الاصلاح الاقتصادي في مصر: بين رضا الحكومة ورفض الشارع

إيهاب علي النواب

2017-07-10 07:20

يشهد الاقتصاد المصري احداث اقتصادية مستمرة وتغيرات واسعة بعد اعتماد نهج الاصلاح لتصحيح مساره الاقتصادية، ومن جملة ذلك أظهر استطلاع أن البنك المركزي المصري سيبقي أسعار الفائدة الأساسية بدون تغيير في يوليو تموز بعدما أخفقت زيادة بلغت 200 نقطة أساس في مايو أيار في كبح التضخم الذي قفز منذ تعويم الجنيه في نوفمبر تشرين الأول، ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يرتفع التضخم في الأشهر المقبلة بسبب أحدث زيادة في أسعار الوقود، لكن تسعة من عشرة خبراء شاركوا في الاستطلاع ذكروا إن من غير المرجح أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، وتراجع التضخم قليلا لكنه ظل مرتفعا عند حوالي 30 بالمئة في مايو أيار بعدما رفع المركزي الفائدة على الودائع لليلة واحدة إلى 16.75 بالمئة من 14.75 بالمئة بينما رفع فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75 بالمئة من 15.75 بالمئة في الاجتماع السابق للجنة السياسة النقدية في 21 مايو أيار.

وهذه القفزة في الفائدة هي الأولى من نوعها منذ رفع المركزي أسعار الفائدة 300 نقطة أساس وعمد إلى تعويم الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني في إطار برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لإحياء اقتصاد مصر المنهك، وتدهور النمو الاقتصادي في البلاد منذ انتفاضة 2011 التي أبعدت السياح والمستثمرين الأجانب وهو ما أدى إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية ووضع ضغوطا على الرئيس عبد الفتاح السيسي وسط إصلاحات اقتصادية صعبة دفعت التضخم إلى صعود حاد، ورفعت مصر مؤخراً أسعار الوقود بنسب تصل إلى 100 بالمئة، وهي الزيادة الثانية منذ نوفمبر تشرين الثاني، في خطوة أخرى نحو خفض عجز الميزانية، ومن المتوقع أيضا أن تقفز أسعار الكهرباء في الأسابيع القادمة وهو ما يضع مزيدا من الضغوط على المصريين الذين فقدت دخولهم وأجورهم نصف قيمتها منذ تعويم العملة.

ارتفاع مصطنع للجنيه المصري

ارتفع الجنيه المصري بين خمسة قروش و15 قرشا أمام الدولار ليصل إلى ما بين 17.95 و18 جنيها للبيع في أكبر تحرك للعملة خلال خمسة أشهر وذلك بعد أيام قليلة فحسب من خفض الحكومة المصرية لدعم الوقود في خطوة تنذر بمزيد من الضغوط التضخمية، وأفاد مصرفيون إن ارتفاع الجنيه يوم الاثنين بعد أشهر من الاستقرار النسبي يبدو "مصطنعا" وعزوه إلى الرغبة في تخفيف حالة السخط لدى المواطنين بعد رفع أسعار المواد البترولية بما يصل إلى 100 بالمئة سابقاً، وكان الجنيه قد هوى بشكل حاد بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني ليصل إلى نحو 19 جنيها للدولار قبل أن يبدأ في أواخر يناير كانون الثاني استعادة بعض عافيته ويسجل نحو 15.73 جنيه للدولار في بعض البنوك ثم يستقر عند مستويات بين 18.05 و18.15 منذ مارس آذار.

وأضاف هاني فرحات محلل الاقتصاد المصري في سي.آي كابيتال "بالتأكيد ما حدث اليوم من ارتفاع للجنيه مقابل الدولار ليس صدفة بسبب زيادة التدفقات الدولارية بشكل كبير الشهر الماضي بجانب قرار رفع الفائدة فلماذا الارتفاع اليوم؟ لكنه أضاف أنه في نفس الوقت لا يمكن أن ننكر أن الاتجاه العام لسعر الصرف لابد من أن يرتفع مقابل الدولار بسبب زيادة التدفقات الدولارية في البنوك وعدم وجود أي طلبات استيراد معلقة لدى البنوك بجانب مشتريات الأجانب التي بلغت 10 مليارات دولار في أدوات الدين الحكومية خلال السنة المالية الماضية، وكان طارق عامر محافظ البنك المركزي صرح في مايو أيار إن الاقتصاد جذب نحو 54 مليار دولار في ستة أشهر بعد التعويم، في حين وضح أحمد كوجك نائب وزير المالية للسياسات المالية إن مصر جذبت استثمارات أجنبية بقيمة 9.8 مليار دولار في أدوات الدين المحلية في السنة المالية 2016-2017 من 1.1 مليار في 2015-2016، وزادت تحويلات المصريين في الخارج 11.1 بالمئة إلى 9.3 مليار دولار منذ نوفمبر تشرين الثاني وحتى نهاية أبريل نيسان وذلك مقابل 8.3 مليار قبل عام وفقا لبيانات البنك المركزي، ويذكر مصرفيون ومستوردون إن ارتفاع الجنيه مقابل الدولار يهدف لتهدئة الشارع المصري بعد حالة الغضب والصدمة التي أعقبت رفع أسعار المواد البترولية.

وجاءت أحدث زيادة لأسعار الوقود في إطار برنامج تطبقه الحكومة ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي شمل تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة أكثر من مرة لاحتواء التضخم وزيادة أسعار الطاقة وتطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، وقد يؤدي ارتفاع الجنيه إلى انخفاض تكلفة فاتورة الواردات المصرية الضخمة لكن التجار يشكون من ركود حاد في الأسواق، اذ يشكو المصريون الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر من صعوبة تدبير المتطلبات المعيشية الأساسية بعد زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال ثمانية شهور وسط معدلات تضخم تقارب الثلاثين بالمئة.

البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد المصري 5.3% بحلول 2019

ذكر البنك الدولي إن من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي المصري 5.3 في المئة بحلول 2019 وهو ما يشير إلى أن اقتصاد أكثر الدول العربية سكانا يتعافى بعد اضطرابات استمرت سنوات، وفي تقريره الشهري عن الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يونيو حزيران، قدر البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي المصري بواقع 3.9 في المئة في السنة المالية 2016-2017 التي تنتهي هذا الشهر بما يتوافق مع توقعات الحكومة، وأن من المتوقع أن يبقى النمو في مصر قرب أربعة في المئة في السنة المالية 2017 ثم يزيد في السنتين التاليتين مدعوما بتطبيق تدريجي لإصلاحات في بيئة الأعمال وتحسن القدرات التنافسية رغم ضغوط التضخم المرتفع على النشاط في الأمد القصير.

ويتوقع البنك أن يرتفع معدل النمو إلى 4.6 في المئة في السنة التالية وإلى 5.3 في المئة بحلول السنة المالية 2018-2019 ليعود إلى مستويات ما قبل 2011، ويكافح الاقتصاد المصري منذ انتفاضة 2011 التي أدت إلى عزوف المستثمرين الأجانب والسياح، وتأمل الحكومة بأن يؤدي برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، يتضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، إلى وضع البلاد على المسار الصحيح، وزادت رغبة المستثمرين الأجانب في الاستثمار في مصر بعد تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وقفزت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي إلى 31.126 مليار دولار في نهاية مايو أيار مقتربة من مستواها قبل انتفاضة 2011 البالغ نحو 36 مليار دولار.

وساهم تعويم العملة أيضا في دعم الصادرات المصرية التي أصبحت أقل تكلفة بعدما فقد الجنيه نصف قيمته، ورغم ذلك، قفز التضخم منذ التعويم مسجلا أعلى مستوياته خلال ثلاثة عقود في أبريل نيسان، وتراجع التضخم في مايو أيار، لكن خبراء اقتصاديين يتوقعون أن خفض الدعم على الوقود المتوقع في يوليو تموز سيدفع التضخم للصعود مجددا، ويهدف خفض الدعم إلى تقليص عجز الموازنة إلا أنه سيفرض مزيدا من الضغوط على المواطنين الذين فقدت مدخراتهم نصف قيمتها جراء تعويم الجنيه.

ويرى هشام عكاشة، رئيس البنك الأهلى المصري – أكبر بنك حكومي - أن البنك المركزي، استهدف خفض معدلات التضخم برفع سعر الفائدة لاستيعاب زيادة الكهرباء والمحروقات، وأضاف عكاشة على هامش منتدى تعزيز الاستقرار المالي الذى يعقده اتحاد المصارف العربية، فى شرم الشيخ - كان من الطبيعي أن تحدث زيادة فى اسعار الفائدة ، مشددا على أن تأثير القرار على الاستثمار سيكون محدودا، وعن تراجع الدولار فى السوق المصرى الأيام الماضية، أوضح رئيس البنك الأهلى، أن ذلك تحقق لوجود عدة أسباب أهمها زيادة تحويلات المصريين فى الخارج إلى الجهاز المصرفي بعد انتهاء السوق السوداء، إضافة إلى خطوات الاصلاح الاقتصادى المصري التى تنفذ حاليا وقرارات البنك المركزي المصري الأخيرة، وأشار إلى أن البنك المركزى المصري، لديه مبادرات عديدة لدعم الاستثمار وقطاعات محددة فى السوق، فمثلا مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والتى تعد أحد دعائم الاقتصاد مستمرة بفائدة 5%، كما أن المشاريع المتوسطة التى لديها توسعات بخطوط الانتاج بما يتعدى 20 مليون جنيه تتمتع بمبادرة المركزى وتحظى بسعر فائدة تفضيلي، وعن تأثير رفع أسعار الفائدة على الاقتراض الحكومي بين أن التأثير سيكون محدودا على أذون الخزانة والسندات الحكومية.

من جهة اخرى وزارة التجارة والصناعة المصرية إن عجز الميزان التجاري في الأشهر الأربعة الأولى من 2017 هبط 48 بالمئة على أساس سنوي إلى 8.493 مليار دولار، وأضافت الوزارة أن الصادرات زادت 14 بالمئة إلى 7.438 مليار دولار حتى نهاية أبريل نيسان في حين تراجعت الواردات 30 بالمئة إلى 15.931 مليار دولار، وعزا طارق قابيل وزير التجارة والصناعة تحسن التجارة الخارجية المصرية الى ترشيد الواردات والحد من استنزاف العملات الصعبة (مما أدى إلى) زيادة الاعتماد علي الصناعة المحلية من خلال إحلال المنتجات المحلية محل المنتجات التي كان يتم استيرادها من الخارج، في الوقت ذاته وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قانون الاستثمار الجديد الذي طال انتظار المستثمرين له ويهدف إلى تيسير أنشطة الأعمال وإيجاد حوافز للاستثمار، ومن المتوقع أن يدعم القانون الجديد استثمارات تحتاجها مصر بشدة من خلال تيسير الإجراءات الإدارية، وخصوصا تلك المتعلقة ببدء المشروعات الجديدة، وتقديم المزيد من الحوافز للمستثمرين الذين يتطلعون إلى ضخ أموال في البلاد، وتتضمن الحوافز خصما قدره 50 بالمئة للضريبة على الاستثمار في المناطق الأقل تنمية ودعما حكوميا لتكلفة إدخال المرافق إلى المشاريع الجديدة.

وبموجب القانون الجديد، يستطيع المستثمرون استرداد نصف ما دفعوه للاستحواذ على أراض لمشروعات صناعية إذا بدأ الإنتاج خلال عامين، ويعيد القانون أيضا مناطق حرة للقطاع الخاص، وهي مناطق معفاة من الضرائب والجمارك، وهي سياسة عطلت إقرار القانون بسبب إعتراضات على تبديد إيرادات الضرائب في وقت تتقشف فيه البلاد، وقفز الاستثمار الأجنبي المباشر 39 بالمئة في النصف الأول من السنة المالية التي تنتهي في الثلاثين من يونيو حزيران إلى 4.3 مليار دولار.وفي نوفمبر تشرين الثاني الماضي أنهت مصر، أكثر الدول العربية سكانا، ربط عملتها بالدولار وقبلت برنامج قرض لأجل ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي مرتبطا باصلاحات اقتصادية طموحة في إطار محاولة لاستعادة تدفقات رؤوس الأموال التي نضبت بعد انتفاضة 2011 التي أبعدت المستثمرين والسياح.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا