لقاح فيروس كورونا والاقتصاد العراقي
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-12-16 08:21
ترك فيروس كورونا أثراً سلبياً على الاقتصاد العالمي والوطني على حداً سواء بحكم العولمة التي جعلت العالم كقرية صغيرة تنتقل الأحداث وآثارها منها وإليها بسرعة فائقة.
وما أدى إلى تعميق الأثر السلبي لفيروس كورنا على الاقتصاد هو غموض أسباب ظهوره وسرعة انتشاره وعدم وجود علاج مضاد له يقلل من انتشاره فضلاً عن القضاء عليه، فكان الإغلاق التام هو الحل الانجع للحد منه.
فأغلقت الدول ولا زالت حدودها أمام المسافرين، والمصانع أبوابها أمام العاملين، والأسواق أبوابها أمام المستهلكين، فأصبحت التجارة والسياحة والإنتاج وفرص العمل والبيع والشراء، كلها تعاني من الشلل الذي نجم عنه ضعف أداء الاقتصاد عالمياً ومحلياً.
الإغلاق وأسعار النفط
أدى هذا الإغلاق إلى انخفاض أسعار النفط، التي تُعد أبرز مؤشر على أداء الاقتصاد العالمي؛ إلى أدنى مستوياتها، إذ إن الإغلاق دفع إلى توقف الحركة وانخفاض الطلب على السلع والخدمات وتوقف المصانع والشركات مما تسبب في انخفاض الطلب على النفط وزيادة العرض منه وانخفاض أسعاره أخيراً.
ونظراً لتحديد أسعار النفط في الأسواق الدولية لا الأسواق المحلية، بحكم تباين التوزيع الجغرافي للنفط وأهميته المتمثلة في دخوله في أغلب الصناعات؛ أصبحت الدول المنتجة للنفط -ومنها العراق- لا تستطيع التحكم بأسعاره بشكل انفرادي ما لم تتفق مع الدول الأخرى المُنتجة له كما في حال اتفاق أوبك وأوبك بلص وغيرها من الاتفاقات.
وتجب الإشارة إلى إن اتفاق أوبك الأخير، القاضي بتخفيض الإنتاج لأجل رفع أسعار النفط، لم يجدي نفعاً وذلك بحكم قوة الحدث المتمثل في انتشار فيروس كورونا Covid-19 الذي أدى للإغلاق وتوقف الحركة وانخفاض الطلب على النفط بشكل أكبر من تقييد الإنتاج مما يعني زيادة العرض وانخفاض الأسعار أخيراً.
كورونا والاقتصاد العراقي
ونظراً لامتلاك العراق ثروة نفطية كبيرة بالتزامن مع ضعف الإدارة السياسية وغياب رؤيتها الاقتصادية، أصبح النفط يمثل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، مالياً (أكثر من 90% من الإيرادات العامة) وإنتاجياً (أكثر45% من الناتج المحلي الإجمالي) وتصديراً (أكثر من 98% من الصادرات السلعية).
إن ربط الاقتصاد العراقي بالنفط الذي تهيمن عليه الدولة، يعني جعل الاقتصاد العراقي خاضع لتغيرات أسعار النفط الدولية ولمزاج الدولة، أي بلا تنويع اقتصادي وبلا قطاع خاص قوي قادر على خلق الفرص، مما يعني إنه لا يملك الاستقلالية فأصبح تابع وضعيف وهش يسير بشكل تلقائي في ظل النفط والدولة.
إن انحسار الإيرادات المالية النفطية نتيجة لانخفاض أسعار النفط عالمياً وتخفيض الصادرات النفطية التزماً بقرار أوبك بلص القاضي بتقييد الإنتاج على أمل تعافي الأسعار، إضافة للإغلاق الصحي (حظر التجوال) لمنع أو للحد من انتشار فيروس كورونا، كلا الأمرين، المالي والصحي؛ دفعا لزيادة العجز المالي وزيادة الاقتراض وارتفاع نسبة الفقر إلى 31% بعد ما كانت تشكل 20% قبل الإغلاق حسب ما جاء في الورقة البيضاء، والنتيجة هي تدهور الاقتصاد العراقي، وهذه الازمة (المالية والصحية) تُعد فرصة لتطبيق الإصلاح الاقتصادي كما سيتضح لاحقاً.
الآثار الايجابية للقاح فيروس كورونا
وفي مقابل الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا، عالمياً ومحلياً؛ التي اتضحت أعلاه، إن اكتشاف اللقاح المُضاد له ستكون له آثار إيجابية بحكم إعادة الحياة وفتح الحدود وانتعاش الاقتصاد العالمي والمحلي على حدٍ سواء.
حيث بدأت الشركات، في الوقت الحاضر؛ بالعثور على لقاح فيروس كورونا في الدول المتقدمة، وعملت بعضها على تطبيقه وبدأت الدول تجري الاتفاقات والعقود في سبيل الحصول عليه والقضاء على الفيروس.
إن مجرد اكتشاف اللقاح وإشاعة الأمل بعودة الحياة أدى ذلك لارتفاع ما في أسعار النفط، وكلما تكون نتائجه أكثر ايجابيةً وأكثر انتشاراً ستعود الحياة إلى طبيعتها وتزداد الحركة وينتعش الاقتصاد بشكل أسرع.
هذا الانتعاش سينعكس بشكل طبيعي على جميع الاقتصادات وبالخصوص التي يعد النفط العمود الفقري لاقتصادها، كالاقتصاد العراقي؛ لان الاقتصادات التي تعتمد على النفط تضررت مرتين في ظل جائحة كورونا، مرةً بسبب انخفاض أسعار النفط الذي تسبب بارتفاع العجز المالي، وأخرى بسبب الإغلاق الصحي (حظر التجول) الذي تسبب في زيادة الفقر إثر زيادة البطالة بفعل الإغلاق.
فعودة الحياة وزياد الحركة وفتح الحدود، بعد نجاح لقاح فيروس كورونا؛ يعني مزيد من الطلب على السلع والخدمات وهذا ما يستدعي زيادة الطلب على النفط وارتفاع أسعاره في الأسواق الدولية، كما ستؤدي عودة الحياة وزيادة الحركة وفتح الحدود إلى انتعاش الشركات الصغيرة والمتوسطة وتتراجع البطالة والفقر ولكن بنسبة أقل.
أثر لقاح فيروس كورونا على الاقتصاد العراقي
ونتيجة لاعتمادية الاقتصاد العراقي على النفط والدولة بشكل كبير كما أشرنا أعلاه، فان ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة الإيرادات المالية النفطية التي ستقلص من حجم العجز المالي، بلا أدنى شك؛ وعدم اللجوء لسياسة الاقتراض التي تبنتها الحكومة حينما اقترضت مرتين خلال العام الجاري.
إن اكتشاف لقاح فيروس كرونا سيترك أثراً إيجابياً على الاقتصاد العراقي في الأمد القصير من خلال ارتفاع أسعار النفط التي يعتمد عليها من جانب وتقليص القيود الصحية التي فرضت لتلافي انتشاره من جانب آخر.
تأجيل وترحيل الإصلاح الاقتصادي
ولكن بسبب ضعف الإدارة السياسية وفقدانها للرؤية الاقتصادية فإن اكتشاف لقاح فيروس كورونا وتحسن أسعار النفط وتخفيض العجز المالي سيدفع لتأجيل مسألة الإصلاح الاقتصادي مرةً أخرى وترحيله لأزمات قادمة كما هو مُعتاد في سيرة الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 ولحد الآن.
إن العمل وفق الفعل وردات الفعل يعطي انطباعا عن غياب دولة المؤسسات والعمل وفقاً للظروف الطارئة وعدم وجود رؤية موضوعية ذات أهداف واضحة وخطوات إجرائية، كل هذا من شأنه أن يجعل الاقتصاد العراقي خاضعاً للنفط والدولة وغير قادر على تلبية متطلبات المجتمع وغير مواكب للنمو للسكاني خصوصاً وإن العراق يتمتع بنمو سكاني عالي، مما يعني استمرار ظهور الأزمات وصعوبة تجاوزها.
الحل بالإصرار على تطبيق الإصلاح الاقتصادي
ولتلافي العمل وفق الظروف الطارئة والحديث عن الإصلاح الاقتصادي في أزمات لاحقة لابُد من الإصرار على تطبيق الإصلاح الاقتصادي وفق منهج موضوعي واضح من شأنه الأخذ بالاقتصاد العراقي من الأحادية النفطية إلى التنويع الاقتصادي ومن الدولة إلى القطاع الخاص لتجعله أكثر استجابةً للمجتمع العراقي الذي يتسم بارتفاع النمو السكاني وأكثر قوة ومتانةً في مواجهة الأزمات وتخطيها بسلاسة أو بأقل الخسائر.
إن الأزمة الحالية لتطبيق الإصلاح الاقتصادي تعد فرصة نادرة لأنها لامست الجميع وأصبح الأغلب من خلالها على علم بمدى ضعف الاقتصاد وأصبحت المقبولية أكثر لتطبيق الإصلاح الاقتصادي من أي وقتٍ مضى، وهذا ما لا يحصل سابقاً ورُبما لا يتكرر مستقبلاً، لذلك الأزمة الحالية تعد فرصة نادرة لتطبيق الإصلاح الاقتصادي.
وكما لعبت السلطة التشريعية الحالية (البرلمان) في إجبار الحكومة الحالية على تقديم برنامج للإصلاح الاقتصادي "الورقة البيضاء" فعليها أن تأخذ دورها أيضاً وهو دور مُكمل للدور الأول وتجبر الحكومة في هذه المرة على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بشكل موضوعي وحيادي بعيداً عن التجاذبات السياسية وبعيداً عن الفعل وردات الفعل مع التأكيد على الاهتمام بالشرائح الفقيرة من المجتمع.