دور النفط في الاقتصاد العراقي
مالياً وتجارياً وإنتاجياً
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-03-10 04:42
يعتمد العراق على النفط بشكل كبير وذلك لامتلاكه احتياطيا نفطيا كبيرا فأصبح النفط هو المحرك الرئيس لأغلب نشاطاته الاقتصادية إنتاجياً وتجارياً ومالياً.
الخصائص
ونظراً لاختلاف الموارد الطبيعية والبشرية والأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من بلد لآخر ومن وقت لآخر، فإن لكل بلد خصائص معينة يتصف بها، والعراق أحد تلك البلدان حيث يتصف بمجموعة خصائص على مستوى الموارد والأنظمة يمكن إجمالها بالآتي:
الموارد
- الموارد الطبيعية، يحظى العراق بالموقع الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب، ويتميز بتنوع إشكال الأرض وجودتها التي تتيح تنوع النشاطات المختلفة، ويمتلك الكثير من الموارد، كالنفط والفوسفات (10 بليون طن ثاني أكبر في احتياطي بعد المغرب) والكبريت(600 مليون طن صاحب الاحتياطي الأول عالمياً)[i] وغيرها.
- الموارد البشرية، بلغ عدد سكان العراق أكثر من 38 مليون نسمة عام 2018، وتشكل فئة الشباب نسبة كبيرة منه، مما يعني إن العراق يتمتع بقوة عاملة جيدة تمثل حجر الأساس في البناء والتقدم لو تم استثمارها وتوظيفها بالاتجاه الصحيح.
الأنظمة
- النظام الاقتصادي، حيث تم تبني وتطبيق نظام التخطيط والذي يعتمد على تدخل الدولة في الاقتصاد، منُذُ خمسينيات القرن الماضي وحتى عام 2003، وتراجع دور الدولة خلال حقبة التسعينات بسبب ضعف إيراداتها النفطية كنتيجة للعقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من تبني نظام السوق بعد عام 2003 إلا إنه لم يُطبق بشكل واضح وسليم لحد هذه اللحظة وذلك لأسباب عديدة[ii].
- النظام السياسي، لم يرى العراق استقراراً سياسياً منُذُ تأسيس الدولة على أقل تقدير، حيث عانى من الاحتلالات الخارجية العثمانية والبريطانية والأمريكية، والانقلابات السياسية من الملكية للجمهورية عام 1958، والتحولات السياسية من الشمولية للديمقراطية عام 2003، ولحد هذا اليوم لم يرى استقراراً سياسياً.
- النظام الاجتماعي، يتصف المجتمع العراقي بتنوع الهويات الفرعية المتمثلة بالعشائرية والدينية والطائفية والعرقية وغيرها، والمشكلة لا تتعلق بتنوع الهويات بقدر ما تتعلق بطغيانها على حساب الهويات الرئيسية المشتركة المتمثلة بالهوية الإنسانية والهوية الوطنية.
دور النفط في الاقتصاد العراقي
يمكن تناول دور النفط في الاقتصاد العراقي من جانبين الأول ذاتي يتعلق بذات القطاع النفطي من حيث الاحتياطي والإنتاج، والثاني اقتصادي يتعلق بمساهمة النفط في الإيرادات العامة والصادرات السلعية والناتج المحلي الإجمالي، وكما يلي:
1- القطاع النفطي في العراقي: الاحتياطي والإنتاج
على مستوى الاحتياطي، فالعراق يمتلك احتياطي نفطي هائل يُقدر بـ 147 مليار برميل عام 2018، جعله يحتل المرتبة الخامسة عالمياً بعد كل من فنزويلا والسعودية وكندا وإيران، علماً إنه كان يحتل المرتبة الثانية من 1986-2008 حسب بيانات أوبك، ولكن سبب التراجع هو استمرار البلدان النفطية في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط في الوقت الذي توقف العراق لمدة طويلة في هذا المضمار لأسباب تتعلق بغياب كفاءة النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي, وكما تمت الإشارة لهذه الأنظمة آنفاً.
وتجب الإشارة إلى مسألة التوقعات، حيث تشير الكثير من البحوث ذات العلاقة[iii]، إلى إن العراق لديه احتياطيات نفطية محتملة تصل إلى أكثر من 500 مليار برميل، وهذا الرقم المرعب إذا ما تحقق وتم تأكيد مستقبلاً بشكل فعلي، سيضع العراق على رأس قائمة الدولة ذات الاحتياطيات الهائلة.
وعلى مستوى الإنتاج، فقد كان الإنتاج العراقي بشكل عام والنفطي بشكل خاص متذبذباً وفقاً لطبيعة الأحداث وعدم الاستقرار، فقد تطور إنتاجه من 972 ألف برميل كمتوسط عام 1960إلى 3.477 مليون برميل عام 1979 وسرعان ما انخفض إلى 897 ألف برميل كمتوسط يومياً عام 1981.
وأخذ يتحسن حتى بلغ 2.113 مليون برميل عام 1990 وإذا به يصبح 282 الف برميل عام 1991، وأخذ يتحسن مرةً أخرى بشكل تدريجي حتى بلغ 2.181 مليون برميل عام 1998 واستمر على هذا المنوال حتى 2002.
وسرعان ما انخفض إلى 1.378 مليون برميل كتوسط عام 2003، وأخذ يتذبذب بشكل طفيف لكن الاتجاه العام هو الارتفاع حتى بلغ 4.410 مليون برميل عام 2018 وهذا الإنتاج يمثل أعلى نقطة إنتاج في تاريخ العراق[iv].
2- دور النفط في الاقتصاد العراقي: المالية العامة، التجارة، الناتج
فعلى مستوى المالية العامة نلاحظ هناك ارتفاع واضح في نسبة مساهمة الإيرادات النفطية من الإيرادات العامة، كونها شكلت ما نسبته 89.7% من الإيرادات العامة في حين لم تشكل الإيرادات الأخرى بمجموعها 10.3% من الإيرادات العامة، والمتمثلة بالضرائب على الثروات والدخول 3.2%، الضرائب السلعية وسوم الانتاج 2.1%، إيرادات أخرى 1.6%، الإيرادات التحويلية 1.5%، الرسوم 1.0%، حصة الموازنة من ارباح القطاع العام 0.8%، الإيرادات الرأسمالية 0.1%.
وفي المقابل، نلاحظ إن القسم الأكبر من النفقات العامة يذهب نحو الجانب التشغيلي (الاستهلاكي) لا الرأسمالية (الاستثماري)، حيث شكلت النفقات التشغيلية ما نسبته 82.91% من النفقات العامة، والتي أكثر من نصفها، اي بنسبة 83.4% من النفقات التشغيلية، يذهب لتعويضات الموظفين. في حين لم تشكل النفقات الاستثمارية سوى 17.8% من النفقات العامة، علماً إن 80.6% من هذه النسبة تذهب نحو القطاع الصناعي وبالتأكيد إنها تذهب نحو الفرع الاستخراجي وليس التحويلي، في حين لم يشكل الإنفاق الاستثماري أكثر من 0.6% على قطاع التربية والتعليم!! الذي يمثل حجر الأساس للتقدم الاقتصادي.
وعلى مستوى التجارة، فقد كانت مدفوعةً بفعل النفط، إذ نجد إن التجارة الخارجية بشقيها، الصادرات والاستيرادات، تشكل ما نسبته 62.60% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، هذا من جانب حجم التجارة الخارجية في الاقتصاد.
ومن جانب آخر، نجد إن الصادرات النفطية (نفط خام+منتجات نفطية) تشكل ما نسبته 99.98% من قيمة الصادرات السلعية. وحينما نقوم بتقسيم الصادرات النفطية على حجم التجارة سنحصل على مساهمة النفط في التجارة الخارجية والتي 65.28%، مما يعني إن النفط يهيمن على التجارة الخارجية.
وأخيراً، فيما يخص الناتج المحلي الإجمالي، فعند النظر للتقارير والإحصاءات الاقتصادية، نجد إن النفط يشكل63.7% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، ويشكل 91.85% من القطاعات الإنتاجية بشكل خاص في عام 2018.
وتجدر الإشارة إلى، إن الأنشطة الإنتاجية تمثل حجر الأساس بالنسبة للأنشطة الأخرى كالتوزيعية والخدمية، بمعنى إن الأنشطة الأخرى -كالتوزيعية مثلاً- لم تحصل لولا وجود الأنشطة الإنتاجية، وإن هيمنة النفط على هذه الأخيرة يعني ارتباط الأنشطة الأخرى بالنفط، وهذا هو الخطر الرئيس لان كل ما يتعرض له النفط ستتعرض له تلك الأنشطة بحكم الارتباط السلبي لا الايجابي المتمثل في دعم الأنشطة الإنتاجية، لخلق قاعدة إنتاجية متينة، ومن ثم الأنشطة الأخرى.
إن هذه النسب[v]، نسبة النفط في الناتج المحلي الإجمالي والتجارة والمالية العامة، تعطيك الصورة الحقيقية لمدى هيمنة النفط على الاقتصاد العراقي وأصبح هو المحرك الرئيس له، ولا ضير من مساهمة النفط في الاقتصاد، لان هناك تجارب تُثبت انتعاش الاقتصاد بمساهمة النفط كالتجربة النرويجية على سبيل المثال، ولكن المشكلة في هيمنته على الاقتصاد بسبب سوء الأنظمة آنفة الذكر، والتي تسببت في خلق الكثير من المشاكل كالبطالة والفقر وسوء التعليم وتفشي الأمراض وغيرها.
الخلاصة
ومن أجل التخلص من هذه المشاكل الناجمة عن الهيمنة النفطية لابُد من العمل أولاً على معالجة تشوه النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ثم العمل على معالجة مسألة الهيمنة النفطية من خلال توظيف العائدات النفطية بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق التنويع الاقتصادي بعيداً عن الأحادية وما يرافقها من مخاطر آنية ومستقبلية، ومن خلال الاستعانة بالتجارب الناجحة في هذا المجال وكذلك التعلم من أخطاء الآخرين.