محاربة الفساد في الصين: من يحكم على من؟
عبد الامير رويح
2018-03-29 06:06
يواصل الرئيس الصيني شي جين بينغ حملته كبيرة الخاصة بمكافحة الفساد في هذا البلد المهم، التي شملت الالاف من المسؤولين الكبار في الحزب الشيوعي وملايين الموفين في مختلف المؤسسات الحكومية، ويرى شي أن الفساد مستشرٍ في الصين مثل وباء يهدد حياة النظام. ومكافحة الفساد اليوم كما نقلت بعض المصادر، واحد من الأركان الثلاثة لاستراتيجية شي الداخلية إلى جانب الإصلاح الاقتصادي واحتواء القوى المؤيدة للديموقراطية. وقد اسفرت الحرب على الفساد بملاحقة عدد كبير من المسؤولين البارزين الذين تمتعوا إلى وقت قريب بحصانة. حيث وقع الكثير من المسؤولين البارزين المعروفين بالنمور، في مصيدة شي. ومن هؤلاء زهو الذي لم يكن «أمير» الأمن الداخلي فحسب بل كذلك عضواً في لجنة صنّاع القرار في الصين. وفي الأعوام الخمسة السابقة على بلوغه السلطة، اقتصر عدد المسؤولين الملاحقين على 30 مسؤولاً في الحزب الشيوعي. ولاحق شي الجنرال البارز شو كايهو، المتقاعد أخيراً من اللجنة المركزية العسكرية، وهو كان من أعضاء لجنة صنّاع القرار.
وقال جهاز مكافحة الفساد في الصين إن السلطات عاقبت نحو 1.34 مليون مسؤول منذ عام 2013 في إطار حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ. وجعل شي من حملة مكافحة الفساد أولوية خلال ولايته التي تستمر خمس سنوات. وقالت اللجنة المركزية لفحص الانضباط (جهاز مكافحة الفساد) إن أولئك الذين عوقبوا منذ 2013 بينهم 648 ألف مسؤول على مستوى القرى وإن معظم الجرائم تتعلق بفساد على نطاق ضيق.
من جهة اخرى ذكرت صحيفة تشاينا ديلي، نقلا عن أرقام هيئة مكافحة الفساد في الصين، أن البلاد أعادت 1300 هارب من الخارج العام الماضي وأن بينهم 347 مسؤولا فاسدا. وقالت اللجنة المركزية لفحص الانضباط، وهي هيئة مكافحة الفساد في الصين، إن البلاد استعادت أيضا 980 مليون يوان (151.69 مليون دولار) من الأصول غير المشروعة خلال العام.
وتشن الصين حربا على الكسب غير المشروع والبذخ بين مسؤولي الحكومة والحزب الشيوعي منذ أن جاء الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة. وتعهدت اللجنة المركزية لفحص الانضباط بتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد هذا العام. وقالت أيضا إنها ستوقع مزيدا من الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف وستجري مزيدا من التحقيقات المشتركة مع دول مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا.
توسيع الحملة
وفي هذا الشأن سيخضع الملايين من موظفي القطاع العام في الصين إلى أساليب الرقابة الصارمة التي يفرضها الحزب الشيوعي مع اتساع نطاق حملة الرئيس شي جينبينغ على الفساد لتطال أجهزة الدولة البيروقراطية المتشعبة. وكانت حملة التخلص من الفساد المتفشي في الحزب بين أبرز مبادرات شي. وقد أجبرت 89 مليونا على إطاعة الأوامر في ظل معاقبة أكثر من 1,5 مليون مسؤول خلال السنوات الخمس الماضية.
ويعمل المشرعون على تشكيل جهاز ضد الفساد سيراقب كذلك الأشخاص غير الاعضاء في الحزب، بدءا بالمدراء في الشركات المملوكة من الدولة وصولا إلى اولئك الذين يتولون مناصب إدارية في المدارس والمستشفيات. وفي بكين وحدها، وهي من المناطق التي تم تطبيق النظام فيها لاختباره، ارتفع عدد الأشخاص الخاضعين للتدقيق أربعة اضعاف ليبلغ مليونا أي ما يعادل نحو خمسة بالمئة من سكان المدينة، وفقا لمسؤولين.
وستعمل "لجان إشراف" جديدة وطنية ومحلية هي عبارة عن وكالات تحقيق تركز على الفساد إلى جانب "اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي" حيث سيتشارك الطرفان المكاتب والموظفين وربما القيادة. وعين مجلس الشعب الصيني (البرلمان) نائب الأمين العام للجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي يانغ زايادو كرئيس لجنة الإشراف الوطنية. وقال أحد قادة الحزب اثناء انعقاد جلسة البرلمان إن "سلطات محاربة الفساد مشتتة"، مشيرا إلى أن الهيئة الجديدة ستتمكن من توحيد الجهود في هذا المجال والاستفادة منها.
وتخشى المجموعات الحقوقية من أن تضفي الهيئة الجديدة طابعا مؤسساتيا على بعض المشاكل التي أدت إلى انتهاكات بحق المشتبه بهم أو حتى تعذيبهم، في ظل زيادة عدد الأشخاص الموضوعين في نطاق صلاحياتها بشكل واسع. وفي هذا السياق، اعتبرت الباحثة بالشأن الصيني لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن لدى النظام "واجهة شرعية قانونيا" بدون "أي تحسينات تذكر بإمكانها ضمان سلامة الاجراءات القانونية". ادرج المشرعون لجان الإشراف الجديدة، في دستور.
واعتمدت حرب الصين على الفساد بشكل كبير على نظام قضائي مبهم يستخدم وسائل غير مشروعة معروفة باسم "شوانغي" وتسمح للمحققين بتوقيف اعضاء الحزب في مراكز اعتقال غير رسمية إلى حين "اعترافهم" بالفساد. وتوفي 11 شخصا على الأقل خلال توقيفهم في إطار اجراءات "شوانغيي" بين العامين 2010 و2015، وفقا لتقرير صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 2016. وتعهد شي العام الماضي بأن يتم التخلص بشكل تدريجي من ها النظام واستبداله.
لكن القانون الجديد ينص على شكل جديد من أشكال الاعتقال يدعى "ليوجي" تشير مجموعات حقوقية إلى أنه نسخة "قانونية" لنظام "شوانغي" ويسمح باحتجاز المشتبهين بالفساد لمدة تصل إلى ستة أشهر دون إمكانية حصولهم على استشارة قانونية. وفي مقاطعة شيجيانغ في شرق البلاد، يتم حاليا استخدام مراكز الاعتقال وفق النظام السابق كمراكز لاجرءات "ليوجي"، وفق مسؤولين في المنطقة.
ويفرض نظام "ليوجي" إبلاغ عائلات المشتبه بهم في غضون 24 ساعة، باعتقالهم إلا عندما يكون هناك احتمال ان يتسبب ذلك في "عرقلة التحقيق". وقالت وانغ إن "ليوجي لا يوفر حماية لضمان محاكمة عادلة ولا حتى تلك الأساسية الموجودة حاليا في إطار الاجراءات الجنائية الصينية". وكان شين كيان (58 عاما) وهو باحث في لجنة التطوير الوطني والإصلاح في مدينة يانغكوان بمقاطعة شانسي الشمالية بين أول الموظفين الرسميين الذين يخضعون إلى تحقيق من قبل لجنة الإشراف الجديدة.
وتم توقيفه العام الماضي لنحو شهرين اثناء التحقيق في قضيتي رشوة بحقه. لكن عندما تم توقيف شين رسميا لاحقا وتحويله إلى نظام القانون الجنائي الصيني، ارتفع عدد القضايا ضده إلى 38. ونقلت وثائق المحكمة عن محاميه قوله إن "شين كيان اعترف بالقضايا الـ36 البقية خلال اعتقاله" اثناء توسله للرأفة. واوضح رئيس لجنة الإشراف في شيجيانغ ليو جيانشاو لوسائل إعلام محلية إن المشتبه بهم يقضون ما معدله 42 يوما ونصف اليوم قيد الاعتقال قبل أن يتم تحويلهم إلى النظام القضائي الجنائي. وقال "نركز بشكل خاص على إقناع الأشخاص الخاضعين إلى التحقيق لكتابة اعترافاتهم".
وأطاحت حملة شي على الفساد بقادة في الحزب الشيوعي من جميع المستويات. ويشير مراقبون إلى أن اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعى التي كان يقودها مساعد الرئيس وانغ كيشان الذي تم تعيينه نائبا له، استخدمت كذلك كسلاح للتخلص من خصوم شي. وستضفي لجان الإشراف الجديدة طابعا مؤسساتيا على ذلك اذ يشرف الحزب على أجهزة التحقيق التي أدخلت في الدستور على أنها هيئات مستقلة. بحسب فرانس برس.
وتحذر مجموعات حقوقية ومحامون من أن ذلك سيضع هذه الأجهزة خارج نطاق رقابة القضاء. لكن مسؤولين في العاصمة الصينية أكدوا أن استقلالا من هذا النوع أمر ضروري للإطاحة بمسؤولين نافذين. وقال تشانغ شوفو الذي يقود لجنة بكين إنه تم تشكيل الهيئات الجديدة لتتبع النظام القديم محاولا تبديد القلق عبر الحديث عن "إشراف داخلي وخارجي". ويعتمد هذا الإشراف على المجالس الشعبية المنوطة باعضائه تقنيا مهمة مراقبة معظم أشكال البيروقراطية الصينية. لكن هذه الأجهزة لا تقوم بالكثير فعليا. وأقر شو شينغكوي النائب السابق لأمين عام مجلس الشعب، في مقابلة مؤخرا مع "تشاينا لو ريفيو" أن "عملنا الإشرافي يواجه بعض المشاكل". وأضاف "فعليا، لا يجرؤ مجلس الشعب على الرقابة".
الرئيس الصيني يحذر
الى جانب ذلك حذر الرئيس الصيني شي جين بينغ بشدة من الفساد أثناء لقائه مع أعضاء البرلمان من مدينة تشونغتشينغ التي ابتليت بفضيحتي فساد. وتشونغتشينغ هي إحدى أهم المدن في جنوب غرب الصين لكنها تعرضت لفضيحتي فساد مأساويتين خلال الأعوام الماضية. وقال الرئيس الصيني لمشرعي تشونغتشينغ على هامش جلسة سنوية للبرلمان ”البيئة السياسية“ مثل الطبيعة ذاتها.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن شي قوله ”إذا رفعت نظرك عنها للحظة من اليسير أن تتلوث“. وأضاف أن على المسؤولين أن يمثلوا القدوة الحسنة وأن يكونوا مواطنين ذوي أخلاق وملتزمين بالقانون. وقال إن ضمان المسؤول لعدم فساد أي من أفراد أسرته يمثل أولوية قصوى.
من جانب اخر يخضع أحد كبار المسؤولين السابقين في الصين للتحقيق بتهم الفساد، بحسب ما ذكرت اعلى هيئة لمكافحة الفساد وذلك في سياق حملة رسمية لمكافحة الربح غير المشروع. وكان يانغ جينغ يتولى منصب امين عام مجلس الدولة، حكومة البلاد، ويعتبر أحد ابرز المرشحين لتولي منصب نائب رئيس الوزراء. والآن أعفي يانغ من منصبه نتيجة ارتكابه "مخالفات مسلكية"، بحسب ما أفادت وكالة انباء الصين الجديدة مشيرة الى انه وضع تحت المراقبة لمدة عام بعد اعترافه باخطائه.
واتهم يانغ باستغلال موقعه لمصالح شخصيه له ولعائلته "والتواصل مع رجال اعمال مخالفين للقانون وشخصيات في المجتمع". ولم يتضح ما اذا كان سيخضع لتهم جنائية ام لا. ويانغ الذي يتحدر من أصول منغولية، هو واحد من الشخصيات القليلة التي تنتمي الى الأقليات العرقية ووصلت الى مركز قيادي في الصين حيث ينتمي معظم السياسيين الى اتنية "هان". بحسب فرانس برس.
وقضى يانغ عشرات السنوات يعمل في منطقته سعيا منه لتولي منصب الرئاسة فيها قبل ان يعيّن كمسؤول عن لجنة الشؤون العرقية. وعام 2013 حصل على ترقية بتعيينه في مجلس الدولة واعتبر حينها أنه "نجم صاعد". لكنه فشل في كسب موقع في القيادة العليا للحزب الشيوعي الحاكم- اللجنة المركزية- خلال اجتماعين عقدا في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، ما أثار تكهنات باحتمال ان تشمله الحملة التي اطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ لمحاربة الفساد والتي طالت عددا كبيرا من المسؤولين في الحكومة على اختلاف مستوياتهم.