إدارة التوقعات التضخمية

ودورها في مساعدة الاقتصادات على تحقيق هبوط أهدأ

صندوق النقد الدولي

2023-10-09 05:17

بقلم: سيلفيا ألبريزيو, جون بلودورن

تزايد دور التوقعات في دفع ديناميكية التضخم. ويمكن للتحسينات في أطر السياسة النقدية أن توفر ركيزة معلومات أفضل لتوقعات الناس بشأن التضخم ومن ثم تساهم في خفض التضخم بتكلفة أقل على الناتج.

بلغ التضخم حول العالم في العام الماضي أعلى مستوياته على مدار عدة عقود. ورغم تراجع التضخم الكلي على نحو مطرد، فإن مقاييس التضخم الأساسي - التي تستبعد الغذاء والطاقة - تثبت أنها أكثر لزوجة في العديد من الاقتصادات، كما ارتفع نمو الأجور.

وتساهم التوقعات بشأن التضخم في المستقبل بدور رئيسي في دفع عجلة التضخم، نظرا لأن تلك الآراء تؤثر على القرارات المتعلقة بالاستهلاك والاستثمار والتي قد تؤثر بدورها على الأسعار والأجور في الوقت الحالي. وأصبح التوصل للطريقة المثلى لتوفير ركيزة معلومات أفضل لآراء الناس عن التضخم اعتبارا ذا أهمية أكبر في ظل المخاوف التي أثارتها طفرة الأسعار من احتمال ترسخ التضخم.

ويتناول أحد الفصول التحليلية في آخر عدد من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بالبحث كيفية تأثير التوقعات في التضخم والمجال المتاح أمام السياسة النقدية للتأثير على هذه التوقعات بغية تحقيق "هبوط هادئ"، أي السيناريو الذي يقوم من خلاله البنك المركزي بإعادة التضخم إلى مساره المستهدف بدون التسبب في حدوث هبوط عميق في النمو والتوظيف.

دور أكبر لتوقعات التضخم

أظهرت مسوح المتنبئين المحترفين أن توقعات التضخم على مدار الاثني عشر شهرا التالية - أي التوقعات قريبة المدى - بدأت رحلة صعود مطرد في عام 2021 في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة على السواء، ثم تسارعت في العام الماضي مع ازدياد زخم زيادات الأسعار الفعلية. غير أن توقعات التضخم على مدى خمس سنوات في المستقبل ظلت مستقرة، مع ثبات متوسط المستويات السائدة عموما في حدود أهداف البنوك المركزية.

وفي الآونة الأخيرة، تبدو توقعات التضخم على المدى القريب وقد تجاوزت المنعطف الحرج وبدأت في التحول نحو مسار هبوطي تدريجي. وبعيدا عن عالم المتنبئين المحترفين، نرى أن هناك تشابها في أنماط توقعات التضخم على مستوى الشركات، والأفراد، والمستثمرين في الأسواق المالية، في المتوسط.

وتشكل التحركات في التوقعات قريبة المدى أهمية اقتصادية في ديناميكية التضخم. ووفقا لتحليلنا الإحصائي الجديد، نجد أنه بعد بدء انحسار الصدمات التضخمية التي شهدها عام 2021 ومطلع عام 2022 في أواخر العام الماضي، ظلت التوقعات قريبة المدى محتفظة بدورها المتزايد في تفسير التضخم.

وتمثل هذه التوقعات المحرك الرئيسي لديناميكية التضخم في أي اقتصاد متقدم عادي. وبالنسبة لأي اقتصاد عادي ضمن اقتصادات الأسواق الصاعدة، فقد ازدادت أهمية التوقعات، وإن ظلت معلومات التضخم في الفترات السابقة أكثر أهمية، مما يعني أن الناس في هذه الاقتصادات ربما يكونون أكثر اعتمادا على المنظور الخلفي في اكتساب المعلومات المكونة لرؤيتهم. وقد يرجع ذلك جزئيا إلى ازدياد الخبرات المتعلقة بالتضخم وزيادة تقلباتها تاريخيا في كثير من تلك الاقتصادات.

وفي الواقع، نجد أن التضخم في الاقتصادات المتقدمة يرتفع في المعتاد بنحو 0,8 نقطة مئوية مقابل كل زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في التوقعات قريبة المدى بينما لا يتجاوز انتقال الأثر 0,4 نقطة مئوية في اقتصادات الأسواق الصاعدة.

وهناك عامل يمكن أن يفسر هذا الفرق، وهو نسبة مكتسبي المعلومات باستخدام المنظور الخلفي مقابل مكتسبيها باستخدام المنظور الاستشرافي عبر مجموعات الاقتصادات المختلفة. فحين تكون المعلومات عن آفاق التضخم شحيحة وتفتقر إفصاحات البنوك المركزية إلى الوضوح أو المصداقية، يميل الناس إلى تكوين آرائهم بشأن تغيرات الأسعار المستقبلية استنادا إلى خبراتهم الحالية أو السابقة مع التضخم – أي يكونون أكثر اعتمادا على المنظور الخلفي في اكتساب المعلومات المكونة لرؤيتهم.

وعلى العكس من ذلك، فإن الفئة الأكثر اعتمادا على المنظور الاستشرافي تشكل توقعاتها باستخدام مجموعة معلومات أوسع نطاقا يمكن أن تكون مرتبطة بأوضاع الاقتصاد في المستقبل، بما في ذلك إجراءات البنك المركزي وإفصاحاته – أي يكونون أكثر اعتمادا على المنظور الاستشرافي في اكتساب هذه المعلومات.

فروق اكتساب المعلومات وانعكاساتها على السياسات

تنطوي هذه الفروق على تبعات مهمة في البنوك المركزية. وكما يتضح من نماذج المحاكاة المستمدة من نموذج جديد يسمح بالفروق في اكتساب المعلومات وتكوين الآراء بشأن التوقعات، نجد أن تشديد السياسة النقدية ستكون آثاره التخفيفية أقل على التوقعات التضخمية والتضخم في المدى القريب عندما تزداد نسبة مكتسبي معلومات التضخم باستخدام المنظور الخلفي في الاقتصاد.

والسبب في ذلك هو أن مكتسبي معلومات التضخم الأكثر تركيزا على الماضي لا يستوعبون حقيقة أن زيادات أسعار الفائدة في الوقت الحاضر سوف تتسبب في إبطاء التضخم لأنها تؤثر سلبا على مستوى الطلب في الاقتصاد. وبالتالي، فإن زيادة نسبة مكتسبي المعلومات باستخدام المنظور الخلفي تعني أنه يتعين على البنك المركزي تشديد سياسته أكثر للوصول إلى نفس درجة الانخفاض في التضخم. وبعبارة أخرى، تأتي تخفيضات التوقعات التضخمية والتضخم على حساب الناتج بدرجة أكبر عندما ترتفع نسبة مكتسبي المعلومات باستخدام المنظور الخلفي.

تعزيز فعالية السياسات

بإمكان البنوك المركزية تشجيع التوقعات بالاعتماد أكثر على المنظور الاستشرافي من خلال إدخال التحسينات على استقلالية السياسة النقدية وشفافيتها ومصداقيتها وبزيادة الوضوح والفعالية في الإفصاحات. ومثل هذه التغييرات تساعد الناس على تفهم إجراءات سياسة البنك المركزي وآثارها الاقتصادية، مما يعزز نسبة مكتسبي معلومات التضخم في الاقتصاد باستخدام المنظور الاستشرافي.

وتوضح نماذج المحاكاة في النموذج الجديد كيف يمكن أن تساهم التحسينات في أطر السياسة النقدية والإفصاحات في خفض خسائر الناتج اللازم لخفض التضخم والتوقعات التضخمية، مما يجعل البنك المركزي أقدر على تحقيق هبوط هادئ.

وهناك طريقة يمكن أن تستخدمها البنوك المركزية في تحسين إفصاحاتها، وهي بإرسال رسائل بسيطة ومتكررة عن أهدافها وإجراءاتها بحيث تكون مصممة لتتوافق مع طبيعة الجمهور المعني.

غير أن تحسين أطر السياسة النقدية ووضع الاستراتيجيات الجديدة المصممة خصيصا للمساعدة في تحسين ديناميكية التضخم يمكن أن يستغرقا وقتا طويلا أو يتعذر تنفيذهما. وتعد مثل هذه التدخلات مكملة لإجراءات تشديد السياسة النقدية الأقرب إلى الطابع التقليدي والتي ستظل عاملا أساسيا في إعادة التضخم إلى مستواه المستهدف في الوقت المناسب.

https://www.imf.org/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي