الرؤية الاقتصادية مفتاح لبناء الاقتصاد العراقي
حامد عبد الحسين الجبوري
2022-09-24 08:12
يُعد توفر الرؤية لدى متخذي القرارات العليا عامل مهم لتحسُن اداء أي بلد في مختلف مجالات الحياة، ومن أهما الاقتصاد والمجتمع والسياسة.
وبالتأكيد، ان توفر الرؤية وحدها لا تكفي لتحسين حال البلد ما لم تترجم على أرض الواقع بشكل حقيقي بعيداً عن الاستعراض الاعلامي.
يعاني العراق اليوم من غياب الرؤية الاقتصادية لدى متخذي القرارات العليا مما انعكس بشكل سلبي على اداء الاقتصاد العراقي.
بمعنى هناك تخبط، في مسألة الرؤية الاقتصادية والتي تعني صورة الاقتصاد العراقي مستقبلاً الآن، أي الآن ترى كيف سيكون الاقتصاد العراقي مستقبلاً.
ففي الوقت الذي تبنى العراق اقتصاد السوق كنظام للاقتصاد يتطرق العديد ممن هم في السلطة إلى استعادة دور الدولة في الاقتصاد واستيعاب البطالة في اجهزة الدولة دون أي ادراك لكيفية عمل اقتصاد السوق.
دلائل غياب الرؤية الاقتصادية
يمكن ملاحظة اثار غياب الرؤية الاقتصادية في العديد من المؤشرات ومنها ارتفاع مساهمة القطاع النفطي 59.1% مقابل تدني مساهمة القطاع غير النفطي 40.9% في الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية عام 2019[i].
كذلك، استمرار عجز الموازنة وتذبذبها بحكم ارتباطها بالإيرادات النفطية التي تخضع لأسعار الطاقة الدولية، فضلاً عن عدم اقرارها في بعض السنوات وذلك لأسباب سياسية.
كما ان استمرار احتلال الميزان السلعي بحكم الاستيرادات المتنوعة مقابل احادية الصادرات، يعني استمرار استنزاف الثروة الوطنية مقابل عدم بناء قاعدة انتاجية متنوعة تستطيع تلبية من الطلب المحلي فضلاً عن تلبية الطلب الخارجي.
ان استمرار هيمنة القطاع النفطي على الناتج المحلي الاجمالي، واستمرار عجز الموازنة وتذبذبها، واستمرار اختلال الميزان السلعي، هي دلائل واضحة على تردي الاقتصاد العراقي، هذا التردي يعطي صورة واضحة عن فقدان الرؤية الاقتصادية لدى أصحاب القرارات العليا.
البطالة والفقر والرؤية الاقتصادية
ومن الجدير ذكره، هناك علاقة وثيقة بين الرؤية الاقتصادية والفقر، حيث كلما تتوفر رؤية اقتصادية سينخفض الفقر والعكس صحيح كلما تغيب الرؤية الاقتصادية سيزداد الفقر.
وبما ان العراق يفتقد للرؤية الاقتصادية لذلك أصبحت نسب الفقر غير قليلة بالتزامن مع ارتفاع نسب البطالة التي تختلف باختلاف المصدر لكن بالعموم لا تقل عن 15%، بمعنى ان البطالة والفقر هما ايضاً دلائل واضحة على غياب الرؤية الاقتصادية في العراق.
دبي وبابل والرؤية الاقتصادية
كما تشتهر بابل بسمعة عالمية قديمة أخذت دبي تشتهر كذلك في الوقت الحاضر، ولكن الاختلاف صارخ على مستوى الرؤية الاقتصادية وصناعة المحتوى.
ففي الوقت الذي تفتقر فيه دبي للأرث التاريخي تمتلك بابل أرث تأريخي عظيم، ومع ذلك ونظراً لتوفر الرؤية اقتصادية لدى دبي استطاعت أن تخلق من لا شيء شيء (صناعة المحتوى) وأصبحت تحتل مراتب متقدمة على المستوى العالمي في العديد من المؤشرات.
حيث عملت دبي على بناء مناخ وبنية تحتية متطورة جاذبة لرجال الاعمال والمستثمرين وأصبحت على إثرها مركز تجاري عالمي، وعملت على تسليط أضواء الاعلام على تطورها الحديث لتبرزه إلى العالم واكتساب اهتمامه.
وفي المقابل ومع ما تتمتع به بابل من أرث تأريخي عظيم إلا أنها وبحكم غياب الرؤية الاقتصادية ظلت تعاني البطالة والفقر وتحتل مراتب متأخرة على المستوى العالمي في العديد من المؤشرات.
حيث ظلت بابل مهمشة تعاني الإهمال والضياع والتراجع على مختلف المجالات وذلك بحكم غياب الرؤية الاقتصادية والاقتصار على المصالح الضيقة، ليس هذا وحسب بل يعتقد المسؤولين في بابل أنها فقيرة على مستوى الموارد الاقتصادية!
النتيجة
دبي فقيرة على مستوى التأريخ ولكن بحكم توفر الرؤية الاقتصادية استطاعت أن تصنع محتوى وتسليط أضواء الاعلام عليه وأصبحت تحتل مكانة مهمة عالمياً.
بابل غنية على مستوى التأريخ ولكن بحكم غياب الرؤية الاقتصادية لم تستطع استثمار الارث التاريخي بما ينعكس بشكل ايجابي عليها في الوقت الحاضر.
لو كانت هناك رؤية اقتصادية لدى متخذي القرارات العليا في البلد، بشكل عام؛ ولدى متخذي القرارات في الحكومات المحلية في المحافظات الاثرية ومنها، بابل بشكل خاص؛ لأصبح العراق يحتل مكانة مهمة تتجاوز مكانة الامارات ودبي والكثير من دول العالم ويصبح في مصاف الدول المتقدمة.
لأن العراق يمتلك إرثا تاريخيا عظيما، يتمثل في اختراع الكتابة المسمارية من قبل السومريين واختراع القانون من قبل أور نمو وحمورابي، ويُعد مهد الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والاشورية، وغيرها.
كذلك وجود العديد من الاثار الأثرية والدينية في بابل وذي قار واربيل وبغداد والموصل وغيرها وهي عناصر قوة يمكن اظهارها للعالم، ويمكن اعتبارها من عناصر القوة الناعمة في العراق والتي يمكن استخداما على مستوى السياسة الخارجية بما يسهم في دعم السياسة الداخلية والاقتصاد الوطني.
وحالياً، يُعد العراق قُبلة الشيعة في العالم بحكم وجود أضرحة الأئمة مثل الامام علي (ع) والامام الحسين (ع) والامام محمد الجواد والامام علي الهادي (ع) والأمام الحسن العسكري (ع) وقبور العديد من الأولياء والصالحين لمختلف الملل والنحل.
ان إيلاء مزيد من الاهتمام لكل ما يمتلكه العراق من آثار وإرث حضاري، إضافة إلى استثمار موارده المعدنية باتجاه البنية التحتية المتطورة وبناء المناخ الاستثماري الجاذب، سيجعل موقع العراق مختلف تماماً عما هو عليه الآن.
إذ إن توفير البنية التحتية المتطورة وبناء مناخ استثماري جاذب يعني نتيجتين:
الاولى، إقبال السواح على مختلف أصنافهم (الاثرية، الدينية، الترفيهية) إلى العراق مما يعني مزيد من الطلب على منتجات وخدمات الاقتصاد العراقي.
الثانية، إقبال الاستثمارات ورجال الأعمال إلى العراق مما يعني خلق مزيد من فرص العمل وزيادة العرض من السلع والخدمات داخل الاقتصاد العراقي.
كلا النتيجتين ستؤديان إلى تنوع الاقتصاد وتحسين اداء الموازنة العامة وتحسين اداء الميزان السلعي للسلع والخدمات وتخفيض البطالة والفقر.
الخلاصة
ان توفير الرؤية الاقتصادية وترجمتها على ارض الواقع يعني السير بالاقتصاد نحو الأمام والعكس صحيح.
العراق بأمس الحاجة إلى صياغة رؤية اقتصادية تعطي الاولوية لتأريخه العظيم وبما ينسجم مع سمعته العالمية على المستوى الحضاري، لتنعكس بشكل ايجابي على واقعه الحالي.
وبهذا يكون العراق قد غادر تعثره واستثمر تأريخه لبناء مستقبله.