الاقتصاد المصري وضياع فرص التنمية

إيهاب علي النواب

2017-04-03 07:48

صرح وزير المالية المصري عمرو الجارحي إن سعر الدولار الجمركي سينخفض إلى 16.5 جنيه ولمدة شهر مقارنة مع 17 جنيها حاليا، وذكر الوزير إن "خفض سعر الدولار الجمركي ليصبح أقل من سعر العملة الأميركية في البنوك بنحو 10% يهدف إلى تخفيض تكاليف الإنتاج ومعدل التضخم"، ويتراوح سعر بيع الدولار في البنوك العاملة في مصر بين 18.10 و18.20 جنيها.

والدولار الجمركي هو ما يدفعه المستورد من رسوم بالعملة المحلية بما يوازي الرسوم الدولارية المفروضة عليه نظير الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحتجزة فى الجمارك، ويعاني المصريون جراء ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في ثلاثين عاما عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

مصر تتوقع أن تتجاوز الاحتياطيات 28.5 مليار دولار

ذكرت مصادر إن البنك المركزي المصري يتوقع أن يكون الاحتياطي النقدي قد قفز إلى أكثر من 28.5 مليار دولار في نهاية مارس آذار مسجلا أعلى مستوى منذ مارس آذار 2011، وكان الاحتياطي النقدي لمصر 26.542 مليار دولار وهو في زيادة منذ الاتفاق على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بهدف جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ونقلت المصادر الرسمية عن رامي أبو النجا الوكيل المساعد لمحافظ البنك المركزي أن حصيلة النقد الأجنبي من خلال القطاع المصرفي بلغت نحو 17 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني 2016

البنك المركزي: ارتفاع الدين الخارجي لمصر 41%

كشفت بيانات البنك المركزي المصري عن ارتفاع إجمالي الدين الخارجي للبلاد 40.8 بالمئة على أساس سنوي في النصف الأول من السنة المالية 2016-2017 بينما زاد الدين العام الداخلي 28.9 بالمئة في الفترة ذاتها، وأوضحت الأرقام التي وردت في نشرة شهر فبراير شباط أن إجمالي الدين الخارجي للبلاد زاد إلى 67.322 مليار دولار في النصف الأول الذي انتهى في 31 ديسمبر كانون الأول من 47.792 مليار دولار في النصف الأول من 2015-2016.

وارتفع الدين العام الداخلي 28.9 بالمئة إلى 3.052 تريليون جنيه (166.9 مليار دولار) من 2.368 تريليون في النصف المقابل من السنة المالية السابقة، تعكف حكومة رئيس الوزراء شريف إسماعيل على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يشمل فرض ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف وخفض الدعم الموجه للكهرباء والمواد البترولية سعيا لإنعاش الاقتصاد وإعادته إلى مسار النمو وخفض واردات السلع غير الأساسية، وساعدت الإصلاحات مصر في الحصول على قروض من صندوق النقد والبنك الدوليين ومن البنك الافريقي للتنمية

الدين العام يحطم أمل التنمية في مصر

مقومات عدة تعتمد عليها التجارب التنموية، ويعتبر المال من أهم هذه المقومات، إلا أن الملاحظ أن مصر تفتقر إلى الاستقرار المالي بشكل كبير من خلال المؤشرات الاقتصادية المنشورة بالإصدارات الحكومية، وكان آخر هذه المؤشرات ما تضمنته النشرة الإحصائية للبنك المركزي المصري عن نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث تضمنت أن الدين العام الخارجي لمصر بلغ بنهاية سبتمبر/أيلول 2016 نحو 60.1 مليار دولار، وأن نصيب الفرد من هذا الدين بلغ 618.2 دولارا.

ويتواكب مع زيادة الدين العام الخارجي تصاعد مماثل في الدين العام المحلي، حيث بلغ في نفس التاريخ 2.7 تريليون جنيه، ومعنى ذلك أن الدين العام (المحلي+الخارجي) قد تجاوز قيمة إجمالي الناتج المحلي ببلوغه نحو 3.8 تريليونات جنيه مصري، في حين أن تقديرات الناتج المحلي بحدود 3.2 تريليونات جنيه، وهو ما يعني أن الدين العام يمثل نحو 118% من الناتج المحلي، وذلك حسب تقديرات الربع الأول من العام المالي 2017/2016 (يوليو/تموز-سبتمبر/أيلول).

ومن المتوقع أن يتجاوز الدين العام لمصر ناتجها المحلي بنسب أعلى من ذلك بنهاية العام المالي في يونيو/حزيران 2017، وذلك لتوسع الحكومة في سياسة الاستدانة الخارجية، فالدين الخارجي في سبتمبر/أيلول 2016 لم يتضمن ما ألزم به صندوق النقد الدولي مصر من تدبير ستة مليارات دولار للتصديق على اتفاق القرض، وكان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2016 قبل تصديق المجلس التنفيذي للصندوق على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، وصرف الشريحة الأولى بنحو 2.75 مليار دولار في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويعني ذلك أن قيمة الدين الخارجي لمصر الآن تتجاوز حاجز السبعين مليار دولار، وتعتزم مصر إصدار سندات دولية خلال الفترة القادمة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.

تدني معدلات الاستثمار

الاستثمار هو عصب التنمية، وحسب بيانات التقرير المالي لوزارة المالية لنوفمبر/تشرين الثاني 2016، فإن معدل الاستثمار الكلي (عام+خاص) يبلغ 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة لا تفي بإشباع الطلب الكلي، أو استيعاب العاطلين عن العمل، أو الداخلين الجدد لسوق العمل سنويا والمقدر عددهم بنحو 850 ألف فرد، لذلك تعتمد مصر بشكل رئيس على الاستيراد الخارجي لسد احتياجاتها من الغذاء، أو باقي مستلزمات الإنتاج، أو السلع تامة الصنع.

وحتى هذه النسبة الضئيلة من الاستثمار تعتمد بشكل كبير على القروض وليس التمويل الذاتي، فضلا عن مساهمة الاستثمارات الأجنبية، وبدلا من أن توجه الحكومة إيراداتها للاستثمار تجبر على دفع جزء كبير لسداد أعباء الديون من أقساط وفوائد، ففي موازنة مصر لعام 2017/2016 بلغت الفوائد على الدين العام نحو ثلاثمئة مليار جنيه.

وسوف تتجاوز هذه الأعباء حاجز الأربعمئة مليار جنيه في العام المالي 2018/2017 بسبب اتساع رقع الديون المحلية والخارجية، مما يعمل على أن تستغرق عوائد الضرائب بالكامل لسداد فوائد الديون فقط، فالعوائد الضريبية في موازنة 2017/2016 قدرت بـ433 مليار جنيه، وإذا كانت خدمة الديون من فوائد فقط سوف تستوعب قرابة كامل العوائد الضريبية فمن أين ستقوم الدولة بتمويل الاستثمارات الحكومية، أو زيادة الإنفاق على التعليم والصحة؟

ولا بديل أمام الحكومة سوى الدخول في حلقة مفرغة من المديونية، وهو ما يبرهن عليه الواقع، حيث صرح محافظ البنك المركزي بأن قرضي البنك الدولي والبنك الأفريقي في ديسمبر/كانون الأول 2016 بقيمة 1.5 مليار دولار لن يضافا إلى احتياطي النقد، ولكن سيستخدمان لسداد التزامات قروض قديمة وكذلك الوفاء ببعض الاحتياجات من الوقود والسلع التموينية.

قروض بلا تنمية

يذهب الاقتصاديون إلى أن الديون أيا كان مصدرها لا ينبغي أن توجه لغير مجالات الاستثمار، وأن يفرض على المشروعات المستفيدة منها الالتزام بسدادها، وأن تحقق عائدا اقتصاديا واجتماعيا إيجابيا، ولكن الواقع في مصر مختلف تماما، فعلى الرغم من قفز الدين العام على مدار الثلاث سنوات الماضية بنحو الضعف فإن الواقع المعيش اقتصاديا شديد السلبية، فمعدلات التضخم في زيادة مستمرة، وكذلك البطالة والفقر، وزيادة الواردات وتراجع الصادرات.

فبيانات البنك المركزي تبين أن الدين المحلي ارتفع منذ انقلاب يوليو 2013 بنحو 1.23 تريليون جنيه، كما زاد الدين الخارجي خلال نفس الفترة بنحو 16.9 مليار دولار، ويتوقع بشكل كبير أن يقفز الدين العام بمعدلات أكبر في الفترة القادمة، ومع هذه الزيادة في الدين العام ارتفع معدل التضخم حسب الأرقام الرسمية إلى 14% مقارنة بـ6.7% قبل الانقلاب العسكري، كما ارتفع معدل الفقر من 26% إلى نحو 30%، ولا يزال معدل البطالة أعلى من 13%.

ومما يكرس لتعويق الدين العام للتنمية في مصر أن أدوات الرقابة على هذه الديون شبه معدومة، فضلا عن أن بعض الديون أتت من خلال ضغوط خارجية كما فعل صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بإلزام الحكومة بتدبير ستة مليارات دولار حتى تستوفي شروط الموافقة على منحها القرض، ومن خلال واقع الديون في مصر يصبح الحديث عن تحقيق تنمية حاليا أو مستقبليا نوعا من الخيال لا تبرهن عليه حقائق ولا تعكسه شواهد من حياة الناس.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا