تداعيات رفع سعر صرف الدينار على الاقتصاد والاسواق
د. حيدر حسين آل طعمة
2022-03-16 05:47
نتيجة تداعيات جائحة كورونا والاغلاق الكبير للاقتصاد العالمي وتراجع اسعار النفط بشكل حاد، تم خفض قيمة الدينار العراقي استجابةً لضغوط التمويل الحرج لموازنة عام 2021. وقد خُفضت قيمة الدينار من (1182) الى (1450) دينار للدولار الواحد، لتعظيم الايرادات النفطية وتقليص العجز المالي الحكومي.
ورغم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لسياسة خفض قيمة العملة وما تتطلبه من شروط مسبقة لنجاحها، تبقى سياسة مألوفة في العديد من البلدان، وخصوصا الناهضة منها. وقد استجابت الاسواق لصدمة سعر الصرف بشكل أفضل من المتوقع. اما رفع قيمة العملة فهي سياسة غير مألوفة، نظرا لعواقب تلك السياسة على النمو والاستقرار الاقتصادي من جهة، واضعاف مصداقية السياسة النقدية ودورها في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي من جهة اخرى.
وفيما يلي ابرز التداعيات المتوقعة لإعادة تغيير سعر الصرف (رفع قيمة الدينار) على الاقتصاد والاسواق.
1- سعر الصرف مؤشر اساس في قطاع الأعمال تبنى عليه توقعات الأسعار والقوة الشرائية لعوائد المستقبل، ولذا يساعد ثباته في تحسين بيئة الاستثمار.
2- ساعد صعود اسعار النفط بعد عام 2003 على مراكمة احتياطيات دولية والحفاظ على المستويات الاعتيادية للاستيراد عند انخفاض سعر النفط. من غير المعقول المراهنة على أسعار نفط مرتفعة لتغيير سعر الصرف بل إن احتمال العكس أعلى، فقد تنخفض وتبقى متذبذبة حول متوسط متدني لمدة طويلة، ولذلك يجب الاهتمام بتراكم احتياطيات البنك المركزي عند اتخاذ قرار تغيير سعر الصرف.
3- تعني سياسة رفع قيمة الدينار تقديم إعانة، متناسبة مع مستوى الدخل، من مورد النفط للجميع، يصيب الأغنياء منها أضعاف ما يصل إلى الفقراء[1]. بدلا من ذلك يمكن تعويض مكاسب هذه السياسة على الفقراء بتدابير اخرى اكثر فائدة وتركيز.
4- يؤدي تكرار تغيير سعر الصرف خلال أوقات قصيرة الى اضطراب النشاط الاقتصادي والمالي في البلد ، ويربك عمل الأسواق المحلية وقد يؤدي إلى ركود اقتصادي.
5- اعتادت الموازنة الاتحادية على سعر صرف (1450) دينار للدولار من اجل تمويل النفقات العامة، خصوصا مع ضعف الايرادات غير النفطية. ويعني عودة سعر الصرف الى (1182) دينار للدولار تقليص الايرادات النفطية بقرابة (20) ترليون دينار وهو رقم صعب، قد لا تقوى عليه الموازنة العامة في ظل تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية.
6- يعد التغيير المتكرر لسعر الصرف احد الدوافع الاساسية للمضاربة على العملة والتوجه صوب الاصول الحقيقية والعينية لحفظ القيمة، مما يزيد من ارتفاع اسعار هذه الاصول على حساب الادخار والاستثمار في قطاعات الاقتصاد الانتاجية.
7- تغيير سعر الصرف بضغوط سياسية قد يفقد البنك المركزي الاستقلالية ويضعف مصداقية السياسة النقدية ودورها في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي في البلد.. وهو مؤشر سلبي على الاستثمار والتصنيف الدولي للاقتصاد العراقي.
8- كانت الموازنة العامة قناة مالية لانتقال صدمات اسواق النفط الدولية الى الاقتصاد المحلي بسبب انكشاف الموازنة على الايرادات النفطية بشكل كبير (90%)، خصوصا مع عدم وجود حيز مالي مناسب لامتصاص الصدمات كما متاح في دول الخليج.. ويعني ربط سعر الصرف بأسعار النفط (خفض قيمة العملة عند انهيار اسعار النفط ورفعها عند ارتفاع الاسعار) نقل الصدمات الخارجية الى الاقتصاد المحلي عبر القناة النقدية اضافة للقناة المالية المعتادة.
9- لا يتوقع ان تستجيب الاسعار المحلية لرفع قيمة الدينار كثيرا كون الاسعار غير مرنة تجاه هبوط سعر صرف الدولار ومرنة تجاه ارتفاعه بسبب لزوجة الاسعار وغياب شروط المنافسة التامة في الاسواق العراقية. كما ان الارتفاع الذي شهدته اسعار بعض السلع لا يعود الى ارتفاع سعر صرف الدولار بل الى ارتفاع تكاليف الانتاج العالمية وتضاعف كلف النقل والتامين نتيجة انهيار سلاسل التوريد، فضلا على ضعف قدرة بعض الشركات والمصانع على مواجهة الطلب العالمي المتزايد نتيجة تعاف الاقتصاد العالمي.
10- يؤدي التغيير المستمر والمتقارب في سعر الصرف الدينار الى فقدان ثقة الشركات والافراد في النظام المصرفي مما يعطل حركة الودائع والقروض ويضغط على الجهاز المصرفي العراقي.
11- يعني رفع قيمة الدينار العراقي زيادة مخاطر سعر الصرف غير التنافسي للدينار على فرص انعاش القطاعات غير النفطية والمباشرة بالتصنيع لتحقيق التنمية الاقتصادية. بدلا من ذلك تزداد الاستيرادات من دول الجوار (ايران وتركيا)، التي تعتمد على سياسة خفض سعر صرف العملة المحلية لتشجيع الصادرات وكسب الاسواق. وفي الغالب تكون زيادة صادرات هذه البلدان على حساب القطاع الزراعي العراقي الذي يوفر قرابة (20%) من فرص العمل، وحيث يعيش ثلث السكان في المناطق الريفية.
12- يزيد خفض سعر صرف الدولار من اعباء الدين العام الداخلي على الموازنة والاقتصاد، خصوصا مع ارتفاع الدين العام الداخلي الى اكثر من (70) ترليون دينار نهاية عام 2021، وهو مرشح للزيادة في ظل النهم الحكومي للاقتراض العام الداخلي من اجل تمويل العجز المالي الحكومي.