هل يواجه الاقتصاد القطري أزمة فقدان الثقة؟
إيهاب علي النواب
2017-06-15 05:45
أكد خبراء اقتصاد أن الاقتصاد القطري سيتعرض لحالة اختناق شديدة خلال أيام قليلة بسبب قرار مقاطعتها من جانب السعودية والإمارات والبحرين حيث كشفت الأزمة الحالية عن مدى هشاشته، وأوضحوا أن قرار الدول الخليجية الثلاث بإغلاق حدودها الجوية والبرية والبحرية مع قطر سيؤدي إلى وجود ندرة شديدة في السلع الغذائية سواء الاستراتيجية أو التكميلية موضحين أن قرار المقاطعة اتسم بالمفاجأة والسرعة الشديدة مما أفقد الدوحة القدرة على تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والدقيق والسكر والزيوت حيث ستشهد الأسواق موجة حادة من ارتفاع الأسعار لتشمل كافة أنواع السلع الاستهلاكية وخاصة الغذائية.
ولفت الخبراء إلى أن قطر تستورد نحو 90% من وارداتها الغذائية من السعودية والإمارات بشكل خاص لافتين إلى أن القرار المفاجئ بالمقاطعة ظهرت آثاره واضحة خلال الساعات الماضية بتدفق الآلاف المواطنين والمقيمين في قطر على المراكز التجارية الكبرى لشراء أكبر كميات من المواد الغذائية تحسباً لأي شح متوقع، كما أكد الخبراء الآثار السلبية التي تخلفها المقاطعة على الاقتصاد القطري، الذي بدأ يشهد تراجعات غير مسبوقة في العملة وسوق المال، في خطٍ متوازٍ مع خوف متزايد داخل الشارع القطري من نقص السلع الأساسية.
وكبداية لذلك أدرجت السعودية والإمارات ومصر والبحرين شخصيات وكيانات مرتبطة بقطر على قوائم سوداء مرتبطة بالإرهاب. وشملت القوائم رجل الدين البارز يوسف القرضاوي الذي يعتبره كثيرون زعيما روحيا للإخوان المسلمين كما تضمنت مؤسسة قطر الخيرية التي تمولها قطر ومؤسسة الشيخ عيد آل ثاني الخيرية، اذ ذكرت مصادر اماراتية أن البنك المركزي الإماراتي أصدر تعليمات للبنوك المحلية بحظر التعامل مع 59 شخصا و12 كيانا على صلة بدولة قطر و"تجميد أية حسابات أو ودائع أو استثمارات" تخص أيا منهم تمشيا مع قرار مجلس الوزراء، وإن المركزي أصدر تعميما وجه فيه البنوك والمؤسسات المالية الأخرى العاملة في الدولة بالتطبيق الفوري لإجراءات العناية الواجبة المعززة بشأن المعاملات مع أي من البنوك القطرية مثل بنك قطر الإسلامي وبنك قطر الدولي الإسلامي وبنك بروة ومصرف الريان وبنك قطر الوطني وبنك الدوحة.
وتتعرض البنوك القطرية كغيرها من البنوك الخليجية المجاورة لضغوط بفعل انخفاض أسعار النفط مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التمويل وزيادة القروض المتعثرة، وفي السنوات الأخيرة توسعت بعض البنوك خارج السوق القطرية المحلية الصغيرة من أجل تنمية أعمالها وحافظ بنك قطر الوطني على وجوده في عدة بلدان من بينها مصر وتركيا ونيجيريا والإمارات إما مباشرة أو من خلال مؤسسات تابعة له، من جهة اخرى ذكرت مصادر بحرينية أن مصرف البحرين المركزي أمر البنوك العاملة في المملكة بتجميد الأصول والحسابات المصرفية لما يصل إلى 59 فردا و12 كيانا مرتبطين بقطر وتتهمهم دول عربية بأن لهم صلات بالإرهاب، وجاء التحرك بعدما وضعت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، التي عزلت قطر بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية وروابط النقل معها الأسبوع الماضي، أشخاصا لهم صلات بالدوحة على قوائم سوداء.
ارتفاع تكلفة التأمين على ديون قطر بعد خفض التصنيف الائتماني
ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية من مخاطر التخلف عن السداد ارتفاعا حادا بعد خفض التصنيف الائتماني للبلاد بسبب أزمتها الدبلوماسية مع دول عربية أخرى، وبلغت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية لأجل خمس سنوات 89 نقطة، وهو أعلى مستوى لها منذ مطلع ديسمبر كانون الأول من العام الماضي، قبل أن تقطع السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات مع قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب، وخفضت ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني للديون القطرية الطويلة الأجل درجة واحدة إلى AA- من AA ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، وهو ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لخفض جديد في التصنيف.
وتنطوي عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية في الوقت الحالي على احتمال تخلف عن السداد نسبته 6.0 في المئة في السنوات الخمس القادمة، وزادت أيضا عقود مبادلة مخاطر الائتمان السعودية كثيرا إلى 98 نقطة من 90 بعد أن هوت أسعار النفط نحو أربعة في المئة في تعاملات الأسواق الخارجية.
قطر للبترول ومدى التأثر من الأزمة الدبلوماسية
ذكرت شركة قطر للبترول إن كل عملياتها تسير كالمعتاد رغم تصاعد التوتر الدبلوماسي مع جيرانها في الخليج، وأضافت الشركة أن قطر للبترول وشركاتها التابعة أن جميع أعمالها مستمرة بشكل طبيعي وكالمعتاد في جميع مراحل أعمالها من الإنتاج إلى التصدير وفي جميع مرافقها ذات المستوى العالمي، وأكدت الشركة أنها مستعدة لاتخاذ كل القرارات والإجراءات الضرورية، إذا تطلب الأمر ذلك، لضمان وفائها بالتزاماتها بحق العملاء والشركاء، وقطعت السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية وكل سبل النقل مع قطر متهمة إياها برعاية الإرهاب.
وارتفعت أسعار الغاز في المملكة المتحدة يوم الخميس أكثر من 4.5 بالمئة، متأثرة بمخاوف عن مدى تأثير الأزمة على التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال، بعدما غيرت ناقلتان قطريتان مسارهما وكانتا ستتوجهان على الأرجح إلى بريطانيا، وقطر أكبر دولة منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم حيث تبلغ حصتها منه في التجارة العالمية 30 في المئة.
وعكر الخلاف الدبلوماسي المتصاعد بين قطر وعدد من الدول في الشرق الأوسط صفو سوق تجارة الغاز الطبيعي المسال وتسبب في تغيير ناقلة واحدة على الأقل مسارها إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز في بريطانيا، وقطعت السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى هذا الأسبوع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، متهمين الدوحة برعاية "الإرهاب".
وفي واحدة من أولى الإشارات على الأثر الذي لحق بسوق الغاز الطبيعي المسال، أرسلت رويال داتش شل شحنة بديلة من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة إلى دبي بعد أن حظرت الإمارات دخول السفن القطرية إلى موانئها، وارتفعت أسعار الغاز في المملكة المتحدة قفز السعر في ناشونال بالانسينج بوينت لشهر يوليو تموز أكثر من 4.5 بالمئة بعدما غيرت ناقلتان قطريتان مسارهما وكانتا ستتوجهان على الأرجح إلى بريطانيا، ولم يتضح لماذا غيرت الناقلتان مسارهما غير أن تجارا ذكروا إنهما ربما اتجها للدوران حول قارة أفريقيا بدلا من العبور بقناة السويس التي كان من المنتظر أن يعبرا من خلالها، ويخشى تجار من أن مصر قد تمنع ناقلات تحمل شحنات قطرية من استخدام القناة على الرغم من أنها مرتبطة بمعاهدات دولية بعدم إغلاق الممر الملاحي.
وبيد أن مصر ما زالت تشتري الغاز الطبيعي المسال من قطر والذي تجلبه شركات تجارة مثل ترافيجورا وجلينكور وفيتول التي تحصل على ملكية الشحنات في الميناء القطري ولا تستخدم ناقلات قطرية وإن أربع ناقلات من المتوقع أن تسلم غازا قطريا مسالا إلى مصر خلال الأسبوعين القادمين، ومع تطبيق الحظر تحركت ناقلات الغاز المسال القطرية التي كانت مرابضة قبالة ميناء الفجيرة في الإمارات قبل القطيعة الدبلوماسية من أماكنها.
ولدى شل اتفاق لتزويد هيئة دبي للتجهيزات بالغاز المسال الذي عادة ما تورده من قطر نظرا لقربها. لكن حظر دخول السفن القطرية إلى موانئ الإمارات العربية المتحدة اضطر الشركة إلى توريد الغاز من مصدر بديل، وكانت الناقلة مران غاز أمفيبوليس، المحملة بنحو 163 ألفا و500 متر مكعب من الغاز المسال المنتَج في الولايات المتحدة، متجهة إلى ميناء الأحمدي الكويتي في البداية لكنها غيرت مسارها لتتجه إلى ميناء جبل علي في دبي.
وأعادت هيئة الموانئ البترولية بأبوظبي فرض حظر على ناقلات النفط المرتبطة بقطر المتجهة إلى موانئ في الإمارات العربية المتحدة لتتراجع عن قرار صدر في وقت سابق بتخفيف القيود مما قد يخلق تكدسا في شحنات الخام، وصدر تعميم هيئة الموانئ في وقت متأخر، وينص التعميم على منع دخول جميع السفن القادمة من قطر أو المتجهة إليها بغض النظر عن العلم الذي ترفعه إلى أي من الموانئ البترولية التابعة للهيئة، وتلا ذلك مذكرة صادرة من شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) المملوكة للحكومة، ومن المحتمل أن يعرقل الحظر إجراء شائعا في القطاع يقضي بتحميل شحنات نفط من دول مختلفة على متن نفس الناقلة لخفض تكاليف الشحن. وقد يتسبب منع تحميل النفط القطري وخامات أخرى من الشرق الأوسط في زيادة تكاليف النقل التي تتحملها شركات التكرير ويؤدي إلى اختناقات لوجيستية.
فقدان الثقة في قوة الاقتصاد القطري
يرى البعض أن المقاطعة كشفت عن الأزمة التي تعاني منها قطر وعن مدى هشاشة الاقتصاد القطري، وهو ما ألمح إليه رئيس المجموعة الاقتصادية الخبير الاقتصادي المصري الدكتور فخري الفقي، والذي لفت إلى أن الاقتصاد القطري يتأثر بصورة كبيرة جراء المقاطعة العربية، ومن المتوقع أن تكون هنالك خسائر فادحة، وهو ما ظهر سريعاً على مؤشرات البورصة القطرية التي شهدت تراجعات حادة فور قطع العلاقات مع الدوحة، وخروج الأموال الساخنة خارج قطر لافتًا إلى أن قرارات وقف التعامل مع البنوك القطرية من شأنها كذلك أن تؤثر على تعطل فتح اعتمادات الاستيراد ومن ثم التأثير سلباً على تدفق الواردات وورود البضائع، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار.
كما لفت فخري الفقي إلى استشعار المواطنين القطريين الخطر، وقيامهم بالاصطفاف في المتاجر والبنوك، وجميعها عوامل مؤكدة على خطورة موقف الاقتصاد القطري، رغم الاحتياطي النقدي القوي للدوحة الذي قد يمكنها من مواجهة المقاطعة، بينما يتزايد الأمر خطورة لدى استمرار وتواصل المقاطعة مشيراً في السياق ذاته إلى الأزمة التي سوف يعاني منها الإعلام القطري وخاصة القنوات الرياضية، الأمر الذي ينعكس على واقع الاقتصاد القطري، جنباً إلى جنب وخسائر قد تصل نسبتها إلى 50% للطيران القطري عقب إغلاق المجال الجوي والبحري في وجهه.