ملاحظات حول مشروع طريق التنمية الاستراتيجي
استراتيجية طريق التنمية في العراق ام نظرية هيرشمان في النمو الاقتصادي
د. مظهر محمد صالح
2023-06-01 06:18
حقا ولدت استراتيجية طريق التنمية كنمط من انماط النمو غير المتوازن growth model اليوم في العراق والتي تحدث عنها الاقتصادي الالماني unbalanced العريق هيرشمان-Hirschman Albert O حقا منذ العام 1958 في كتابه الشهير: The Strategy of Economic Development.
اذ يرى الكاتب الاقتصادي المذكور أن استراتيجية النمو غير المتوازن هي الانسب في كسر الحلقة المفرغة للفقر في البلدان النامية. وعلى العكس من نظرية النمو المتوازن balanced growth model تؤكد هذه النظرية غير المتوازنة على الحاجة إلى الاستثمار في قطاعات استراتيجية محددة بدلا من الاستثمار في جميع القطاعات في آن واحد. ووفقًا لهذه النظرية، فإن القطاعات الاخرى ستتطور تلقائياً بمرور الوقت.
ويرى هيرشمان ايضاً أن اختلال التوازن في النظام هو أفضل استراتيجية للنمو في البلدان النامية وذلك نظراً لعدم توافر الموارد الكافية في تلك البلدان، مما يوجب استخدام الموارد القليلة المتاحة بكفاءة لتطوير قطاعات استراتيجية محددة تكون لها الاولوية على قطاعات أخرى سيتم تطويرها بشكل تلقائي مع مرور الزمن، ذلك من خلال فكرة الترابطات الخلفية والامامية للقطاعات القائدة.
على الرغم من انني لم أشرك او اشترك في هذه الاستراتيجية، ولكن اجدها مفيدة حقا لإطلاق التنمية الاقتصادية في بلادنا عبر توليد قطاع استراتيجي قائد leading sector تتوافر فيه حقا تأثيرات الروابط الخلفية والامامية backward and forward linkage بقوة مع قطاعات اخرى، كما افترض ابتداءً في تلك الاستراتيجية التي سوف تخط طريقها بقطاع النقل -ابتداءً من مواني جنوب العراق والمحطات والمدن الصناعية صعودا الى الشمال والغرب.
لذا فان مبادرة طريق التنمية وعلى وفق الصيغة التي أطلقت حاليا من جانب الحكومة العراقية هي انموذج يحاكي مبادرة الحزام والطريق الصينية او غيرها ولكن من دون تحالفات تقتضيها مبادرة الطريق العراقية بالضرورة مع مبادرات الدول العظمى سواء مبادرة الحزام والطريق الصينية 2013 او مبادرة البنى التحتية الاخيرة للاتحاد الاوروبي 2023.
فالتنمية الاقتصادية تتطلب انطلاقة تمثل مقدمة ولادتها مهما كانت الدوافع والتوجهات القطاعية حتى وان كانت شبه ريعية في بداياتها، اذ انطلقت كوريا الجنوبية بمصنع الحديد والصلب الحكومي (بريسكو) في ستينيات القرن الماضي ليمثل الترابطات الخلفية مع سلاسل الصناعة ودوال الانتاج الكورية وكانت شرارة التنمية في تلك البلاد، وكذلك ماليزيا وغيرها من تجارب آسيا في التنمية. فالعراق وجد ضالته في نظرية هيرشمان ليضع النقاط على حروف التنمية الوطنية في بالدنا مجددا من خلال استراتيجية طريق التنمية كبنية تحتية قائدة. ولكن وعلى الرغم من ذلك يبقى طريق التنمية كمشروع استراتيجي بحاجة الى استقلالية اقتصادية في موضوعين او مرتكزين مهمين هما: الطاقة والمياه.
فأولهما، وهو قيد المياه الذي يقتضي استثمارا يرافق مسار قطارات التنمية ومقطورتها ويتمثل بإقامة شبكة انابيب من مياه التحلية desalination التي يجب ان تشيد حالا على حافات الخليج لترافق مسارات السكك الحديد المزمع تنفيذها وتساعد في تغذية المدن الصناعية بالمياه؛ والثانية، هي توفير طاقات من توليد الكهرباء لتحريك دواليب المناطق الصناعية وغيرها ضمن جغرافيات اقتصادية متكاملة والتي ستسير استراتيجية طريق التنمية بموجبها.