صدمة اقتصادية مزدوجة في العراق
تخفيض العملة والتعويضات أنموذجاً
حامد عبد الحسين الجبوري
2021-01-23 04:55
نظراً لضعف الاقتصاد العراقي بسبب الاختلالات الهيكلية والسياسات الحكومية غير المدروسة الرامية لإصلاح الاختلالات وتقوية الاقتصاد، تعرض لصدمة اقتصادية مزدوجة أثارت سخط الشارع تجاه الحكومة.
حيث يغرق الاقتصاد العراقي بالاختلالات الهيكلية التي جعلته اقتصاداً ضعيفاً وتابعاً ومتذبذباً، وغير قادراً على استيعاب النمو السكاني المتزايد علماً إن العراق يملك موارد كبيرة تفتقر الكثير من البلدان لها وتعيش أفضل منه.
أبرز اختلالات الاقتصاد العراقي
الاختلال الإنتاجي، الناجم عن هيمنة القطاع النفطي على الناتج المحلي الإجمالي والذي يشكل، في الغالب؛ أكثر من 45% منه، في حين لم تشكل بقية القطاعات الأخرى أكثر من 55% منه.
الاختلال المالي، المتمثل في هيمنة الإيرادات النفطية على الإيرادات العامة بحيث تشكل، في الغالب؛ أكثر من 90% منها، في حين لم تتجاوز الإيرادات الأخرى 10% إلا في حالات استثنائية.
الاختلال التجاري، حيث يتمثل في هيمنة وتركز الصادرات النفطية بأكثر من 98% من الصادرات السلعية في حين لم تتجاوز الصادرات السلعية الأخرى 2%منها. وفي المقابل هناك تنوع كبير في الاستيرادات.
اختلال سوق العمل، حيث يعاني العراق من اختلال وتشوه صارخ في سوق العمل وذلك بحكم زيادة عرض العمل من جانب، وانخفاض الطلب عليه من جانب آخر، في آن واحد، ويُعزى هذا التشوه لأسباب عديدة منها النمو السكاني المتزايد، الاقتصاد الريعي، ضعف النشاط الاقتصادي، تواضع المهارات وشيوع الفساد[i].
سياسات غير مدروسة
نظراً لاستمرار انخفاض أسعار النفط والإيرادات النفطية وضعف قدرة الحكومة على ضبط الإيرادات الأخرى كإيرادات المنافذ الحدودية على سبيل المثال لا الحصر "10% فقط من إيرادات المنافذ الحدودية والتي تبلغ ثمانية مليارات، تدخل الخزينة العراقية، بسبب الفساد والنفوذ" كما صرح وزير المالية يوم الأربعاء الموافق26/11/2020، واستمرار تضخم النفقات العامة وبالخصوص النفقات الجارية من جانب ثانٍ وتفاقم العجز المالي من جانب ثالث.
بالتزامن مع توعد السلطة التشريعية (البرلمان) السلطة التشريعية (الحكومة) بعدم الموافقة على أي مشروع باتجاه الاقتراض بعد إن مررت قانونا الاقتراض في العام السابق، قانون الاقتراض المحلي والخارجي لتمويل العجز المالي لعام 2020 وقانون تمويل العجز المالي لعام 2020، لتفادي سير الحكومة في طريق الاقتراض المستدام.
لجأت، الحكومة؛ لسياسات نقدية ومالية غير مدروسة من حيث التصميم والتوقيت، من أجل الخروج من رباعية المأزق المالي، المتمثل بانخفاض الإيرادات وزيادة النفقات وتفاقم العجز وعدم الاقتراض؛ لتضع نفسها في موقف لا يُحسد عليه أمام الشعب والمتابعين والمختصين.
تخفيض العملة والتعويضات
فعلى مستوى السياسة النقدية لجأت الحكومة، وعبر سلطتها النقدية رغم إنها مستقلة! لتخفيض قيمة العملة الوطنية (الدينار العراقي) من خلال رفع سعر الدولار المباع للبنك المركزي من 1182 دينار في الموازنات السابقة إلى 1450 دينار للدولار الواحد في موازنة 2021، ويبيعه البنك بسعر 1460 للمصارف وبسعر 1470 للجمهور، بمعنى إن التخفيض كان بنسبة 22.7% فما فوق، وهذه جرعة كبيرة جداً، تنُم عن سوء تصميمها؛ انعكست سلباً على النشاط الاقتصادي تخوفاً من المستقبل.
وعلى مستوى السياسة المالية لجأت، عبر سلطاتها المالية؛ لتخفيض تعويضات الموظفين بشكل كبير جداً في مشروع موازنة 2021، كما جاء في المادة 22 "تخفيض كافة المخصصات الممنوحة لمنتسبي دوائر الدولة كافة الممولة مركزياً وذاتياً..." دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف المعيشية لكل موظف ومستوى الدخل. وبما إن تعويضات الموظفين تمثل المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي، فالعمل على تخفيضها بشكل كبير جداً يعني الذهاب نحو الركود الاقتصادي، إضافة للركود الاقتصادي القائم بالأساس بفعل كورونا وأسعار النفط.
إن تخفيض قيمة الدينار العراقي بشكل سريع والحديث عن تخفيضات كبيرة في تعويضات الموظفين، أدى لشل حركة النشاط الاقتصادي، فما بالك إذا ما تم تطبيق تخفيض تعويضات الموظفين بشكل كبير على أرض الواقع، كيف سيكون النشاط الاقتصادي؟!
إن تخفيض قيمة الدينار العراقي وتخفيض تعويضات الموظفين أمر لا مفر منه ولابُد من تطبيقه من أجل معالجة الاختلالات الهيكلية المذكورة آنفاً وتقوية الاقتصاد العراقي ليكون مستداماً وقادراً على تخطي الأزمات بجدارة وتلبية متطلبات المجتمع العراقي.
إذا كان تخفيض قيمة الدينار العراقي وتعويضات الموظفين أمر لا مفر منه، إذن لماذا أصبحت الحكومة في موقف لا يُحسد عليه حينما قامت بهذا التخفيض؟!
تصميم وتوقيت سياسات التخفيض
ما جعل الحكومة وسياساتها النقدية والمالية في موقف لا يُحسد عليه هو إن هذه السياسات لم تكُن مدروسة لا من حيث التصميم ولا من حيث التوقيت، حيث تم تصميم تخفيض العملة وتعويضات الموظفين بنسبة كبيرة جداً تفوق قدرة المجتمع والاقتصاد العراقي على تحملها، هذا من حيث التصميم.
أما من حيث التوقيت، فقد تم الإعلان عنهما في آن واحد وفي وقت صعب جداً محلياً كالإرباك السياسي والفساد المستشري والوضع الصحي، وعالمياً كانخفاض أسعار النفط والصراعات الأمريكية الإيرانية السعودية التي تنعكس سلباً على الشأن الداخلي فلم تعد البيئة مناسبة لتطبيق هكذا سياسات بهذا التصميم.
الصدمة الاقتصادية المزدوجة
إن تطبيق تخفيض العملة وتخفيض تعويضات الموظفين بنسب كبيرة وفي وقت واحد؛ بالتزامن مع الركود الاقتصادي القائم بالأساس بفعل كورونا وانخفاض أسعار النفط، يعني تعرض العراق لصدمة اقتصادية مزدوجة نقدية ومالية، دفعت لشل حركة النشاط الاقتصادي وأثارت سخط الشارع ضد الحكومة في وقت هي بأمس الحاجة فيه للاستقرار لأداء مهمتها الرئيسية المتمثلة في "الانتخابات البكرة".
إن ردة فعل الشارع العراقي على الصدمة الاقتصادية المزدوجة الناجمة عن السياسات الحكومية غير المدروسة، دفعت الحكومة إلى إعادة النظر بشأن تخفيض تعويضات الموظفين والتفكير جارٍ في إعادة النظر بتخفيض قيمة العملة لامتصاص سخط الشارع المحتقن بالأساس من الطبقة السياسية برمتها نتيجة لعدم الإيفاء بحقوق الشعب وجعله يعاني الأمرين.
الضريبة التصاعدية أفضل من التخفيض العشوائي
حيث تم اللجوء لسعر الضريبة التصاعدي بدلاً من التخفيض العشوائي لكل المخصصات كما مطروح في مسودة موازنة 2021 قبل التعديل، وهو أفضل بكثير من التخفيض العشوائي لكل المخصصات لأنه أكثر عدالة ويسهم في تقليص التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع، ويستقبله المجتمع والموظفون أكثر من التخفيض العشوائي لكل المخصصات.
كما لا تزال النقاشات مستمرة داخل أروقة أصحاب القرار فيما يخص سعر الدولار ورُبما سيعود تخفيض سعر الدولار ولكن ليس كما كان سابقاً، وهذا هو المنطق السليم.
إذ كان المفترض من البداية إتباع سعر الضريبة التصاعدي مع تبني الأسلوب التدريجي في تخفيض قيمة العملة والدفع بسعر الدولار للأعلى بشكل تدريجي وفق سلم زمني محدد وواضح لدى الجميع كأن يتم رفع سعر الدولار 5 دنانير كل فصل أو كل شهر لتلافي إثارة الشارع والحفاظ على أداء النشاط الاقتصادي من الركود والتخوف بشأن المستقبل.
خلاصة القول، إن العلاج بالصدمة في الغالب لا يجدي نفعاً خصوصاً في المجتمعات الريعية كالمجتمع العراقي، كونها اعتادت النمط الريعي -الاستهلاكي ولا يمكن تغييره بسهولة ما لم يتم اعتماد الأسلوب التدريجي في تغيير هذا النمط والاتجاه به نحو النمط الإنتاجي-الاستهلاكي.