن سيمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات ولكن تدريجيا.

الامور ليست واضحة

شهدت عمان وعدد من المدن الاردنية تظاهرات ليل الثلاثاء الاربعاء للاحتجاج ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس ان نحو 1300 شخص تجمعوا مساء في منطقة الشميساني في وسط عمان على بعد مئات الامتار من مبنى رئاسة الوزراء الثلاثاء وبقوا حتى الساعة 02,30 من فجر الاربعاء وسط اجراءات امنية مشددة.

وردد المحتجون وبينهم محامون واطباء وصيادلة وممرضون وناشطون وشباب وأطفال وكبار في السن "الشعب يريد إسقاط النواب" و"الموت ولا المذلة"، كما رفعوا أعلاما أردنية ولافتات كتب عليها "معناش" و"خرجنا لنصنع مستقبلنا".

وطوقت قوات الامن والشرطة المحتجين ومنعتهم من الوصول الى الدوار الرابع حيث مبنى رئاسة الوزراء، وقام محتجون بتوزيع الورود على رجال الامن وهم يهتفون "نحنا والامن والجيش تجمعنا لقمة العيش".

وتنظم التظاهرات منذ أسبوع في المساء بعد إفطارات رمضان، وتمتد حتى ساعة متأخرة من الليل، وقالت المحامية روان حجاوي (29 عاما) لوكالة فرانس برس "مطالبنا لم تتغير وهدفنا لم يكن تغيير الوزارة فقط لدينا مطلب اكبر يتعلق بتعديل قانون الضريبة". واضافت "حتى الان الامور ليست واضحة لهذا نزلنا الى الشارع".

ودفعت الاحتجاجات رئيس الوزراء هاني الملقي الى الاستقالة، وكلف الملك عبدالله وزير التربية عمر الرزاز الخبير في شؤون الاقتصاد تشكيل حكومة جديدة.

قانون التقشف و"الجدل"

وأفاد مراسلو وكالة الأنباء الفرنسية أن نحو ألفي شخص تجمعوا قرب مبنى رئاسة الوزراء في وسط عمان مساء الاثنين حتى الساعة الثانية والنصف فجر الثلاثاء وسط إجراءات أمنية مشددة. ورددوا هتافات غاضبة استهدفت صندوق النقد الدولي مثل "فليسقط صندوق النقد الدولي"، وشهدت مدن إربد وجرش والمفرق (شمال) والزرقاء (شرق) والكرك والطفيلة والشوبك (جنوب( احتجاجات مماثلة.

وتتكرر التظاهرات في مناطق مختلفة في الأردن منذ حوالى أسبوع في المساء بعد إفطار رمضان، وتمتد حتى ساعة متأخرة من الليل. وكانت تطالب باستقالة الحكومة، وقدم الملقي استقالته الاثنين إلى الملك عبد الله الذي وافق عليها.

وقالت الدكتورة الصيدلانية بشرى أبو جبارة 34)عاما) التي شاركت في التجمع الليلي في عمان لوكالة الأنباء الفرنسية "الحراك عندما نزل إلى الشارع لم يكن موجها ضد الملقي كشخص بل ضد مشروع قانون ضريبة الدخل وزيارة الأسعار"، وأضافت "نريد أن تستجيب الحكومة لمطالبنا وتسحب مشروع القانون، وهذا لم يحصل حتى الآن".

وأكد الطالب الجامعي أحمد أبو غزال23) عاما) أن مطالب المحتجين "تتمثل بتغيير نهج الحكومة الاقتصادي وليس فقط تغيير رئيس الوزراء، لقد تعبنا من عملية تغيير الوزراء، هذا الكلام لن يجدي وليست له نتائج".

حان وقت التوصل إلى ”حل وسط“

عمر الرزاز المكلف بتشكيل الحكومة درس الاقتصاد في جامعة هارفارد وخدم مع صندوق النقد الدولي في واشنطن وفي المنطقة، وقال مسؤولون إنه كان يعارض الإصلاحات التي تضر بالفقراء. لكن تعيينه وجه رسالة إيجابية للمانحين الأجانب بأن الأردن سيمضي قدما في الإصلاحات وإن كان بشكل تدريجي.

وقال مفلح عقل المصرفي الأردني البارز ”أعتقد في عندنا وقت يقدروا يعدلوا القانون، يسحبوا القانون ويعملوا قانون جديد أكتر يكون حل وسط بين المطالب العامة وبين اللي بتطلبه الحكومة“، ووافق صندوق النقد الدولي على ترتيب يمتد ثلاث سنوات مع الأردن في عام 2016 لدعم الإصلاح المالي والاقتصادي من أجل خفض الدين العام وتشجيع إصلاحات هيكلية، وتراجع الأردن عن الإصلاحات في السابق خوفا من رد فعل اجتماعي. وكان رفع الدعم عن الخبز وتعديل القانون الضريبي يؤجل مرارا حتى تولت حكومة الملقي السلطة، وهزت الاضطرابات الأردن عام 2012 عندما طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة رفع أسعار البنزين، وتولى الملقي منصبه في مايو أيار 2016 وعهد إليه بمسؤولية إنعاش الاقتصاد ومعنويات قطاع الأعمال. وأدت الزيادات الضريبية إلى تراجع شعبيته.

واتسع نطاق الاحتجاجات يوم السبت بعد أن رفض الملقي سحب مشروع قانون لزيادة الضرائب على الأفراد والشركات قائلا إن هذا القرار يرجع للبرلمان، وتقول الحكومة إنها تحتاج لمزيد من الأموال للخدمات العامة وإن التعديلات الضريبية تقلص الفوارق الاجتماعية لأنها تضع العبء الأكبر على أصحاب الدخول المرتفعة ولا تمس تقريبا محدودي الدخل.

ويقول منتقدون إن تعديلات الضرائب الشاملة التي طالب بها صندوق النقد الدولي زادت من محنة الأردنيين الفقراء وقلصت الطبقة المتوسطة، وواجه الاقتصاد الأردني صعوبات لتحقيق نمو خلال السنوات القليلة المنصرمة في ظل عجز مزمن مع تراجع رأس المال الأجنبي الخاص وتراجع المساعدات.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا