عشرون عامًا على اليورو
بروجيكت سنديكيت
2022-01-03 06:53
بقلم: جان بيساني فيري
باريس ـ منذ عشرين عامًا، في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2002، بدأ مواطنون في 12 دولة أوروبية باستخدام أوراق وقطع نقدية بعملة اليورو الجديدة. وبذلك، فقد تحول مشروع غير واقعي -يرمز إلى فترة كان فيها القادة الأوروبيون يتمتعون بالجرأة الكافية للإقبال على المجهول- إلى حقيقة ملموسة.
وقد توّج هذا التحول المثالي والخالي من العيوب مسعى تم تخيله في السبعينيات، وصُمم في الثمانينيات، وتم التفاوض بشأنه في التسعينيات. كانت الآمال والتوقعات كبيرة للغاية: فقد كان أنصار اليورو يأملون في أن يؤدي ذلك إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والمالي، وتقارب السياسات، والاندماج السياسي، والنفوذ العالمي.
وبعد مرور عقدين من الزمان، بات من الصعب تجنب الشعور بخيبة الأمل إزاء التكامل الاقتصادي. وقد وجدت التقييمات المُبكرة للتأثير التجاري للعملة الموحدة أنه بالكاد تجاوز 2٪. وتُشير الأبحاث الأخيرة التي أجراها البنك المركزي الأوروبي إلى أن التأثير قد يصل إلى 5٪. هذه النسبة لا تزال ضئيلة، وهو بحد ذاته لا يستحق كل هذا الجهد. تتاجر منطقتان داخل أوروبا مع بعضهما البعض بمعدل ست مرات أقل إذا لم تكونا في نفس البلد. وبسبب التاريخ واللغات المتعددة والشبكات والنظم القضائية المختلفة والعزوف عن توحيد الأنظمة، لا تزال الحدود الوطنية تُشكل أهمية بالغة.
يُعد سيناريو الخدمات المالية أكثر مأساوية. ففي السنوات الأولى، قدمت البنوك القروض إلى الخارج، على نحو متهور في كثير من الأحيان، إلى أن تسببت أزمة اليورو قبل عشر سنوات في تراجع حاد وراء الحدود الوطنية. فقد اعتمدت الجهات التنظيمية المقولة الشهيرة القائلة بأن "البنوك عالمية في الحياة، لكنها محلية في الموت"، وطلبت منهم التوقف عن تقاسم السيولة النقدية مع الفروع التابعة غير الوطنية. مما أدى بدوره إلى التفكك والانقسام.
كان القرار الجريء بإطلاق اتحاد مصرفي أوروبي في يونيو/ حزيران في عام 2012 بمثابة استجابة لهذه النتيجة. لكن التنفيذ كان جزئيًا فقط: فبينما تخضع بنوك منطقة اليورو الآن للإشراف من قبل البنك المركزي الأوروبي، ينتهي الأمر بحالات الإعسار الفعلية بين أيدي السلطات الوطنية. لقد عرف التكامل المالي انتعاشًا نسبيًا، لكن الزخم يظل ضعيفًا. على الرغم من قدرة البنوك الأوروبية على تنويع المخاطر على نطاق أوسع، إلا أن الحكومات الوطنية تظل رافضة التخلي عن العلاقات المتميزة مع أنظمتها المصرفية الخاصة.
ومن ناحية أخرى، كان من المفترض أن ينتج تقارب السياسات تجاه الجهات الفاعلة الأفضل أداءً عن الانضباط الذاتي، فضلاً عن قواعد السياسة المالية وإنشاء عمليات التنسيق. ولكن بعد التخلي عن استقلالية السياسة النقدية، رفضت العديد من الحكومات المطالب الإضافية لبروكسل. وعلى مدى عشر سنوات، تباينت معدلات نمو الائتمان والتضخم، وشعر البعض بالقلق، باستثناء رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك جان كلود تريشيه. عندما اندلعت أزمة اليورو في النهاية، أثارت الخلافات بين البلدان الأعضاء في شمال وجنوب الاتحاد الأوروبي.
لقد تحسنت عملية تقارب السياسات منذ ذلك الحين، وضاقت فجوات القدرة التنافسية تحت الضغط. وقد ساعد البنك المركزي الأوروبي في تهدئة التوقعات بشأن الخروج من منطقة اليورو، مما يضمن حصول المقترضين في جميع الدول الأعضاء على ائتمان بسعر مُماثل. كانت الاستجابة لأزمة جائحة فيروس كوفيد 19 متضافرة بشكل ملحوظ، بدعم من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي. وقد ساهم برنامج الانتعاش الذي تم إطلاقه في صيف عام 2020 في كسر الحواجز القديمة.
واليوم، يدور نقاش حول مدى حاجة نظام سياسة الاقتصاد الكلي في أوروبا إلى الإصلاح. يزعم البعض أن الترتيبات الحالية ستكون فعّالة وناجحة إذا التزمت الحكومات بالقواعد. ومع ذلك، كما جادلتُ ومجموعة من خبراء الاقتصاد والمُحامين مؤخرًا، فإن البيئة المتغيرة اليوم تعني أن أولويات السياسة لا يمكن أن تركز ببساطة على تعزيز الانضباط في كل دولة من الدول الأعضاء.
في المقابل، يتطلب ارتفاع نسب الديون وانخفاض أسعار الفائدة واحتمال حدوث تقلبات والتحديات العالمية مثل تغير المناخ تنسيق السياسات النقدية والمالية، وإصلاح القواعد المالية، ووضع الأحكام اللازمة للتعامل مع الأزمات بشكل مشترك. ومن المشجع أن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيدا خطوة تنفيذ إصلاحات مُماثلة في تعليق صدر مؤخرًا.
كان من المتوقع أن يتبع التكتل السياسي، وهو هدف أوروبي قديم، الاتحاد النقدي. كان هانز تيتماير، محافظ البنك المركزي الألماني الراحل، يُحب الاقتباس من نيكولاس أوريسمه، وهو فيلسوف من العصور الوسطى الذي قال "إن المال يعود للمجتمع ولا ينتمي للأمير". كان يأمل أنصار اليورو، بقدر من الارتباك، أن تخلق العملة المشتركة شعورًا بالانتماء للمجتمع.
هذا لم يحدث بشكل مباشر. أثناء مفاوضات 1991-1992 حول معاهدة ماستريخت، كان من المفترض أن تناقش الحكومات الاتحاد السياسي إلى جانب الاتحاد النقدي. لكن العديد من الدول، بدءًا من فرنسا، رفضت النماذج الفيدرالية. تعامل المواطنون في البداية مع الأوراق النقدية باليورو باعتبارها إجراءً شكليًا وليس كدليل على الانتماء. علاوة على ذلك، فإن الدول الأعضاء الجدد في أوروبا الوسطى والشرقية التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم تتقاسم أفكار ما بعد القومية لدى الآباء المؤسسين للاتحاد. وقد أكدت أزمة اليورو أن التضامن يظل ضعيفًا.
ومع ذلك، لا يزال اليورو قادرًا على توليد الشعور بالانتماء للمجتمع بشكل غير مباشر. على الرغم من أن الخوف، وليس الحب، منع البلدان حتى الآن منه، إلا أن النتيجة هي نفسها في بعض الحالات. في الواقع، لقد خفف السياسيون الشعبويون اليمينيون المتطرفون، مثل مارين لوبان في فرنسا وماتيو سالفيني في إيطاليا، من انتقاداتهم لليورو. لم يعد أي سياسي بارز يرغب في المراهنة ضد اليورو.
ربما كان تحقيق التأثير العالمي الهدف الأكثر صعوبة بين أهداف اليورو الأربعة. لقد قام صُناع السياسات بتأجيله عن قصد على مدى عقدين من الزمان، وقد كانوا مُحقين في ذلك: كان من السابق لأوانه الترويج لعملة غير مُجربة كبديل للدولار.
ومع ذلك، اكتسب تدويل اليورو أهمية كبيرة مع مرور الوقت. لقد انتهت القيادة التكنولوجية لأوروبا منذ فترة طويلة، وأصبحت قوتها الاقتصادية النسبية تتراجع بسرعة، ولكن قلة من البلدان، إن وُجدت، يمكنها توفير عملة عالمية مستقرة. لا تقدم الصين الأمن القانوني والشفافية المطلوبين، واليابان شديدة التركيز على الداخل، وسويسرا والمملكة المتحدة صغيرتان للغاية. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، وتعمل الصين على تعزيز نموذج العلاقات الدولية الذي يرتكز على الصين، ويكون الالتزام متعدد الأطراف في الولايات المتحدة موضع شك، لن يتم النظر إلى الوضع الدولي لليورو باعتباره إنجازا مبتذلا وعديم الأهمية.
يقوم السياسيون في بعض الأحيان باستثمارات طويلة الأجل. تُبين التجربة أن اليورو كان واحدًا من بينها. ورغم أن توقعات مؤسسيه كانت في كثير من الأحيان بعيدة كل البعد عن الصواب، إلا أنه كان رهانًا ذكيًا على الأرجح. بعد كل شيء، تضم منطقة اليورو اليوم 19 عضوًا، وهناك مرشحون ينتظرون الانضمام بفارغ الصبر.