صندوق ثروة سيادية: ضمان استراتيجي قبل نضوب النفط
إيهاب علي النواب
2017-03-27 07:52
صناديق الثروة السيادية هي صناديق استثمارية تملكها الدول ولكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية وتأتي أغلب مواردها من إيرادات المواد الأولية وعلى رأسها النفط، والهدف هو إدارة واستثمار جزء من الفوائض المالية للدولة وفق خطة تجارية ربحية في عمليات استثمارية ذات أمد طويل خارج دول المنشأ، وقد فاقت قيمة أصول الصناديق السيادية أربعة تريليونات دولار في عام 2013، وانتقل عدد هذه الصناديق من ثلاثة فقط في عام 1969 إلى 22 في 1999 إلى 44 في عام 2008، لتناهز في عام 2014 قرابة 82 صندوقا.
وتتنوع المجالات التي تستثمر فيها هذه الصناديق، ومن أبرزها العقار وصناديق التحوط وصناديق الاستثمار في الأسواق المالية والسندات والأسهم والعقود الآجلة والمواد الأولية.
وبعد أن كانت الصناديق السيادية حكرا ذات يوم على الدول الغنية المصدرة للنفط أو تلك التي تتمتع بفائض تجاري مثل الكويت والنرويج وسنغافورة تنشأ سلالة جديدة لم تكن متوقعة من الصناديق في دول تعاني من عجز كبير وديون ضخمة، وفي العادة تتمتع صناديق الثروة السيادية، التي نشأت للمرة الأولى في الخمسينيات، بقوة مالية ضخمة، وتتحكم الصناديق في نحو 6.5 تريليون دولار وفقا لبيانات شركة بريكين للأبحاث وقد أحدث تحولا في المشهد الاقتصادي العالمي عبر شراء الحصص في الشركات متعددة الجنسيات والعقارات الشهيرة في مدن شتى من لندن إلى ملبورن.
وتعكف تركيا ورومانيا والهند وبنجلادش على تدشين صناديق سيادية لكن لأسباب تختلف كثيرا عن المألوف وبآليات مختلفة تماما، اذ جرت العادة أن تستخدم الدول الغنية صناديق الثروة السيادية لاستثمار فوائضها البالغة مليارات الدولارات في الخارج لمنع حدوث تضخم في الداخل وتنويع مصادر الدخل وجمع مدخرات تحسبا لليوم الذي تنفد فيه عوائد السلع الأولية، وفي تناقض صارخ فإن الدول التي تدشن الصناديق الجديدة، وهي مثقلة بعجز كبير في ميزان المعاملات الجارية أو ديون خارجية، تستخدمها كأداة لتحريك اقتصادها في مواجهة تباطؤ عالمي وانخفاض حجم التجارة. وبدلا من ضخ الأموال في الخارج فإن الخطة هي جذب التمويل من الخارج واستثماره في الداخل لتحفيز النمو.
وذكر إليوت هنتوف رئيس بحوث المؤسسات الرسمية لدي شركة اس.اس.جي.ايه لإدارة الأصول صندوق الثروة السيادية مصطلح يستخدم على نحو فضفاض للغاية في وصف بعض تلك الكيانات الجديدة، إنها أشبه بالشركات السيادية القابضة، إنهم بحاجة للتحرك - إنهم بحاجة إلى استثمار مشترك مع القطاع الخاص كي يعملوا، وهناك فوائد ومخاطر محتملة لهذه الإستراتيجية والوقت وحده كفيل بأن يظهر مدي فاعليتها، يتمثل أحد مزايا تملك صندوق ثروة سيادي في أنه يفتح الباب للاتحادات القطاعية وشبكات النظراء التي توفر المشورة والاتصالات وهي الشيء الأهم في عالم الاستثمار.
صناديق الثروة السيادية سحبت 38 مليار دولار من الأسواق العالمية في 2016
أظهرت بيانات من شركة إي فستمنت للأبحاث يوم الاثنين أن صناديق الثروة السيادية العالمية سحبت 38 مليار دولار من استثماراتها في أسواق الأسهم والسندات العالمية في 2016 لكن تدفقات الربع الأخير من العام الماضي أظهرت تباطؤا في وتيرة تسييل هذه الاستثمارات.
وتعرضت صناديق الثروة السيادية المدعومة بعائدات النفط لضغوط منذ هوت أسعار النفط من مستويات مرتفعة بلغت 115 دولار للبرميل في منتصف 2014 ليمثل عام 2016 السنة الثالثة التي يفوق فيها صافي مبيعات الصناديق مشترياتها.
لكن عمليات تسييل الصناديق السيادية استثماراتها في الأسهم والسندات عبر مديري الصناديق تباطأت على أساس سنوي لتنخفض من مستواها المسجل في 2015 البالغ 45.7 مليار دولار. وقالت إي فستمنت إن معدل البيع انخفض بوتيرة مطردة على مدى عام 2016 مع وصول عمليات البيع في الربع الأخير من العام الماضي إلى 4.9 مليار دولار انخفاضا من قراءة معدلة بلغت 7.2 مليار دولار في الربع الثالث.
وربما يتصل هذا بتعافي أسعار النفط من مستويات منخفضة بلغت 27 دولارا للبرميل في يناير كانون الثاني 2016 إلى نحو 57 دولارا للبرميل في ديسمبر كانون الأول بعد توصل منتجي النفط إلى اتفاق لخفض الإنتاج، وسلط بيتر لوريلي رئيس الأبحاث لدي إي فستمنت - التي تجمع بيانات من 4400 شركة تدير أموالا بالنيابة عن مؤسسات استثمارية - الضوء على الارتباط بين أسعار النفط والتدفقات، مبيناً أنه إذا تطلعت إلى الوقت الذي بدأت فيه أسعار النفط في الهبوط في 2014 بجانب الزيادة في قوة الدولار الأمريكي هذه اللحظة تتزامن بشكل وثيق للغاية مع تحول تدفقات صناديق الثروة السيادية إلى مديري المؤسسات الخارجية من الأداء الإيجابي إلى السلبي.
وارتفعت عمليات تسييل استثمارات الأسهم والسندات إلى مستوى ذروة في الربع الثالث من 2015 لتبلغ 20.1 مليار دولار لكن لم تُسجل أي تدفقات صافية داخلة منذ الربع الثاني من 2014، وفقدت صناديق الاستثمار في أسهم الأسواق الناشئة 1.4 مليار دولار، وارتفعت أسواق الأسهم الأمريكية والأسواق العالمية إلى مستويات قياسية منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لكن لوريلي بين إن قرارات تسييل الأصول لم تكن ذات طبيعة قصيرة الأجل، وتحولت صناديق الاستثمار في أدوات الدخل الثابت والتي جذبت في المجمل صافي تدفقات بقيمة 2.5 مليار دولار في الربع الثالث إلى تسجيل صافي تدفقات خارجية بقيمة 13.5 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي.
البنك الأوروبي يبحث استثمارات مشتركة مع صناديق سيادية خليجية
ذكر رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن البنك يجري محادثات مع صناديق ثروة سيادية في الخليج من أجل استثمارات مشتركة ويأمل أن يكمل جولة لجمع التمويل اللازم لهذه الاستثمارات بحلول نهاية العام الحالي، ويقدم البنك الذي تملكه 65 دولة مساعدات للاقتصادات من خلال إقراض الشركات والمشروعات والحصول على حصص فيها. وفي السنوات الأخيرة توسع البنك في أنشطته خارج شرق أوروبا وعقب انتفاضات الربيع العربي في 2011 بدأ العمل في مصر والأردن والمغرب وتونس، وصرح سوما شاكرابارتي رئيس البنك أنه يسعى لإقناع صناديق الثروة السيادية في الخليج بان مشروعات البنك تدر عائدا تجاريا جيدا فضلا عن أن مثل هذه الاستثمارات منطقية في ضوء العلاقات السياسية والتجارية المتنامية مع الدول الأعضاء بالبنك في شرق أوروبا وجورجيا.
وامتنع شاكرابارتي عن تحديد الصناديق ولكنه ذكر أنها في مرحلة الفحص النافي للجهالة لنموذج عمل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وعدد من صناديق الثروة السيادية في الخليج بين الأكبر في العالم وتقدر أصولها بمئات المليارات من الدولارات، وتبحث الصناديق الخليجية عن سبل لتعزيز إيراداتها في ظل ضغوط أسعار النفط المنخفضة على الأوضاع المالية لحكومات الخليج والتي تقلص التدفقات المالية الجديدة على تلك الصناديق من مبيعات الخام.
ويستثمر بعض هذه الصناديق بشكل غير مباشر في مشروعات مشتركة مع مؤسسات متعددة الأطراف. وقد وافقت أسما كابيتال البحرين على شراء حصة في أنشطة المياه التابعة لشركة المرافق الإماراتية يوتيكو في صفقة بقيمة 147 مليون دولار. وأسما مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي والبنك الإسلامي للتنمية.
وجرى تدشين الصندوق العام الماضي برأس مال مبدئي 350 مليون يورو ويستثمر فيه بصفة أساسية مصلحة الدولة للنقد الأجنبي في الصين وصندوق النفط الحكومي في أذربيجان، وتابع أن البنك يأمل باستكمال إغلاق ثان للصندوق في وقت لاحق من هذا العام مضيفا أن الصناديق السيادية قد تختار الاستثمار بشكل مباشر في مشروعات مع البنك، وحتى الآن استثمر البنك خمسة مليارات يورو في مصر والأردن والمغرب وتونس، ويعتزم البنك التوسع في أنشطته في لبنان بعد موافقة البرلمان بشكل نهائي على عضوية البلد في البنك.
في الوقت نفسه دمجت حكومة أبوظبي اثنين من أكبر صناديقها الحكومية لتنشئ كيانا عملاقا يبلغ إجمالي أصوله نحو 125 مليار دولار وذلك بغية ترسيخ مكانتها المالية في فترة تشهد هبوط أسعار النفط، وتأسس الصندوق الجديد "مبادلة للاستثمار" من خلال دمج شركة المبادلة للتنمية وشركة الاستثمارات البترولية الدولية (آيبيك) التي تمتلك حصصا في صناعة الطاقة وقطاعات أخرى حول العالم، وستبلغ أصول الشركة الجديدة نحو 125 مليار دولار على أساس التقييمات في نهاية 2015 لتحتل المركز الرابع عشر بين أكبر الصناديق السيادية حول العالم بحسب بيانات معهد صناديق الثروة السيادية الذي يرصد القطاع.
تراجع أرباح صندوق الثروة السيادي النرويجي بعد استبعاد شركات
أفاد صندوق الثروة السيادي النرويجي إن أرباحه تراجعت بسبب التخارج من استثمارات على مدار السنوات العشر الأخيرة لاعتبارات أخلاقية، والصندوق النرويجي أكبر صندوق سيادي في العالم بحجم يصل إلى 915 مليار دولار، ويستثمر الصندوق، الذي يستمد أمواله من إيرادات إنتاج النفط والغاز بالنرويج، في نحو تسعة آلاف شركة في أنحاء العالم، ويحظر القانون استثمار الصندوق في شركات تنتج أسلحة نووية أو ألغام أرضية أو متورطة في انتهاكات خطيرة وممنهجة لحقوق الإنسان إضافة إلى بعض المعايير الأخرى، وذكر تقرير نشره الصندوق إنه حقق عائدا أقل بواقع 1.11 نقطة مئوية خلال الفترة بين عامي 2006 و2016 نتيجة استبعاد شركات لاعتبارات أخلاقية، وبين الرئيس التنفيذي للصندوق انجفي شلينجستا إن الخسارة بلغت 12 مليار كرونة (1.42 مليار دولار) خلال السنوات العشر مضيفا أنه لا يريد السماح للصندوق بالاستثمار مجددا في تلك الشركات، وقد جرى استبعاد نحو 65 شركة لاعتبارات أخلاقية بناء على توصية مجلس الأخلاقيات في الصندوق، كما استبعد الصندوق 69 شركة أخرى مباشرة بسبب اعتمادها على استخدام الفحم الحراري.
وكانت الخسارة الأكبر بواقع 1.16 نقطة مئوية نتيجة عدم الاستثمار في الشركات المنتجة للتبغ يعقبها الشركات المصنعة لأسلحة معينة مثل الأسلحة النووية والذخائر العنقودية والألغام المضادة للأفراد، غير أن التقرير أشار إلى أنه كان هناك ارتفاعا في بعض أنواع الاستثمارات. فعن طريق التخارج من شركات تلحق أضرارا بالغة بالبيئة، منها على سبيل المثال شركات التنقيب عن الفحم والتي تدمر الغابات المطيرة، حقق الصندوق زيادة 0.78 نقطة مئوية في الأرباح عما كان لو واصل الاستثمار في هذه الشركات.
صناديق ثروة أفريقية تريد شركاء أجانب لسد فجوة البنية التحتية
تتكئ أفريقيا المعروفة بحاجتها إلى طرق وموانئ ومحطات كهرباء جديدة بشكل متزايد على صناديق الاستثمار السيادية الخاصة بها لسد العجز في بنيتها التحتية، وتعرض هذه الصناديق التي تقدر بريكين للبحوث قيمتها بنحو 150 مليار دولار فرصا استثمارية مشتركة وضمانات لجذب الأموال الأجنبية وتحاول أيضا الاعتماد على إمكانياتها الخاصة.
لكن المشكلة كبيرة. فهناك نحو 600 مليون أفريقي أو نصف سكان القارة السمراء يفتقدون إمدادات يعول عليها من الكهرباء بحسب مناقشات جرت في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، وفي الوقت نفسه تشير تقديرات ماكينزي للاستشارات إلى أن الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية في أفريقيا ضعيفة جدا وتحتاج إلى مضاعفة حجمها لتصل إلى 150 مليار دولار سنويا، وبينما يصطف المستثمرون من أنحاء العالم لتمويل الإصلاحات المزمعة في النقل والطاقة بالغرب فإنهم يتجاهلون بشكل كبير أفريقيا التي مازالت منطقة مقصورة على وكالات التنمية والصناديق الخاصة.
ومازالت أفريقيا تشكل في نظر بعض الدوائر استثمارا صعبا نظرا للفساد والحروب والمخاطر السياسية، والآن تسعى صناديق الثروة السيادية الأفريقية إلى تغيير هذا المفهوم والبدء في تنفيذ المشروعات بنفسها. وعلى سبيل المثال يسعى صندوق الاستثمار السيادي المغربي إثمار كابيتال لجمع مليار إلى ملياري دولار من متخصصين في البنية التحتية وصناديق سيادية أخرى لصندوقه الاستثماري للنمو الأخضر في أفريقيا الذي سيركز على مشروعات المياه والطاقة النظيفة ويشارك في رعايته البنك الدولي.
ويرى مديرو صناديق إن التحدي الأكبر قد لا يتمثل في جمع الأموال وإنما في إيجاد مشروعات جاذبة للاستثمار، فشراكة القطاعين العام والخاص بين الوكالات الحكومية والشركات الخاصة غير مستغلة ولم تشكل سوى 4.5 بالمئة من مشروعات البنية التحتية الأفريقية من حيث القيمة بين عامي 2000 و2014 بحسب تقديرات ماكينزي.
وعلى سبيل المقارنة تبلغ النسبة نحو 8.6 بالمئة في مجموعة من الأسواق الناشئة، لكن هناك بعض الأمثلة على صناديق سيادية تسعى في هذا الاتجاه مثل صندوق الثروة السيادية الأنجولي الذي تعهد بتقديم 180 مليون دولار لمشروع ميناء جديد في المياه العميقة بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
مسار الصناديق السيادية
فقد ممانعة صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاشتراك في إدارة محافظ استثماراتها في الخارج هي بعض إرث سياسة “تدابير الحماية الاستثمارية” منذ زمن مبادئ سانتياجو. لكن، في عالَم اليوم، على المستثمرين تغيير أساليبهم والتعامل بفعالية أكبر مع الشركات، في الداخل والخارج على حد سواء. وإلا فقد يواجهون أزمات خطيرة مالية وأخرى متعلقة بالسمعة، مثل الخسائر التي تكبدتها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت في أعقاب فضيحة انبعاث الغاز من سيارات فولكس فاجن عام 2015. وتتجلى أهمية التعامل بفعالية أكبر مع الشركات أيضا في شروط الاستحواذ الأخيرة، مثل شراء صندوق الاستثمار الفلسطيني لحصة في شركة أوبر، الأمر الذي منح الصندوق حق ترشيح عضو مجلس إدارة لتمثيل مصالحه.
وتتعلق المسئولية الأكثر إلحاحا الملقاة على عاتق صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط بالشركات المحلية، خاصة وأن معظم هيئات الاستثمار الأخرى في هذه الأسواق غير نشطة هي الأخرى حين يتعلق الأمر بحوكمة الشركات. وبوصفها من أكبر المستثمرين في الأسهم العامة في المنطقة، ينبغي تشجيع صناديق الثروة السيادية على تحمل مسئولية أكبر عن استثماراتها. وفي الواقع، تتمثل الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لصناديق الثروة السيادية حماية الثروة للأجيال القادمة ــ وتحقيق الهدف الذي قامت من أجله ــ في مشاركتها بشكل فعّال في حوكمة الشركات.