التخطيط لمواجهة الأزمات
بروجيكت سنديكيت
2020-09-12 07:12
بقلم: ريكاردو هوسمان
كمبريدج-عندما ترمي كرة تنس على الأرض، فإنها ترتد مرة أخرى. ولكن إذا رميت كأس نبيذ، فسوف يتحطم. واقتصادات العديد من البلدان في حالة سقوط حر. فهل سترتد أم تتحطم؟ وما الذي يمكن فعله لضمان انتعاش قوي؟
وقد لا تكون العواقب الاقتصادية لوباء كوفيد-19 واضحة كما تشير إلى ذلك الأبحاث الجارية مع سيباستيان بوستوس حول الأزمات السابقة. ففي الأزمة المالية العالمية لعام 2008، كانت المراكز المالية مثل الولايات المتحدة وسويسرا من بين البلدان الأقل تضررا، في حين كانت اليونان، ودول البلطيق، وإيطاليا، وإيرلندا، وإسبانيا، والبرتغال، من بين البلدان الأكثر تضررا، حيث كان الناتج الضائع أكبر بنسبة 10 إلى100 مرة.
كذلك، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، خسرت طاجيكستان في آسيا الوسطى، ومولدوفا الأوروبية، وأوكرانيا، ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي الذي وصل إلى أدنى مستوياته، في حين خسرت جارة طاجيكستان، وأوزبكستان، وكذلك إستونيا، وبيلاروسيا (المجاورة لأوكرانيا) أقل من الثلث. وخلال أزمة ديون أمريكا اللاتينية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كانت البلدان الأكثر تضرراً هي بوليفيا ذات الدخل المنخفض، ولكن أيضاً البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، بما في ذلك أوروغواي وتشيلي، في حين كانت أقل البلدان تضرراً هي المكسيك (حيث بدأت الأزمة)، وبَنَما، وهندوراس، وباراغواي. وفي أعقاب الربيع العربي لعام 2011، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في تونس (حيث انطلق الربيع العربي) بنسبة أقل من 2٪ في أدنى مستوياته، بينما لم تعرف مصر أي ركود اقتصادي. وبالمقابل، عانت ليبيا، وسوريا، واليمن، من انهيارات كبيرة.
ومن بين طرق التفكير في العواقب المتباينة للأزمات السابقة هي النظر في ثلاثة مصادر للتباين: حجم الصدمة الاقتصادية، والمرونة التي يستجيب بها الاقتصاد، والعواقب السياسية للصدمة.
وكانت البلدان الأشد تضرراً من أزمة عام 2008 وأزمة ديون أمريكا اللاتينية، هي تلك البلدان التي تعاني من عجز كبير في الحساب الجاري الذي لم يعد بإمكانها تمويله، بسبب انهيار تدفقات رأس المال. وكانت المرونة مرتبطة بالقدرة على استبدال الواردات، وزيادة الصادرات، ومن ثم، سد العجز الخارجي بطريقة أقل انكماشية.
وعانت البلدان غير القادرة على القيام بذل، مثل اليونان أو بوليفيا، من انهيار كارثي في عائدات الإنتاج والضرائب التي تحولت إلى أزمة دين عام. وفي شيلي، تم التعاقد على الدين الخارجي من قبل نظام مصرفي خاص سرعان ما انزلق إلى أزمة، مما تسبب في انهيار عميق للإنتاج. وفي الربيع العربي، كان الاختلاف الرئيسي بين البلدان التي تمكنت من إدارة انتقال سياسي متماسك نسبيًا وتلك التي عانت من انهيار الدولة ومن الحرب.
وأنهى انهيار الاتحاد السوفيتي التحويلات الفيدرالية إلى الجمهوريات، مثل طاجيكستان، ودول الكتلة السوفيتية مثل كوبا، موضحًا عمق الركود. ولكن الانهيار خلق أيضًا عددًا كبيرًا من الحدود والعملات الجديدة، التي دمرت سلاسل القيمة الحالية، وعطلت بشدة الجمهوريات الأوروبية الأكثر تكاملًا مثل مولدوفا، وأوكرانيا.
إذاً، ما هو نوع صدمة كوفيد-19، وما الذي سيحدد من سيعاني أكثر ومن سيعاني أقل؟
إن التأثير الاقتصادي للوباء متعدد الأوجه. فقد كانت عمليات الإغلاق في الأساس صدمة للعمالة (لم يتمكن الناس من الذهاب إلى العمل)، وصدمة طلب أثرت على المدارس والجامعات، والسياحة، والترفيه، والمطاعم، والحانات، وأي نشاط يتطلب تفاعلًا جسديًا. وأدى عدم قدرة الأسر والشركات على دفع الإيجار، وتقديم قروض، واستيفاء احتياجات كشوف المرتبات، ودفع الضرائب، إلى سلسلة من إغلاق الشركات، وفقدان الوظائف، والإجازات، والإفلاس، والعجز المالي المتضخم.
وتختلف البلدان إلى حد كبير فيما يتعلق بالفعالية الوبائية لتدابير الصحة العامة لديها. إذ كانت عمليات الإغلاق الصارمة في أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا أقل فعالية بصورة عامة مما كانت عليه في أوروبا. وهناك عدة عوامل قد تساهم في ذلك: هيكل الأسرة وحجمها ومساحتها؛ سمات القطاع غير الرسمي وقطاع النقل والتجزئة؛ والممارسات الاجتماعية. وكانت بعض البلدان، مثل إسرائيل، فعالة في التعامل مع المرض في المراحل الأولى من انتشاره، ثم ووقعت فريسة لذروة ثانية أكبر.
وهناك ديناميتان أخريان تؤثران على البلدان بصورة مختلفة: تراجع الأرباح الأجنبية (بسبب انخفاض الصادرات، والسياحة، والتحويلات)، والوصول إلى التمويل الدولي.
وتختلف البلدان ليس فقط في حجم هذه الصدمات، ولكن أيضًا في قدرتها على التعامل معها. إذ حشدت بعض البلدان موارد مالية غير مسبوقة لدعم الأسر، والشركات، والبنوك. ولم يكن لدى دول أخرى مثل هذا الحيز المالي. ولدى بعض البلدان أسعار صرف عائمة، وبنوك مركزية ذات مصداقية، مما يمَكنها من اتباع سياسة نقدية مستقلة، وخفض أسعار الفائدة، والانخراط في التيسير الكمي. ولدى دول أخرى أسعار صرف مربوطة بعملات أخرى، أو خاضعة للدولرة، مما يحد بشدة من خياراتها.
ونظرا إلى هذه الاختلافات، لا ينبغي أن نفاجأ عندما نجد تباينات كبيرة في التكلفة الاقتصادية للأزمة. والسؤال هو ما الذي يمكن فعله لضمان عودة الاقتصادات بأسرع ما يمكن.
ولتقصير الفترة التي سيقيَّد فيه النشاط الاقتصادي من خلال عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، يتعين على البلدان أن تعمل الآن لتأمين الوصول إلى اللقاحات، وتطوير استراتيجيات التلقيح الخاصة بها. وفضلا عن ذلك، من شأن اتفاقية متعددة الأطراف لدعم الاعتراف المتبادل بجوازات السفر الصحية أن تمكن السفر الدولي من التعافي بسرعة أكبر.
وفضلا عن ذلك، تحتاج البلدان بشدة إلى الاستثمار في قدرتها على التعلم من بياناتها الخاصة حول كيفية زيادة فعالية سياسات التباعد الاجتماعي مع تقليل الخسائر الاقتصادية. كما أنها بحاجة إلى تزويد الأسر الفقيرة بإمكانية الوصول إلى الإنترنت.
وبالنسبة للسياسة المالية، تحتاج البلدان إلى التخطيط لمزيد من الدعم الهائل للاقتصاد في عام 2021، والتمويل المسبق لاحتياجاتها التمويلية المستقبلية الآن، استعدادًا لما يعِد بعلاقة معقدة مع الفيروس، ونقاط الضعف المالية المتزايدة للمستهلكين، والشركات، والبنوك، وأسواق العملات.
ويجب أن تفكر الحكومات أيضًا في حزمة التعافي الاقتصادي بعد التطعيم، ويجب على المؤسسات المالية إنشاء صناديق أسهم خاصة من أجل الاستثمار في الشركات الواعدة ذات الميزانيات العمومية المتعثرة. وأخيرًا، يتعين على الحكومات تقديم التزامات الآن بشأن سياساتها المتوسطة الأجل المتعلقة بالضرائب وبالإنفاق، حتى تُطَمئِن أسواق رأس المال والمؤسسات المالية الدولية على قدرتها على خدمة الديون المتزايدة التي ستحتاجها لإدارة الأزمة.