الفائض الاحتياطي وفجوة الناتج النهائي
كل ما تحتاج معرفته عن المفاهيم الاقتصادية
ندى علي
2017-07-19 04:10
يعد الفائض الاحتياطي SPARE-CAPACITY مفهوماً اساسياً في علم الاقتصاد، فيقال مثلاً ان احدى الشركات لديها فائض احتياطي اذا كانت تدير احدى وحداتها المنتجة بسرعة كاملة تؤدي الى زيادة في الانتاج، وهي زيادة تفيض عما تتطلبه تلك الوحدة، والامر العادي في مثل تلك الظروف هو ان تقوم الشركة بخفض انتاجها وذلك اما بألغاء عمل بعض الاتها او حتى بأغلاق بعض وحداتها اغلاقاً تاماً، او بالاستغناء عن بعض العاملين بها ومطالبة بقية العمال بخفض عدد ساعات العمل.
على مستوى الاقتصاد كله يعني الفائض الاحتياطي ان جميع الشركات مجتمعة قادرة على انتاج سلع وخدمات اكثر من المطلوبة بالاقتصاد، لكن كيف يمكن قياس الفائض الاحتياطي؟ ربما تتمثل احدى الطرق في النظر الى معدل البطالة لان هذا المعدل يميل نحو الصعود اثناء فترات الفائض الاحتياطي.
لكن هناك طرقة اخرى يمكن لنا بها تقدير الفائض الاحتياطي وذلك بحساب مايسمى "فجوة الناتج النهائي" (وهو ايضاً مايشار اليه فجوة التضخم او فجوة التقلص)، وتتمثل فجوة الناتج النهائي في الفرق بين النشاط الاقتصادي الفعلي او المستوى المحتمل للناتج الاجمالي المحلي، ودائماً ما يطلق على ذلك "النسبة المئوية".
يمكن ان نضرب مثال هنا للمزيد من الايضاح، تقوم احدى الشركات بصناعة حقائب اليد اذا كان الطلب ضعيفاً فتنتج الشركة 90 حقيبة يد رغم ان لديها القدرة على انتاج 100 حقيبة اذاً فأن الحالة ناتج نهائي سلبي (او فجوة تقلصية) بنسبة 10%، وعلى عكس ذلك اذا كان الطلب قوياً جداً الى درجة ان تجبر الشركة على انتاج 110 حقيبة وذلك بالعمل الاضافي للآلآت وللعمال، اذاً فيمكن ان نقول ان هناك ناتجاً نهائياً ايجابياً (او فجوة تضخم) بنسبة 10%.
لماذا يعتبر هذا الامر هاماً؟ يمكن ان يكون لدرجة الفائض الاحتياطي اثار على التضخم وايضاً على مستوى معدلات الفائدة التي يقررها البنك المركزي، ومع ذلك يمكن ان تكون عملية تقدير فجوات الناتج النهائي معقدة لاننا لانعرف ماهو الاتجاه او الناتج المحلي الاجمالي المحتمل، الان نتحول نحو جزء معين من دورة الاقتصاد حيث يهبط النشاط، والذي يسبب بدوره فائض احتياطي هذه الفترات من الركود يمكن ان نطلق عليها فترات الكساد اذا كانت تلك الفترات في غاية السوء.
جوزيف شومبيتر
قضى جوزيف شومبيتر معظم وقته في محاولة فهم مستويات الصعود والهبوط في دورة الاقتصاد رغم ان محاولته كانت تنبع من منظور مختلف عن غيره من الاقتصاديين، فقد قام بتصنيف ثلاثة انواع من الدورات: الدورات القصيرة، وهي تستمر لمدة عام او اثنين وتنشأ بسبب قيام الشركات بتعديل اسمها او مستوى مخزونها، ثم الدورات متوسطة المدى وهي تستمر لمدة عقد (عشرة سنوات) وهي ايضاً نتيجة للتغيرات التي تطرأ على قرارات الشركات الخاصة بالاستثمار، واخيراً الدورات التي تستغرق فترة اطول التي تستمر لمدة عقود، ويمكن فهمها من خلال موجات العمليات الابداعية، والامثلة على تلك الدورات الاخيرة تشمل الثورة الصناعية او ربما ابتكار شبكة الانترنيت.
والنظرية التي تتعلق بمنظور شومبيتر هي نظرية "التدمير الخلاق"، فالشركات تنتج سلعاً جديدة وافضل بأستمرار، او قد تبتكر اساليب اكثر فعالية لأنتاج ناتجه النهائي، تستطيع الشركات المبدعة ان تجني الارباح وتقوم الشركات الاخرى بأستنساخ ما تفعله تلك الشركات، ومع ذلك فأن الشركات التي تعاني من الضعف تفضل في ان تتأقلم مع التكنولوجيا الجديدة او مع الوسائل الاكثر كفاءة في الانتاج، وهذه الشركات تدمر من خلال وجود مثل تلك الطرق الجديدة والرائدة في ادارة الاعمال التجارية، والمثال الاكثر وضوحاً على ذلك يتمثل في صناعة الصحف حيث حلت شبكة الانترنيت محل المطابع العادية بسرعة فائقة.
حالات الركود وحالات الكساد
ماهو الركود؟ لنتحدث بشكل عام، هو مرحلة يتقلص فيها الاقتصاد لفترة من الوقت، فأحياناً ماتكون هناك مراحل يهبط فيها النشاط الاقتصادي لفترة بسيطة سبب حدث غير عادي ثم يبدأ مرة اخرى بعد ذلك، ولكن ليس هذا بالفعل هو المعنى الحقيقي للركود، لذلك فأننا نحتاج الى طريقة افضل لتحديد احد التعارف بغض النظر عن الفترة التي يهبط فيها النشاط الاقتصادي، احد هذه التعاريف يتجسد عندما يهبط النشاط خلال عام، ولكن التعريف الاكثر شهرة لحالة الركود هو هبوط الناتج الاجمالي المحلي لمدة ستة اشهر متواصلة، فأذا حدث ذلك فلابد ان نستبعد فكرة حدوثه بسبب حادث غير عادي.
لايزال هناك بعض الدول تستخدم تعاريف مختلفة لمرحلة الركود، احدى تلك الدول هي الولايات المتحدة حيث يضطر المكتب القومي للبحوث الاقتصادية بأستناد فترات الركود على مجموعة كبيرة من المؤشرات الاقتصادية العامة، وليس فقط على الانشطة كما يشرح لنا المكتب القومي للبحوث الاقتصادية:"الركود هو انخفاض حاد بالنشاط الاقتصادي الذي ينتشر عبر الاقتصاد كله ويستمر لأكثر من بضعة اشهر، ويبدو واضحاً بصورة طبيعية في الناتج الاجمالي المحلي وفي الدخل الحقيقي والعمالة والانتاج الصناعي ومبيعات الجملة والتجزئة".
الجدير بالذكر انه في حين تبدو تلك التعاريف صحيحة بالنسبة لأحدى الدول، الا انها لاتعد مناسبة للعالم ككل، فعندما ننظر الى الاقتصاد العالمي فأننا ننظر الى العديد من الدول مرة واحدة لذلك يتوازن عمل الشركات الجيدة في الرديئة، ولذلك فنادراً جداً ما يهبط اجمالي النشاط العالمي خلال اي عام من الاعوام، لذلك فثمة بديهية شفهية تقول بأن النمو السنوي العالمي تحت 2% في العام يعتبر ركوداً، ولايزال ركود عام 2009 في غاية السوء الى درجة ان النشاط العالمي قد انخفض بالفعل.
ما المدة التي عادةً ما تستمر فيها حالات الركود؟ بما ان كل الدورات الاقتصادية متباينة ومختلفة كذلك تختلف فترات الركود خلال تلك الدورات، والتوسع الاقتصادي هو النمط الافتراضي لكل اقتصاد، فكل عام يصبح النشاط اعلى من نشاط العام السابق، جزئياً لان النمو السكاني يزيد في الانتاج والاستهلاك، وجزئياً لان السكان الحاليين اصبحوا- ولا يزالون يبصبحون- منتجين بصورة افضل.
لكن الاقل شيوعاً هو ان فترات الانفاق والناتج المنخفضين لاتزال تمثل جزءاً من الدورة الاقتصادية التقليدية، ففي المملكة المتحدة مثلاً استمرت فترات الركود الاكثر حداثة (وهي فترات عامي 2008-2009 وبدايات التسعينيات والثمانينات من القرن الماضي) ما يربو على عام، وسبب استمرار الاقتصاد في العمل الى الضعف لفترة طويلة هو لأنه يستغرق وقتاً ما حتى يعود مستوى الناتج النهائي والعمالة الى التوقف عن الهبوط، بمعنى آخر يمكن ان تظل فجوة التقلص سالبة لفترة طويلة بعد الركود حتى في حالة النمو الاقتصادي القومي.
بعض الناس يستخدمون مصطلح "الركود" بمعنى الكساد والعكس صحيح، ومع ذلك فعادةً ما يشير اصطلاح الكساد الى الموقف الذي لا يهبط فيه فقط مستوى النشاط والعمالة بشدة بل ايضاً الى فشل هذا المستوى في التعافي، ويظل على ادنى حدود له لفترات طويلة، لتوضيح ذلك بصورة مبسطة نقول ان الكساد هو ركود حاد يتبعه تحسن.
شهدت المملكة المتحدة ركوداً حاداً (حيث هبط مستوى النشاط بنسة 7,5% من اقصى الذروة الى اسفل القاع ولكنه تسحن بصورة معقولة وبسرعة بعد ذلك) فقد مرت الولايات المتحدة بفترة كساد، وقد هبط النشاط لما يربو على30% من القمة الى القاع، وقد عانى الاقتصاد من هبوط مضاعف في نهاية ذلك العقد.
يمكن ان يوصف الاقتصاد الياباني ايضاً بأنه كان في حالة كساد خلال العقدين الماضيين، فبعد ان شهد النشاط الاقتصادي وفقاً للشروط الاسمية انهياراً في النمو في بداية التسعينيات حيث انفجرت فقعات الاسكان وسوق الاسهم المالية في نهاية الثمانينيات فشل في ان يتحسن او يتعافى، فقد ظل على نفس مستواه الان كما كان منذ عشرين سنة.
الفقاعات BUBBLES
تعتبر مؤشراً معروفاً على حالات الركود، ففي الاوقات الجيدة ترتفع اسعار الاصول الثابته مثل المنازل والاسهم بدرجة كبيرة بحيث يفقد الناس مسارهم ويضلون الطريق الذي يحددون فيه القيمة الصحيحة والمفيدة لهم وفي نهاية الامر يكتشف الناس ان الاسعار قد ارتفعت الى ماهو ابعد من المستوى المناسب لهم والدافع لذلك غالباً ما يكون تغيرا في سياسة البنك المركزي او الحكومة (مثل ارتفاع معدلات الفائدة او الضرائب) او صدمة خارجية (مثل حالات ارتفاع اسعار البترول في السبعينيات).
لم تختلف آخر حالة ركود كثيراً، فقد اشترى اصحاب المنازل في الولايات المتحدة مساكن ليست في متناولهم على الاطلاق، وقاموا بعمل رهونات عقارية بمعدلات فائضة منخفضة جداً كحالة استثنائية ما ادى الى رفع اسعار المنازل، لكن عندما ارتفعت معدلات الفائدة ضلت مرتفعة هكذا، ولم يعد اصحاب المنازل قادرين على التسديد، عندما تحملت البنوك العالمية تلك الديون برزت مشكلة ازمة الائتمان، ولقد اصبحت الاقتصاديات اكثر تشابكاً وتداخلاً على مدى العقود القليلة الماضية، ليست فقط من خلال عمليات التمويل الدولية بل ايضاً من خلال التجارة الدولية، وكانت المحصلة كساداً عالمياً حاداً ومتزامناً في النشاط الاقتصادي، وقال جون ماينارد كينيس اذا تداينت لمصرفك بمائة جنيه فستواجه مشكلة، اما اذا تداينت له بمليون جنيه فسيواجه المصرف مشكلة.
وان مواجهة الركود تقوم على روح واحدة اساسية ابتكرها كينيس في مواجهة الكساد الذي ضرب الولايات المتحدة في اوائل الربع الثاني من القرن العشرين، حيث اكد الاقتصادي الامريكي على ضرورة توفير سيولة مالية في ايدي الناس، مما يشجعهم على استهلاك المعروض من السلع والخدمات، وهو ما سيؤدي لوقف عجلة الركود، فتنشيط الطلب يؤدي لأعادة تدوير عجلة الانتاج مجدداً.
وحديثاً، تطورت ادوات الدولة في تنفيذ تلك الرؤية، فمعالجة الركود الاقتصادي يتطلب تدخلاً من الدولة التي تعاني من الركود، ويكون العلاج عبر اتخاذ تدابير تتمثل فيما يلي: سياسة السوق المفتوحة، سياسة تحريك سعر الفائدة، وسياسة تخفيض الاحتياطي الالزامي للبنوك.
واتضح ما يلي يتحرك النشاط الاقتصادي اما نحو الارتفاع او نحو الانخفاض اثناء سير دورة الاقتصاد، فيؤدي الى فترات انتعاش، او يؤدي الى حالات من الركود، وفي كلتا الحالتين على الدولة ان تخذ دورها في ايجاد معالجات لتخلص من حالات الركود و الكساد والمحافظة على اقتصاد مستقر و منتعش.