إنقاذ النمو الاقتصادي في البلدان النامية المثقلة بالديون
بروجيكت سنديكيت
2023-01-19 06:59
بقلم: داني رودريك، رضا باقر، إسحاق ديوان
كمبريدج ــ قد يكون عامنا هذا مُـدَمِّـرا للعالَـم النامي، حيث تجد أعداد متزايدة من البلدان نفسها وقد اجتاحتها أزمات الديون. العديد من هذه الدول (لبنان، وسريلانكا، وروسيا، وسورينام، وزامبيا) تخلفت بالفعل عن سداد ديونها، وأصبحت عشرات أخرى في احتياج ماس إلى تخفيف أعباء الديون لكي يتسنى لها تفادي الانهيار الاقتصادي والارتفاعات الحادة في معدلات الفقر.
تتمثل الاستجابة السائدة لأزمات الديون في التفاوض على حِـزِم معقدة تشمل البلد المدين، والمؤسسات المالية الدولية، وغيرها من الدائنين الخارجيين. وتشارك في الأمر جهات أخرى تسعى إلى حماية مصالحها، مثل حاملي السندات المحليون، والنقابات العمالية. قد تكون عملية المساومة بين كل هذه الأطراف طويلة وقد تنطوي على جهود محلية وعالمية للتأثير على النتيجة من خلال الإلقاء بقدر أكبر من أعباء الخسائر على كاهل آخرين، حتى في حين يستمر تدهور الأوضاع في الدول المدينة.
أضاف ظهور الأسواق الناشئة باعتبارها جهات دائنة ثنائية رسمية المزيد من التعقيد لعملية صعبة بالفعل. لم تكن الصين، والهند، ودول الشرق الأوسط، وغيرها جزءا من ترتيبات تسوية الدين التقليدية. إلى جانب تعقيد عمليات التنسيق، من الممكن أن يؤدي عدم التجانس بين الجهات الدائنة إلى إطلاق العنان لعمليات أشد تدميرا تقودها توقعات ذاتية التحقق، مثل الانعكاس المفاجئ في اتجاه تدفقات رأس المال والأزمات المصرفية.
المفتاح لجعل اتفاقات الديون أكثر إقناعا لجميع الأطراف هو أن تكون مصممة على النحو الذي يساعد في فتح فرص النمو. وسوف يعمل احتمال تحقيق مكاسب كبيرة بالقدر الكافي على اجتذاب كل الأطراف إلى طاولة التفاوض، حيث يمكنهم تقاسم الفوائد التي ستطلقها مثل هذه الحزمة.
الواقع أن تسوية الديون على نحو معزز للنمو يتطلب صفقة ثلاثية الجوانب. لن يتسنى للحكومات المدينة الاستثمار في فرص النمو وخفض النفقات غير المنتجة وغير الفَـعّـالة إلا من خلال توفير موارد إضافية. ولا تستطيع المؤسسات المالية الدولية تقديم القروض بأمان إلا إذا وافق الدائنون الحاليون على خفض الدين (وخدمة الدين). وبدورهم لن يوافق الدائنون الحاليون على تخفيف الديون إلا إذا كان بوسع المؤسسات المالية الدولية تطبيق شروط فَـعّـالة لضمان حفاظ الحكومات المدينة على سياسات النمو اللائقة. ومع اقتراب موجة جديدة من إعادة التفاوض على الديون، يجب تحديث وتكييف بعض عناصر مثل هذه الصفقات الكبرى بما يتفق مع الحقائق العالمية الجديدة.
تتعلق إحدى القضايا الرئيسية بطبيعة فرص النمو. ربما تسببت التطورات الأخيرة، مثل انحسار العولمة، وجهود إزالة الكربون، وزوال نموذج النمو القائم على التصدير، في تدني إمكانات النمو في البلدان المنخفضة الدخل. وهذا يعني أن مساومات خفض الديون لا ينبغي أن تبالغ في تقدير دور النمو في المستقبل، وأن تكلفة فرص النمو الضائعة يجب أن تكون تخفيضات أعمق للديون. ولكن على ذات القدر من الأهمية، سيكون النمو في المستقبل أقل كثيرا في غياب استثمارات جديدة قادرة على تكييف مسار النمو مع الحقائق الجديدة.
إذا تلقت فرص النمو الجديدة تمويلا جديدا وأصبحت مربحة، فمن الممكن أن تعمل على تقليل الحاجة إلى خفض الديون، جزئيا على الأقل من خلال إبطال تأثير التراجع المرتبط بالتجارة في فرص النمو. تصبح هذه الفرص واحتياجات النمو أكثر وضوحا وأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالتحول الأخضر. الواقع أن تغير المناخ يلحق الضرر بآفاق النمو في البلدان المنخفضة الدخل بشكل خاص، ويرجع هذا جزئيا إلى موقعها الجغرافي، وجزئيا إلى تعرض سكان هذه البلدان لقدر أكبر من المخاطر وعجزهم عن تخفيف مخاطر المناخ. يدور النمو الأخضر إلى حد كبير حول تنفيذ السياسات العامة اللازمة للتعويض عن هذه القوى السلبية. لكنه يدور أيضا حول الاستفادة من الفرص الجديدة.
تشمل الاستثمارات في جهود التكيف مع تغير المناخ مشاريع للوقاية ضد ارتفاع مستويات سطح البحر، وتقليل ملوحة الفيضانات، وتعزيز البنية الأساسية للطرق والجسور، وزيادة جهود الحفاظ على المياه. وبما أن أسعار الغذاء العالمية من المتوقع أن تتفاوت على نطاق أوسع في السنوات المقبلة، فإن جهود التكيف تشمل أيضا تحسين الأمن الغذائي. وسوف تركز جهود التخفيف بدروها على توليد الطاقة بطرق نظيفة، باستخدام تكنولوجيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تتطلب استثمارات ضخمة مسبقة.
لكي يحدث هذا، يجب أن يتغير نهج المؤسسات المالية الدولية. يجب تكييف الشروط مع تحديات التنمية الجديدة. ويتعين عليها أن تتبنى أجندة النمو الجديدة وأن تحول تركيزها من التأكيد المفرط على أهداف الاقتصاد الكلي إلى سياسات مقبولة اجتماعيا وتدعم حتمية النمو الأخضر. ولأن مكاسب النمو من المرجح أن تستغرق وقتا أطول، فمن الأهمية بمكان أن يكون تنفيذ الشروط على مراحل وفقا لذلك.
علاوة عل ذلك، يتعين على المؤسسات المالية الدولية أن تضطلع بدور أكبر في التمويل، سواء بشكل مباشر أو من خلال الجهود الرامية إلى الاستفادة من التمويل الخاص من خلال التعزيزات. وبشكل أكبر مما كان عليه الأمر في الماضي، سيكون لزاما على المؤسسات المالية الدولية أن تعمل على توفير التمويل الجديدة في وقت مبكر، إلى أن تتمكن البلدان المدينة من إعادة ترسيخ سجلها في ما يتصل بالجدارة الائتمانية والقدرة على الوصول إلى الأسواق أثناء إدارتها للتحول إلى مسار جديد للنمو. إن الاحتياجات الاستثمارية المرتبطة بالتحول الأخضر أكبر كثيرا من الإصلاحات على الطريقة القديمة في ثمانينيات القرن العشرين، والتي نقلت الموارد ببساطة من القطاع العام إلى القطاع الخاص للتركيز على مجموعة أضيق من النفقات العامة.
نظرا لتوفر فرص النمو القيمة، فقد تنشأ علاقة ارتباط سلبية بين حجم القروض التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية ومقدار خفض الديون المطلوب. يجب أن يؤدي برنامج الإقراض الطموح الذي يمول برنامج إصلاحي طموح إلى معدلات نمو أعلى، وهذا يتطلب بالتالي خفضا أقل للديون.
أخيرا، يجب أن تستجيب المؤسسات المالية الدولية للتغيرات في تكوين الجهات الدائنة. لقد أصبح تقاسم الأعباء اليوم أكثر تعقيدا، بسبب نمو ديون الأسواق الخاصة وظهور دائنين جدد (وخاصة الصين، والهند، وروسيا، وقِـلة من بلدان أخرى). إذا كان للدائنين الرسميين الجدد أن يتحملوا خسائر كبيرة في مطالباتهم، فربما يتوقعون أن يكون لهم دور أكبر في كيفية تطوير مبادئ إعادة هيكلة الديون. في الأمد القريب، يجب تطبيق المبادئ بطرق مرنة لتسهيل التقدم. وبمرور الوقت، يجب أن تنعكس التغيرات الكبيرة في مشهد الدائنين الرسميين في تركيبة مجالس إدارات المؤسسات المالية الدولية.
يظل النمو الاقتصادي يشكل مكونا أساسيا في اتفاقات الديون الناجحة. ولكن حتى في ظل أفضل الظروف، من المرجح أن يكون نمو البلدان النامية أبطأ وأكثر توجها نحو الداخل، مما يتطلب توليفة من خفض الديون بدرجة أعمق وآجال زمنية أطول. سوف يتطلب تحقيق فرص الاستثمار الجديدة توفر تمويل جديد وأشكال جديدة من المشروطية. ويجب أن يأتي التمويل الجديد مبكرا ومن المؤسسات المالية الدولية بدرجة كبيرة، إلى أن تشرع البلدان النامية بشكل يمكن التعويل عليه في سلوك مسارات نمو جديدة.