الاقتصاد السعودي وفشل الحكومة في احتواء الأزمة
إيهاب علي النواب
2017-02-27 08:46
لاشك أن هبوط أسعار النفط بهذا الشكل المفاجىء سبب صدمة سعرية كبيرة انعكست بشكل كبير على الاقتصادات الريعية فيما يتعلق بمسألة الايرادات المتحققة من تصدير النفط، مما أثر وبشكل سلبي على واقع الموازنات العامة لهذه الاقتصادات والتي ظهر ولأول مرة العجز وبشكل حقيقي وكبير، وعلى الرغم من التحسن الواضح في أسعار النفط، الا أن الطريق مازال شاق وطويل من أجل تعود تلك الاقتصاد الى وضع الفائض في الموازنة وقد لاتعود أصلاً، وبالنسبة للسعودية التي تعد أكبر مصدر نفطي في العالم.
فقد ذكرت مؤسسة ايه.بي برنشتاين إن ارتفاع أسعار النفط من مستوى يقل عن 50 دولارا للبرميل إلى ما يزيد عن 55 دولارا بفعل خفض الإنتاج الذي تقوده منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) غير كاف لتحقيق التعادل (دون تسجيل عجز أو تحقيق فائض) في موازنة السعودية أكبر دول المنظمة، وأضافت المؤسسة "في 2016 عانت السعودية من عجز في الموازنة بقيمة 79 مليار دولار أو ما يعادل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني حاجة المملكة إلى 75 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في الموازنة في 2017، وفي عام 2020 ستحتاج السعودية إلى ان يصل السعر فوق الـ 80 دولارا للبرميل.
مساعي لإطلاق حملة استثمارات في آسيا
سيبدأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بجولة آسيوية تمتد شهرا لبناء علاقات مع مستوردي النفط السعودي الأسرع نموا وتعزيز فرص الاستثمار التي تشمل بيع حصة في شركة أرامكو النفطية الحكومية العملاقة، ومن المتوقع أن يزور الملك سلمان الذي يشرف على خطة إصلاح اقتصادي طموحة منذ توليه الحكم قبل عامين كلا من ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين، وفي مؤشر على الأهمية التي توليها المملكة لتقوية العلاقات الاقتصادية مع آسيا يقول مسؤولون إندونيسيون إن الملك سلمان سيرافقه وفد من 1500 شخص من بينهم عشرة وزراء.
ويحرص المسؤولون السعوديون على التقارب مع المستثمرين الآسيويين من أجل بيع حصة في أرامكو تبلغ خمسة بالمئة في 2018 في طرح عام أولي من المتوقع أن يكون الأكبر في العالم وسعوا للحصول على مشورة مالية من بنوك ترتبط بالصين، ومن المتوقع أن تضطلع البنوك والشركات الآسيوية بأدوار رئيسية في خطط المملكة لتطوير قطاعها غير النفطي وزيادة استثماراتها العالمية وجميعها جزء من محاولات السعودية عملاق تصدير الخام لتقليص اعتمادها على إيرادات النفط.
ووقعت المملكة اتفاقيات مبدئية مع الصين غطت مجالات مختلفة بداية من بناء مساكن في السعودية ووصولا إلى مشروعات المياه وتخزين النفط خلال زيارة قام بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يقود خطة الإصلاح الاقتصادي، كما وافقت السعودية على استثمار ما يصل إلى 45 مليار دولار في صندوق استثمار بقطاع التكنولوجيا مع مجموعة سوفت بنك اليابانية، وبينما تمضي المملكة قدما في جهود تنويع اقتصادها فإنها تسعى في الوقت ذاته لتقوية مركزها كأكبر مُصدر للنفط في العالم وترسيخ وضعها كمورد رئيسي للخام إلى أسواق آسيا الناشئة.
واستعادت السعودية في موقعها كأكبر مورد للنفط الخام إلى الصين التي تنافس الولايات المتحدة كأكبر مستهلك للنفط في العالم، كما من المتوقع أن توقع أرامكو اتفاقا خلال الزيارة للتعاون مع شركة النفط الحكومية الماليزية بتروناس في مشروعها للتطوير المتكامل للتكرير والبتروكيماويات، وقد صرح أمين عام مجلس الوزراء الإندونيسي برامونو أنونج إن الحكومة تأمل في أن تجلب الزيارة استثمارات سعودية تصل إلى 25 مليار دولار، وتعمل شركة برتامينا للطاقة المملوكة للدولة في جاكرتا مع أرامكو لتحديث أكبر مجمع لتكرير النفط في إندونيسيا وتتطلعان إلى فرص أخرى.
إلغاء مشروعات بقيمة 13.3 مليار دولار في 2017
ذكرت دراسة أجرتها فيثفول جولد أن مشروعات حكومية في السعودية لا تقل قيمتها عن 13.3 مليار دولار تواجه خطر الإلغاء هذا العام بسبب الضغوط المالية وتغير أولويات الحكومة، ومن المتوقع أن تبلغ القيمة الإجمالية لعقود المشروعات التي سيتم ترسيتها في 2017 نحو 27 مليار دولار وربما ترتفع هذه القيمة إلى 32 مليار دولار إذا تم المضي قدما في مشروع مترو مكة الذي كان متوقعا في الأصل أن يتم ترسيته في 2016.
وتشير الأرقام إلى أن قيمة العقود التي تم ترسيتها العام الماضي بلغت 20 مليار دولار مقارنة مع 35.5 مليار دولار في 2015، وتفترض توقعات فيثفول جولد لعام 2017 ترسية مشروع كبير للبنية التحتية "بشكل استثنائي أو بمرسوم ملكي" وفقا لتقرير معلومات البناء الذي أعدته الشركة عن السعودية، ويشير التقرير إلى أن الإنفاق في موازنة الدولة لعام 2017 يتيح مجالا لمشروع جديد كبير في البنية التحتية، وذكر التقرير إن مشروعات خطوط أنابيب قيمتها 820 مليار دولار تخطط لها المملكة على الأجل الطويل قد يتم إلغاء نحو 20 في المئة منها نظرا لبرنامج إعادة ترتيب الأولويات.
وأظهرت بيانات الشركة أن قيمة العقود التي أرستها المملكة تباينت بشكل كبير من عام إلى عام على مدى السنوات الثماني الماضية مع صعود وهبوط الإنفاق الحكومي حيث بلغت ذروتها عند 75.9 مليار دولار في 2011، وفي أعقاب هبوط أسعار النفط اتخذت الحكومة والشركات الخاصة اتجاها أكثر تحفظا بكثير، وإن المخاطر التي تواجه مشروعات الحكومة في الأجل الطويل ربما تقل بإنشاء كيان مزمع للإشراف على المشروعات.
صندوق النقد يخفض توقعاته للنمو إلى 0.4% في 2017
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد السعودية إلى 0.4 في المئة في عام 2017 وذلك مقارنة بتوقعات بنمو يبلغ اثنين في المئة في تقريره السابق، وبين الصندوق في تقرير حول مستجدات "آفاق الاقتصاد العالمي" إن نمو اقتصاد المملكة في العام الجاري سيكون "أضعف مما أشارت إليه التنبؤات السابقة نظرا لتخفيض إنتاج النفط في ظل اتفاقية أوبك الأخيرة."
واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض إنتاج النفط 1.2 مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر لتصل بإنتاجها إلى نحو 32.5 مليون برميل يوميا، وأعلنت المملكة أكبر بلد مصدر للنفط في العالم وأكبر منتجي المنظمة التزامها بتخفيضات أوبك التي تهدف إلى التخلص من تخمة في المعروض العالمي ودعم الأسعار التي تراجعت بوتيرة حادة على مدى عامين تقريبا.
كما خفض الصندوق توقعاته لنمو اقتصاد السعودية في عام 2018 إلى 2.3 في المئة مقارنة مع توقعات بنمو 2.6 في المئة في تقديرات الصندوق، ونما اقتصاد المملكة إحدى أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 4.1 بالمئة في 2015 لينخفض النمو بعد ذلك بوتيرة حادة في 2016 إلى 1.4 في المئة وفقا لتقديرات الصندوق، وتعتمد المملكة بشكل رئيسي على إيرادات النفط والغاز في تمويل موازنتها الحكومية ودشنت خططا للتحول الاقتصادي بعيدا عن الأنشطة الهيدروكربونية في السنوات الأخيرة.
هل يساعد هبوط التضخم في ترويض العجز المتفاقم
يعد هبوط معدل التضخم في السعودية إلى أدنى مستوياته فيما يزيد على عشر سنوات نبأ سارا للمملكة في ظل الجهود التي تبذلها لتقليص العجز الضخم في موازنة الدولة دون عرقلة النمو الاقتصادي، وذكرت الهيئة العامة للإحصاء أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين هبط إلى 1.7% بعد إن كان 2.3%، وعلى أساس شهري كان التضخم سلبيا إذ انخفضت الأسعار 0.5%، ويرجع الانخفاض في جزء كبير منه إلى هبوط أسعار الغذاء بنسبة 4.3% عن مستواها قبل عام، وتستورد المملكة كثيرا من السلع الأساسية والتي انخفضت تكلفتها مع ضعف أسعار الغذاء العالمية وربط الريال السعودي بالدولار الذي ارتفع بقوة على مستوى العالم، ورفعت الرياض الأسعار المحلية للوقود والمرافق في 2015 لخفض عجز الموازنة البالغ 98 مليار دولار والناجم عن هبوط أسعار النفط، ودفع ذلك التضخم للارتفاع إلى نحو ضعفين فيما بعد إلى 4.3% مسجلا أعلى مستوياته منذ 2012 وهو ما أثر سلبا على القوة الشرائية للمستهلكين السعوديين وسبب مزيدا من التباطؤ للاقتصاد.
وهدد ارتفاع التضخم بإثارة ردود فعل سلبية وهو ما جعل الحكومة أكثر حذرا في اتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية، وتشير أحدث البيانات إلى انحسار تلك المخاطر بشكل كبير، ومن العوامل الإيجابية في هذه البيانات أيضا أنها أظهرت مرونة الاقتصاد بما يكفي لاستيعاب زيادة أسعار الوقود والمرافق في 2015 دون أن يمتد الاتجاه الصعودي للتضخم إلى قطاعات أخرى.
وهذا عامل إيجابي للحكومة نظرا لأن الرياض تخطط لجولة جديدة من الزيادات في أسعار الوقود والمرافق في منتصف العام الحالي بعدما تبنت برنامجا لتعويض السعوديين محدودي الدخل عن تأثير ذلك على مستويات معيشتهم، ورغم ذلك لم تتضمن البيانات بعض المسائل التي تشكل بواعث قلق لصانعي السياسات في السعودية، كما إن الهبوط الحاد للتضخم يرجع على ما يبدو لأسباب من بينها أن الشركات السعودية اضطرت لخفض أسعارها حتى تستطيع المنافسة في ظل ضعف الاقتصاد، وربما لا يستطيع القطاع الخاص الذي يعاني من شح السيولة تحمل كلفة الاستثمارات الجديدة التي تريدها الحكومة لخلق وظائف خارج قطاع النفط، وتخطط الرياض أيضا لفرض ضريبة قيمة مضافة بواقع 5% العام القادم بهدف خفض العجز، وبهذا فإن التضخم قد يواصل الانخفاض بوتيرة محدودة في أوائل العام إلا أنه من المرجح أن يرتفع مجددا فوق أربعة في المئة بفعل ضريبة القيمة المضافة.
إن فشل الحكومة في توقع انخفاض اسعار النفط وايجاد البدائل في تعويض النقص في مصادر التمويل رغم ضخامة الاقتصاد السعودي من حيث الناتج المحلي والموازنة العامة، الا أنه لم يكن كافياً لدرء مخاطر الأزمة، لاسيما دخولها في تحالفات عسكرية ضد العديد من دول المنطقة، اذ كانت صحوة التقليل من الاعتماد على النفط متأخرة للغاية، وكان الأجدر بالحكومة وفي ظل الفورة السعرية التي حصلت قبل العام 2014، وفي ظل إستقرار اقتصادي أن تعمل السعودية على تنويع الطاقة الانتاجية لها بشكل أكبر مما هي عليه، وعلى الرغم من وجود طاقة صناعية وانتاجية جيدة في السعودية، الا أنها لاتنتاسب وطبيعة حجم السعودية، لاسيما وأن أغلب التوجهات كانت للشركات العقارية والمالية في تلك الفترة.
ومازالت العديد من القطاعات الاقتصادية فيها مهملة او لاتحظى بذات الاهتمام الذي يحظى به النفط، كالسياحة والتجارة، ولربما هذا يعود لطبيعة المواقف السعودية من الاحداث السياسية الحاصلة في المنطقة والتي في غالبها هي المسؤولة عنها، لاسيما مع مصر والعراق وغيرها، وحتى مع حلفاؤها مثل الولايات المتحدة الاميركية، واذا مابقيت السعودية على هذا النهج السياسي فأن وضعها الاقتصادي قد يتأزم بصورة أكبر، لاسيما وأن حروبها في الخارج لم تحقق ماكانت تسعى له السعودية.