فشل سياسات البنك الدولي: قروض التسويات الهيكلية مثالا

حاتم حميد محسن

2020-04-02 04:15

بموجب اتفاقية برتن وودز عام 1944 تم تأسيس اثنين من المؤسسات الدولية تتبنّيان إقراض الدول النامية وهما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. البنك الدولي هو مؤسسة تقوم بتوفير تمويل طويل الأجل لأغراض التنمية في الدول النامية، اما صندوق النقد الدولي فهو يقوم بتجهيز الدول النامية بتمويل قصير الأجل لمساعدتها في مشاكل ميزان المدفوعات.

وفي السنوات الاخيرة لم يعد التمييز سهلا بين هذين النوعين من الاقراض، حيث ان البنك الدولي ابتعد عن تمويل المشاريع الخاصة مثل المدارس والمستشفيات والطرق وأخذ يقدّم برامج مساعدات وهي عبارة عن تمويل لحكومات الدول النامية لكي تنفذ سياسات تتطلب تغييرات اقتصادية ومؤسسية واسعة. هذا النوع من التمويل يسمى إقراض التسويات الهيكلية SAL، وهو مصمم خصيصا للتأثير على جانب العرض في الاقتصاد عبر زيادة الطاقة الانتاجية، كما انه يختلف عن إقراض صندوق النقد الدولي الذي يسعى اساسا لتحفيز جانب الطلب.

فالأخير يشجع الحكومات على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد عبر تخفيض كل من الائتمان النقدي والسيولة النقدية والانفاق الحكومي. ان كلا المؤسستين تفرضان شروطا على المقترضين، ومنذ الثمانينات تركزت الشروط على إجراء اصلاحات هيكلية، اي على الدول النامية تحرير اقتصادها وجعل أسواقها تعمل بصورة تامة وتقلل دور القطاع العام في الاقتصاد.

ان سياسات التسويات الهيكلية نشأت نتيجة لسلسلة من الأزمات الاقتصادية العالمية اثناء السبعينات مثل أزمة البترول وازمات الديون والعديد من حالات الركود الاقتصادي. هذه الأزمات قادت صنّاع السياسة ليقرروا ضرورة التدخل العميق في اقتصاديات الدول من أجل تحسين رفاهية شعوبها.

ان شروط البنك الدولي تتضمن نوعين من السياسات:

اولا، سياسات خلق الاستقرار الاقتصادي وتتضمن التالي:

1- خفض العجز في ميزان المدفوعات من خلال خفض قيمة العملة

2- خفض العجز في الموازنة من خلال فرض ضرائب عالية وتقليل الانفاق الحكومي.

3- إعادة هيكلة الديون الاجنبية.

4- سياسة نقدية لتمويل عجز الحكومة (على شكل قروض من البنوك المركزية للدول المعنية).

5- إلغاء الدعم الحكومي للسلع الغذائية الاساسية.

6- رفع سعر الخدمات العامة وخفض اجور العمال.

ثانيا، السياسات الطويلة المدى وتتضمن:

1- تحرير الاسواق لضمان حركة آلية الاسعار.

2- الخصخصة الجزئية او الكلية للمشاريع المملوكة من قبل الدولة.

3- ايجاد مؤسسات مالية جديدة.

4- تعزيز حقوق المستثمرين الاجانب.

5- تركيز الانتاج على سلع التصدير المباشر واستخراج المعادن.

6- زيادة استقرار الاستثمار عبر السماح للمستثمرين الاجانب بافتتاح شركات جديدة.

7- تقليل الانفاق الحكومي عبر وسائل مثل تقليل حجم العمالة في قطاع الحكومة.

الانتقادات

هناك العديد من الانتقادات التي ركزت على مختلف عناصر التسويات الهيكلية. هذه السياسات ثبت فشلها في العديد من الدول. في افريقيا، بدلا من ان تساعد التسويات الهيكلية على خلق نمو سريع، نجد كان لها تأثيرا سلبيا. النمو الاقتصادي في الدول الافريقية في الثمانينات والتسعينات هبط الى ما دون مستويات العقود السابقة. الزراعة عانت بعد ان سحبت الدول النامية دعمها لها. الدول الافريقية التي نالت استقلالها في الستينات باشرت التصنيع في اماكن معينة لكن جميع تلك الصناعات قد اختفت الآن.

الانتقادات تتلخص بالتالي:

1- القروض تهدد استقلالية الاقتصادات الوطنية لأن المنظمات الخارجية تفرض سياساتها الاقتصادية على البلدان. البعض اعتبر هذا شكل حديث للكولنيالية عبر تقليل مقدرة الحكومات على تنظيم اقتصادها الداخلي، كذلك خلقت تلك السياسات مسارات جديدة للشركات المتعددة الجنسية للدخول لتلك الدول والاستحواذ على مواردها.

2- كانت الخصخصة احدى شروط البنك الدولي، وبموجبها يتم خصخصة الصناعات المملوكة للدولة. المشاريع الملوكة للدولة يجب ان تُباع سواء كانت تخلق ربحا ام بدونه. يرى المنتقدون انه عندما تنتقل الموارد الى الشركات الاجنبية او الى النخب الوطنية، فان هدف الازدهار العام سيُستبدل بهدف التراكم الخاص. كذلك، الشركات المملوكة للدولة قد تتحمل خسائر مالية لأنها تقوم بدور اجتماعي مثل توفير سلع وخدمات للناس واطئة الكلفة.

3- ادّى التقشف الى خفض الانفاق على التعليم الجامعي والانواع الاخرى للتعليم وهو ما ادّى بدوره الى خفض النمو الاقتصادي الطويل الأجل. كذلك ادّى خفض الدعم الصحي الى زيادة الامراض مثل الايدز وبالتالي تحطيم قوة العمل.

لقد قام (Jone Harrigon) (1) بدراسة لتقييم أثر قروض التسويات الهيكلية على النمو في الناتج القومي الاجمالي، وظهر ان تلك القروض كان لها تأثيرا ايجابيا ضعيفا جدا على النمو في البلدان المستلمة لتلك القروض، بينما بدا لها تأثير سلبي على الاستثمار. ان الشروط التي قُصد منها تحفيز جانب العرض في الاقتصاد (اصلاح مالي، خصخصة، تحرير الاسعار المحلية) هي ذات طابع طويل الاجل، اما ظروف الفقر التي تتطلب قروض التسويات الهيكلية ستبقى هي السائدة في المديين القصير والمتوسط. الشروط مجتمعة ادّت الى انكماش الدخل والاستثمار وبشكل أضر في النمو الطويل الأجل.

ومهما كانت الأسباب فان قروض التسويات الهيكلية كانت نتائجها مخيبة للآمال، وهو ما يشير الى عدم وضوح العلاقة بين المساعدات والتنمية.

...........................................
الهوامش
(1) Harrigon,J and Mosley، تقييم تأثير قروض التسويات الهيكلية للبنك الدولي 1980-1987، مجلة دراسات التنمية، 1991، عدد27، رقم 3، ابريل ص9-13.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة