الأصول الرقمية والقوة الأميركية
بروجيكت سنديكيت
2023-04-24 07:17
بقلم: دانتي ديسبارتي
واشنطن، العاصمة ــ عندما أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي سبوتنك إلى مداره حول كوكب الأرض في عام 1975، صُـدِم صناع السياسات الغربيون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى حال إدراكهم أنهم تخلفوا عن خصمهم الأكبر. بعد أن بوغِـتوا على هذا النحو، سارعوا إلى حشد جهود عظيمة للحاق بالركب، وفي هذه العملية أرسوا الأساس لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وخدمات النطاق العريض Starlink، والاتصالات العسكرية، وعدد كبير من التكنولوجيات الأخرى التي تُـبقي على عالمنا الحديث نابضا بالحياة والنشاط.
اليوم، تحمل تكنولوجيا سلسلة الـكُـتَـل والأصول الرقمية ذات الإمكانات التحويلية التي قدمتها الاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية لجيل سابق. ولكن على الرغم من الدعوات الـمُـطالِبة بمزيد من القيادة الأميركية في هذا المجال ــ بما في ذلك "الأمر التنفيذي بشأن العملات الرقمية المشفرة" الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي ــ باتت الولايات المتحدة معرضة لخطر التخلف عن الركب عالميا.
في سباق الفضاء الأصلي، قادت الحكومة الفيدرالية الأميركية حملة وطنية شملت عموم الولايات المتحدة للاستثمار في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وأنشأت وكالة ناسا (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء)، وفي نهاية المطاف أنزلت رواد فضاء على سطح القمر. في النهاية، نجحت أميركا لأن الحكومة أعطت المشاريع الحرة والإبداع البشري مقصدا مشتركا ومهمة مشتركة.
اليوم، يشمل أولئك الذين يتنافسون للحصول على ميزة في مجال العملات الرقمية حكومات وجهات خاصة، بعضها مُـعاد للولايات المتحدة وحلفائها صراحة. في الوقت الحالي، تدرس 114 دولة (تمثل 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) إمكانية إطلاق عملة رقمية تابعة للبنك المركزي، وفي السنوات الأخيرة، تضخم النظام البيئي للعملات الرقمية المشفرة والأصول الرقمية في الحجم بدرجة هائلة (أو انفجر ببساطة في بعض الأحيان).
من جانبها، التزمت إدارة بايدن تماما بالإبقاء على الولايات المتحدة في صدارة التكنولوجيات التي تؤثر على الأمن الوطني والقدرة التنافسية الاقتصادية في المستقبل.
يقدم قانون الرقاقات الإلكترونية والعلوم لعام 2022، الذي أقره الحزبان، استثمارات حكومية هائلة لتعزيز تصنيع أشباه الموصلات محليا ومشاريع البحث والتطوير في الحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي، وغير ذلك من المجالات. ولأسباب استراتيجية مماثلة، قررت الإدارة أيضا إحكام ضوابط التصدير لمنع الصين من جني المزايا العسكرية والاقتصادية الكاملة التي تقدمها التكنولوجيا الأميركية. كما أوضح جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، العام الماضي، تعتزم الولايات المتحدة "الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الصدارة" على منافسيها.
لا يقل المال أهمية على الصعيد الاستراتيجي عن أشباه الموصلات. ليس سرا أن الدور الذي يضطلع به الدولار الأميركي كعملة احتياطية مهيمنة عالميا ظل لفترة طويلة يشكل مصدرا رئيسيا لقوة أميركا العالمية. الدولار مهم ليس فقط لأنه يُـسـتَـخـدَم بشكل شائع لتسوية المعاملات الدولية، بل لأنه أيضا يدعم نظاما أوسع كثيرا يقوم على القواعد لإدارة المدفوعات والتمويل والمدخرات.
وقد أشار البيت الأبيض إلى أنه يتفهم المخاطر.
شَـدَّدَ الأمر التنفيذي الصادر في العام الماضي على أن "الولايات المتحدة لديها مصلحة في دعم الإبداع المالي المسؤول، وتوسيع القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية الآمنة بتكلفة ميسرة، وتقليل تكلفة تحويل الأموال والمدفوعات المحلية والعابرة للحدود، بما في ذلك من خلال التحديث المستمر لأنظمة الدفع العامة". أضاف الأمر التنفيذي: "الهدف هو تعزيز قيادة الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي والقدرة التنافسية التكنولوجية والاقتصادية، بما في ذلك من خلال التطوير المسؤول لابتكارات الدفع والأصول الرقمية".
مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالأصول الرقمية، تتعارض التدابير التي اتخذتها إدارة بايدن مؤخرا مع أهدافها المعلنة. في الأشهر القليلة الأخيرة، تهدد إجراءات الإنفاذ العدوانية التي اتخذتها هيئة الأوراق المالية والبورصات، والتحذيرات من جانب البيت الأبيض، وفصل كامل مخصص لإدانة الأصول الرقمية في تقرير الرئيس الاقتصادي، بتحويل "شتاء العملات المشفرة" (المجلوب ذاتيا إلى حد كبير) إلى عصر جليدي.
يشير التاريخ إلى أن هذه التدابير قد تكون هَـدّامة. تميل تدابير الإنفاذ الصارمة على هذا النحو إلى دفع القوى في السوق إلى منصات غير خاضعة لرقابة أو إشراف، والتعرض للمخاطر دون شفافية، وتاريخ من ضوابط المخاطر المالية المتراخية. وإذا تحول هذا إلى اتجاه أوسع، فقد تنتهي بنا الحال إلى أنظمة دفع عالمية موازية لن تكون مستجيبة لمعايير الامتثال الحالية.
إذا أفسدت الولايات المتحدة تنظيم الأصول الرقمية، فقد تخسر تفوقها في قطاع يحمل إمكانات تجارية هائلة وينطوي على عواقب كبيرة على الأمن الوطني. في اقتصاد رقمي على نحو متزايد، أصبحت البنية الأساسية المالية التناظرية إلى حد كبير في أميركا عتيقة ــ مبتلاة بارتفاع التكاليف، والتأخيرات الـمُـحبِـطة، والحدائق المسورة التي تفصل بين المستخدمين، وأوجه الضعف الحادة مثل نقاط الفشل المنفردة.
ما يدعو إلى التفاؤل أن التكنولوجيات القائمة على سلسلة الكتل والخاضعة لإدارة مسؤولة تعمل بالفعل على حل عدد كبير من هذه المشكلات، فتمكن الملايين من الناس عند أسفل السلم الاقتصادي من إرسال وإنفاق وادخار الأموال المكتسبة بشق الأنفس بذات القدر من الأمان والتكلفة المنخفضة والسرعة الذي تتسم به أي رسالة نَـصّية.
في شهر ديسمبر/كانون الأول، أطلقت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة برنامجا تجريبيا لتقديم مساعدة الأموال النقدية الرقمية المحمولة عالميا إلى لاجئي الحرب الأوكرانيين. كان هذا مجرد استعراض واحدة لكيفية زيادة وتعزيز المساعدات الإنسانية من خلال أنظمة دفع شبه فورية، ومحمولة، ويمكن تتبعها، ومقاوِمة للفساد.
من ناحية أخرى، في البلدان حيث يتفشى التضخم بجموح، يلجأ الناس إلى الدولارات الرقمية الجديرة بالثقة كمخزن للقيمة. كما يُـرسِـل ملايين العمال المهاجرين رواتبهم إلى بلدانهم دون أن يتكبدوا تكاليف رسوم التحويل الباهظة، وتدرك الشركات على نحو متزايد الفوائد المترتبة على استخدام تكنولوجيا سلسلة الكتل لتحسين عمل سلاسل التوريد.
يجب أن تكون الولايات المتحدة راغبة في تكثيف هذه الجهود لضمان بقاء مستقبل المال والمدفوعات والعمل الخيري والتجارة مرتكزا على الدولار. ويجب أن يتدخل الكونجرس لتوفير إطار قانوني وتنظيمي بَـنّـاء لصناعة الأصول الرقمية، بدءا من التشريع بشأن العملات الرقمية المستقرة التي يمكن استخدامها في الدفع. الأخبار السارة هنا هي أن لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب أصدرت للتو مسودة تشريع يقضي بتقنين معايير مهمة في ما يتصل بالخدمات، والشفافية، والقابلية للتشغيل البيني. هذه تدابير حماية بالغة الأهمية للمستهلكين. يجب أن تكون العملات الرقمية المستقرة الاستجابة الأميركية لأطر الأموال الإلكترونية والأصول الرقمية الناشئة في مختلف أنحاء العالم.
تقليديا، دأبت الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الاستراتيجية من خلال تسخير مواطن القوة الفريدة الكامنة في القطاعين العام والخاص. وتشكل الجهود الجارية لإزالة الدولرة، وتطوير أنظمة دفع موازية، والطلب العالمي المتزايد على الأموال التي يمكن الوصول إليها عالميا، سمات لأحد التحديات الاقتصادية الرئيسية التي نواجهها. لن تكون كيفية الفوز بسباق العملات الرقمية أقل أهمية من تحديد الفائز به. ومن خلال تهيئة الظروف الكفيلة بالإبقاء على صناعات سلسلة الكتل والأصول الرقمية الناشئة في الداخل، تستطيع الولايات المتحدة أن تحتفظ بالصدارة.