توقعات انكماش الاقتصاد العالمي والاقتصاد العراقي

حامد عبد الحسين الجبوري

2022-10-04 04:32

نظراً للأحداث التي حصلت في العالم خلال السنوات الاخيرة، ارتفع سقف التوقعات بشأن انكماش الاقتصاد العالمي خلال السنوات القليلة المُقبلة.

هناك العديد من الاحداث التي ضربت الاقتصاد العالمي، ولكن أبرز تلك الأحداث هي الحروب التجارية بين الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الصيني، انتشار فيروس كورونا، والحرب الروسية-الاوكرانية.

هذه الأحداث وغيرها كانت من الأسباب التي دفعت إلى ارتفاع سقف التوقعات بانكماش الاقتصاد العالمي.

الحروب التجارية

حيث تتبادل الولايات المتحدة الامريكية والصين الاتهامات فيما بينهما بخصوص الاقتصاد والتجارة وإدارة العالم، هذه الاتهامات وما يترتب عليها من سلوكيات تجاه بعضهما الآخر، أدت إلى زيادة الاعباء على الاقتصاد العالمي، نظراً لكونهما يحتلان مرتبة الصدارة فيه.

تتمثل هذه الأعباء في زيادة التكاليف، بعيداً عن تكاليف الانتاج الحقيقية، وذلك بحكم استخدام السياسة الحمائية عبر فرض الضرائب على منتجات كل منهما الآخر، خصوصاً وهما اعضاء في منظمة التجارة العالمية التي تعتمد حرية التجارة كأصل بين اعضاءها.

ان استمرار الحروب التجارية بين الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الصيني، عبر استخدام السياسة الحمائية وفرض الضرائب، يعني استمرار زيادة الاعباء التي يتحملها الاقتصاد العالمي والتي ستصل به إلى نقطة معينه لا يستطيع النمو معها ويدخل في مرحلة الانكماش التي قد يكون هو حالياً على أعتاب الدخول إلى هذه المرحلة.

فيروس كورونا

تسبب فيروس كورونا في إصابة الاقتصاد العالمي بالشلل، وذلك بحكم قوة اثار الفيروس وعدم التوصل للعلاج المناسب له إلا بعد ان اجتاح العالم وتوقفت الحركة محلياً واقليمياً وعالمياً.

حيث ظهر هذا الفيروس في الصين، التي تُعد ثاني أكبر اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية؛ والذي اتصف بسرعة الانتقال والانتشار ونظراً لعدم إيجاد العلاج المناسب له لجأت الدول إلى تقييد الحركة، فرض حظر التجول الجزئي والعام؛ على أمل التقليل من انتشاره.

ان تقييد حركة الناس على أمل التقليل من انتشار الفيروس داخل الدول وما بينها؛ أدى إلى انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات، كما ان عدم السماح للتنقل والتجمع البشري في مواقع العمل، داخل أو بين الدول؛ لتلافي انتشار الفيروس؛ دفع لفقدان الكثير لأعمالهم والتحقوا بجيوش البطالة في العالم وهي أحد مؤشرات الانكماش.

وبعد التوصل إلى العلاج المناسب وتم العمل به، تم تخفيف التقييد على حركة الناس داخل وبين الدول، وهذا التخفيف دفع بالاقتصاد العالمي السير نحو الامام، ولكن الاقتصاد العالمي لم يشف من آثاره والتي يمكن القول إنها تسببت في ولادة ازمات جديدة، وهي مفتاح الدخول في مرحلة الانكماش؛ كسلاسل الامداد وأزمة الوقود التي تعمقت وتفاقمت بشكل أكبر مع الحرب الروسية-الأوكرانية كما ستتضح في الفقرة اللاحقة.

حيث دفع تقييد الحركة إلى توقف الاقتصاد وانخفاض الطلب على النفط وانخفاض أسعاره إلى مستويات متدنية، وبعد تخفيف التقييد؛ تحالفت الدول المنتجة خارج أوبك بقيادة روسيا مع أوبك بقيادة السعودية على إنعاش اسعار النفط وإعادة التوازن وذلك من خلال تخفيض الانتاج والتصدير النفطيين وهذا ما حصل أخيراً وارتفعت اسعار النفط.

الحرب الروسية-الأوكرانية

جاءت الحرب الروسية-الاوكرانية لتُكمل المشهد، حيث دفعت هذه الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في بداية العام الحالي، إلى تفاقم أزمة الوقود الناجمة بالأساس عن أزمة كورونا وأزمة الأمن الغذائي.

حيث تعد روسيا من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، وإن دخولها في الحرب على أوكرانيا يعني ارتفاع اسعار النفط سواء بفعل مقاطعة حلفاء اوكرانيا للنفط الروسي أو بفعل استخدام روسيا نفطها كسلاح ضد حلفاء أوكرانيا.

لان النتيجة واحدة في المحصلة وهي اختلال قوى السوق النفطي، لان مقاطعة حلفاء أوكرانيا للنفط الروسي يعني تحول الطلب على نفوط البلدان الأخرى وبالنتيجة ارتفاع الاسعار، وأما اذا استخدمت روسيا النفط كسلاح سنخفض العرض ويزداد الطلب وترتفع الأسعار كذلك.

بالتزامن مع أزمة الوقود، ظهرت للوجود أزمة الأمن الغذائي وذلك بحكم ان روسيا واوكرانيا تحتلان مكانة مهمة على مستوى العالم في تغطية الطلب على الغذاء وبالخصوص المحاصيل الغذائية كالقمح والذرة وغيرها.

في الوقت الذي تحتل روسيا المرتبة الاولى، تحتل أوكرانيا المرتبة السادسة على المستوى العالم في تصدير القمح عام 2021، وبسبب الحرب الروسية على أوكرانيا تعثر تصدير القمح والمحاصيل الأخرى، مما تسبب في انخفاض المعروض وارتفاع الاسعار بشكل كبير فكانت النتيجة ولادة أزمة الأمن الغذائي.

إذن، الحرب الروسية-الأوكرانية ضربت الاقتصاد العالمي ضربتين الاولى تمثلت بارتفاع أسعار الطاقة والثانية تمثلت بارتفاع أسعار الغذاء، على هذا الأساس ارتفعت معدلات التضخم العالمية وأصبح الاقتصاد العالمي يعاني من التضخم.

وهناك ما يُعرف في علم الاقتصاد بالدورة الاقتصادية التي تتمثل في التعاقب ما بين التضخم والانكماش، أي حينما يدخل الاقتصاد في مرحلة التضخم سيتبعه الانكماش في مرحلة لاحقة ثم يعود التضخم وهكذا. وفي ظل الدورة الاقتصادية ومرور الاقتصاد العالمي حالياً بمرحلة التضخم التي تقدر ب 8% سيتبعه الانكماش في مرحلة لاحقة.

كيف سيتأثر الاقتصاد العراقي؟

بالتأكيد، سيتأثر الاقتصاد العراقي سلباً إذا ما تحققت تلك التوقعات بشأن انكماش الاقتصاد العالمي، وذلك لسببين:

الاول، هشاشة الاقتصاد العراقي بحكم اعتماده على النفط بنسبة كبيرة لا تقل عن 50% من الناتج المحلي الاجمالي، ولا تقل عن 90% في الايرادات العامة، ولا تقل عن 95% من الصادرات السلعية.

الثاني، ضعف الاقتصاد العراقي بحكم غياب التنويع الاقتصادي، واعتماده على العالم الخارجي بنسب كبيرة في تغطية احتياجاته السلعية.

اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بنسبة كبيرة، بالتزامن مع غياب التنويع الاقتصادي، يعني دخوله في انكماش حاد إذا ما تحققت توقعات انكماش الاقتصاد العالمي.

لان انكماش الاقتصاد العالمي يعني انخفاض الطلب على النفط وانخفاض اسعاره، وبما ان الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير، كما اتضح أعلاه؛ فإن انخفاض اسعار النفط يعني انخفاض الايرادات النفطية وانخفاض النفقات العامة وانخفاض الناتج المحلي ودخول الاقتصاد في مرحلة الانكماش ثم الكساد.

بمعنى ان الاقتصاد العراقي لا يمتلك الحصانة الاقتصادية الذاتية ولا الحصانة الوقائية التي تؤهله لمواجهة الصدمات الخارجية بل هو متأثر سريع الاستجابة لما يدور في الاقتصاد العالمي عبر القناة النفطية.

تخفيف حدّة التأثر

ولأجل مقاومة أو التخفيف من حدّة التأثر بالصدمات الخارجية لابُد من دفع الاقتصاد العراقي إلى تحقيق الحصانة الاقتصادية الذاتية والوقائية وذلك من خلال العمل على:

- تحقيق التنويع الاقتصادي حتى يكون الاقتصاد العراقي قادراً على تلبية نسبة كبيرة من احتياجاته أكثر من اعتماده على العالم الخارجي (حصانة ذاتية).

- بناء صندوق سيادي ليكون قادر على حماية الاقتصاد العراقي من الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي (حصانة وقائية).

الخلاصة

جاءت التوقعات لانكماش الاقتصاد العالمي كنتيجة للأحداث التي حصلت، كالحروب التجارية، فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

ونظراً لضعف الاقتصاد العراقي بحكم غياب التنويع الاقتصاد واعتماده على النفط، سيدخل هو الآخر، في حال تحقق تلك التوقعات؛ في انكماش ولكن أكثر حدّةً، وهذا ما يحتّم العمل على تخفيف التأثر من خلال تنويع الاقتصاد العراقي بناء صندوق سيادي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي