تحديات الاقتصاد التونسي في 2017
إيهاب علي النواب
2017-03-05 07:54
ذكر خبير في الامم المتحدة ان على الحكومة التونسية ان تتصدى بمساعدة صندوق النقد الدولي للزيادة المقلقة للعجز دون ان تكرر "اخطاء" حقبة بن علي، في بلد تهدد فيه الازمة الاقتصادية والاجتماعية المكتسبات الديموقراطية، فبعد ست سنوات على سقوط نظام زين العابدين بن علي، لم تنجح تونس في انهاض اقتصادها، ولم تزد نسبة النمو فيها عن 1% في 2016، وفي هذا الاطار اضطرت تونس لابرام العام الماضي خطة مساعدة جديدة مع صندوق النقد الدولي بقيمة 2,9 مليار دولار تنص على تطبيق اصلاحات.
وأضاف الخبير في الامم المتحدة خوان بابلو بوهوسلافسكي في ختام مهمة في البلاد ان مستوى الدين العام بلغ حدا مقلقا، بحسب صندوق النقد تخطى ال60% من اجمالي الناتج الداخلي ويتوقع ان يتجاوز ال70% في 2017، وان على السلطات والجهات المانحة ان تحاذر اتخاذ "تدابير تقشف تؤثر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبحسب الخبير فان هذا الخطأ سبق وان ارتكب في الماضي في ظل نظام بن علي ما ادى الى ثورة 2011.
تراجع كبير في النشاط السياحي
خفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني الجمعة علامة تونس درجة واحدة، مشيرة الى انخفاض السياحة وتباطؤ الاستثمارات، وخفضت "فيتش" درجة تونس من "بي بي سلبي" الى "بي ايجابي" وابقت الآفاق مستقرة، وأفادت الوكالة ان تراجع السياحة في اجواء من المخاطر المرتفعة للامن وتباطؤ الاستثمارات مع تغييرات متكررة للحكومة وفصول من الاضراب، عوامل اضعفت النمو والآفاق الاقتصادية، وقدرت الوكالة الانتعاش الاقتصادي في تونس ب1,2 بالمئة فقط في 2016، مقابل معدل 4,5 بالمئة قبل الثورة في البلاد في 2011 وحوالى 4 بالمئة للدول المصنفة بالدرجة نفسها.
واشارت الى ان دخول السياح واصل تباطؤه لكن بوتيرة اضعف، وتراجع بنسبة 8 بالمئة في على مدى 12 شهرا، بعد انخفاض نسبته 38 بالمئة في الفصل الاول من 2016، وتتوقع "فيتش" ان تبلغ نسبة نمو اجمالي الناتج الداخلي لتونس 2,3 بالمئة في 2017 و2,5 بالمئة في 2018، كما بلغ العجز في اجمالي الناتج الداخلي 6,4 بالمئة في 2016، وبينت الوكالة التي اوضحت ان تونس ستحتاج في 2017 للاقتراض في الاسواق الاجنبية ما يعادل 7 بالمئة من اجمالي ناتجها الداخلي لتسديد مستحقاتها وتغطية احتياجات ميزانيتها، لكن اعتبار الافق مستقرة يستند الى عناصر ايجابية مثل التقدم في الاصلاحات وخصوصا في القطاع المصرفي، والالتزام ببرنامج دعم لمدة اربع سنوات لصندوق النقد الدولي.
تونس تحتاج 2.85 مليار دولار تمويلا خارجيا هذا العام
صرحت وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي إن بلادها تحتاج نحو 2.85 مليار دولار تمويلا خارجيا هذا العام وتخطط لإصدار صكوك بقيمة تبلغ نحو 500 مليون دولار في 2017 للمساعدة في تغطية العجز، كما أكدت الزريبي أن تونس تخطط لبيع سندات دولية بقيمة مليار يورو وبدء جولة ترويج للإصدار مضيفة أن تونس قد تطرح المزيد من الإصدارات بناء على احتياجات التمويل الخارجي هذا العام، وبينت الزريبي على هامش عرض توضيحي حكومي حول التنمية إن خطة بلادها هذا العام تهدف إلى إصدار بقيمة 500 مليون دولار لتنويع مصادرها وتغطية العجز في 2017 في إشارة إلى إصدار الصكوك.
وهذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها الحكومة عن تفاصيل حول خطة إصدار صكوك، وذكرت الوزيرة إن تونس ستطرح سندات بمليار يورو في السوق الأوروبية وستبدأ الترويج للإصدار في الخامس من فبراير شباط مؤكدة التقارير السابقة حول خطة السندات الدولية المبدئية، وأضافت أنه إذا لم تتمكن الحكومة من تغطية احتياجات التمويل الخارجي البالغة قيمتها 6.5 مليار دينار (2.85 مليار دولار) فستلجأ لأسواق المال من جديد من دون شك هذا العام، وتعاني تونس منذ انتفاضة 2011 التي أدت إلى التحول إلى الديموقراطية من أجل تنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تقليص الإنفاق العام والمساعدة في خلق فرص عمل في الوقت الذي تضرر فيه قطاع السياحة جراء هجومين مسلحين كبيرين وقعا في 2015. والسياحة مصدر مهم للدخل في تونس، في حين صرح مصدر حكومي إن تونس ستبدأ بالفعل حملة ترويج لسندات دولية بمليار يورو، وأضاف أن الحكومة قد تتوجه بعد ذلك لأسواق المال لطرح إصدارين إضافيين بقيمة إجمالية ملياري يورو لكن لم يتحدد ما إذا كان الإصداران بالدولار أم باليورو.
كما صرحت وزيرة المالية إن الحكومة تدرس إمكانية بيع جزء من حصصها في ثلاثة بنوك عامة خلال 2017 في إطار خطط لإصلاح القطاع المصرفي يطالب بها صندوق النقد الدولي الذي أجل دفع الشريحة الثانية من قرض مخصص لتونس بسبب تباطؤ وتيرة الإصلاحات، حيث تواجه تونس ضغوطا من المقرضين الدوليين وفي مقدمتهم صندوق النقد الذي وافق العام الماضي على إقراض تونس 2.8 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات في عديد من القطاعات.
تسريح اختياري لأكثر من 50 ألف موظف بالقطاع العام
صرح وزير الوظيفة العمومية في تونس إن بلاده تستهدف التسريح الاختياري لأكثر من 50 ألف موظف بالقطاع العام في إطار إصلاحات رئيسية لخفض كتلة الاجور المرتفعة بدءا من هذا العام، وان معدل كتلة الأجور في تونس البالغ حوالي 13.5 بالمئة من أعلى المعدلات في العالم، ويطالب المقرضون بخفض كتلة الأجور كإصلاح رئيسي وتعي حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد أهمية هذه الخطوة لخفض العجز في الميزانية.
وبين عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة أن هدفنا هو مغادرة حتى أكثر من خمسين ألف موظف في الوظيفة العمومية بشكل طوعي بدءا من 2017 بهدف خفض كتلة الأجور المرتفعة وهي من الإصلاحات التي نعي نحن في الحكومة جيدا أهميتها على ميزانية تونس، ولم تحدد الحكومة حتى الآن كلفة التسريح الطوعي المتوقع لآلاف الموظفين ولكن البريكي ذكر إن هذا سيكون جاهزا خلال الربع الأول من 2017، وأضاف نحن في الحكومة واعون تماما بأن العبء أصبح كبيرا جدا على ميزانية الدولة بسبب ارتفاع كتلة الأجور وأعداد الموظفين في الوظيفة العمومية والبالغ الآن حوالي 650 ألفا تقريبا.
وإن الحكومة ستحث الموظفين على المغادرة الطوعية بعرض حوافز من بينها حصولهم على رواتب لمدة سنتين ومساعدتهم في الحصول على قروض لدى البنوك لتأسسيس مشاريع خاصة، وكشف عن أن هناك تعهدا من مقرضين دوليين بمساعدة تونس في تمويل كلفة هذا الإصلاح الذي وصفه بأنه "ضروري ولم يعد يحتمل التأخير"، مضيفا أنه يندرج ضمن حزمة إصلاحات اخرى يتعين الإسراع بها لإنقاذ الموازنة في تونس.
وصرح مصدر حكومي إن تونس ستبدأ جولة ترويجية لسندات دولية قيمتها مليار يورو في الخامس من فبراير شباط على أن تحدد السعر فيوقت لاحق بنسبة فائدة ما بين خمسة إلى ستة بالمئة، وكشف البريكي عن أن الحكومة تخطط لاطلاق إصلاحات أخرى من بينها حث الموظفين على التقاعد المبكر قبل ثلاث سنوات من آجال التقاعد المحددة في تونس بستين عام، وأضاف ان هذا يندرج في إطار تخفيف العبء أيضا على القطاع العام، مضيفا أنه يأمل بتراجع عدد الموظفين بحلول عام 2020 إلى حوالي 450 ألفا نزولا من حوالي 650 ألفا الآن.
المصادقة على ميزانية 2017 المثيرة للجدل
صادق البرلمان التونسي على ميزانية عام 2017 التي أثارت جدلا واسعا بقيمة 32.7 مليار دينار (14.1 مليار دولار) متضمنة إجراءات لتقليص العجز تم تخفيفها بناء على ضغوط من نقابات، ومن مجموع 217 نائبا صوت 122 نائبا بالموافقة على ميزانية البلاد للعام المقبل. كان البرلمان قد حذف مقترحين للحكومة يتعلقان بفرض ضرائب تخص المحاميين وزيادة الرسوم على أصحاب الصيدليات في انتكاسة لجهود الحكومة لتنفيذ إصلاحات يطالب بها مقرضون.
كما تراجعت الحكومة أثناء مناقشة الميزانية عن مقترح هام يؤكد على تجميد الزيادات في الأجور وتوصلت لاتفاق مع اتحاد الشغل يقضي بتقسيط الزيادة المقررة العام المقبل على عامي 2017 و2018، وعقب التصويت وضح رئيس الوزراء يوسف الشاهد إن قانون المالية الجديد سيكون له انعكاس ايجابي على المالية العمومية العام المقبل.
وتتوقع الميزانية نمو الاقتصاد بمعدل 2.5 بالمئة وخفض العجز الى 5.4 بالئمة هبوطا من نحو 6.5 متوقعة في نهاية هذا العام، وأضاف الشاهد أن المصادقة على الميزانية جاءت بعد توافقات مع اتحاد الشغل والمحامين وأن الحكومة تفادت الصدام رغم أنها مررت العديد من القوانين المهمة في هذا المجال، وأن من بين القوانين المهمة هو مراجعة جدول مدفوعات الضرائب للموظفين ليكون أكثر عدلا مضيفا أن هذا الجدول لم يراجع منذ1989.
وتجمع مئات العاطلين والمهمشين أمام مقر البرلمان بينما كان النواب يناقشون الميزانية ورفعوا لافتات تطالب بالتنمية وإيجاد فرص عمل، وميزانية العام المقبل من أكثر الميزانيات المثيرة للجدل في تاريخ البلاد لتضمنها عددا من الإجراءات التي لاقت معارضة من النقابات، وتحت ضغط المقرضين الدوليين اقترح رئيس الوزراء الشاهد ضمن الميزانية حزمة إجراءات من بينها تجميد أجور الموظفين وسن ضرائب جديدة للمحامين ورفع الرسوم على بعض الأدوية. لكن البرلمان رفض كل هذه الإصلاحات.
واقر البرلمان إجراءات أخرى من بينها إخضاع كل المهن الحرة من بينها الأطباء والمهندسين والمحامين لنظام لتحصيل الضرائب يجبرها على إظهار رقم ضريبي على كل الوثائق الرسمية ليسهل تتبع دخولهم والتصدي للتهرب الضريبي، وتوقع الشاهد أن يكون العام المقبل عاما للانطلاق الاقتصادي في تونس بعد ركود استمر منذ انتفاضة 2011 التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ذكر خبراء اقتصاديون إن عام 2017 سيكون صعبا للغاية على الاقتصاد التونسي؛ بسبب ستة عوامل داخلية وخارجية ستخلف سلسلة من التداعيات، رغم الأمل الذي بعثه مؤتمر الاستثمار "تونس 2020"، وتلك العوامل، هي: عدم استقرارا الوضع الاجتماعي، والتهديدات الإرهابية، وصورة تونس في الخارج، إضافة إلى بعض إجراءات قانون المالية، والتراجع المتوقع في قيمة الدينار أمام الدولار، فضلا عن وصول الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة في واشنطن.
لكن الخبراء اعتبروا أن هناك نقطتان إيجابيتان تبعثان على التفاؤل في 2017، وهما الاستقرار الحكومي، والتحسن الطفيف على مستوى عودة الاستثمار الخاص، فيما دعا احد الخبراء الآخر الحكومة إلى إتخاذ إجراءات استباقية لحماية الاقتصادي التونسي الهش.