كل العيون على كوريا الجنوبية

بروجيكت سنديكيت

2020-02-25 04:30

بقلم: جيم اونيل

لندن ـ تحظى كوريا الجنوبية باهتمام كبير هذه الأيام. في وقت سابق من هذا الشهر، فاز الفيلم الكوري "الطفيلي" عن المخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو، بجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار. بعد قراءة المراجعات ومشاهدة الفيلم قبل أيام قليلة، لم أكن مُندهشا. ومع ذلك، بالنسبة للأشخاص العاديين، تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم بلغة أجنبية بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم. اليوم، يبحث الكثيرون حول العالم عن المزيد من الأمثلة على روعة كوريا الجنوبية - من الموسيقى الشعبية الكورية الجنوبية "K-pop" إلى مصممي أحدث موضة للأزياء.

لا يربط المرء عادة بين الاقتصاد والتفوق. ومع ذلك، أشرت منذ فترة طويلة إلى كوريا الجنوبية باعتبارها واحدة من دراسات الحالة الاقتصادية الأكثر إثارة للاهتمام التي ظهرت في حياتي المهنية. لم يضاهي أي "اقتصاد ناشئ" آخر نجاحها على مدى السنوات الأربعين الماضية. شهدت كوريا الجنوبية، التي يصل عدد ساكنتها إلى 50 مليون نسمة، نمواً أسرع في الدخل مقارنة بأي دولة أخرى مماثلة الحجم. من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تحولت كوريا الجنوبية من كونها قريبة من معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى مستوى معيشة مشابه لمستوى إسبانيا.

في الواقع، يروي فيلم "الطفيلي" أو "باراسايت" قصة الفقراء والأغنياء في مدينة سيول، كما يُوجه انتقادات حادة لعدم المساواة في كوريا الجنوبية المعاصرة. ومع ذلك، فإن أبرز نجاح في كوريا الجنوبية هو تقلبها المنخفض نسبياً في نمو الدخل مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى التي حققت دخلا مرتفعا. يشير معامل جيني لكوريا الجنوبية (وهو مقياس لعدم المساواة في توزيع الدخل) إلى أن توزيع دخلها أكثر مساواة من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية.

ما هي الدروس التي يمكن لباقي بلدان العالم تعلمها من كوريا الجنوبية؟ لنبدأ بالبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. كما أشرت عدة مرات، يمكن أن يُعزى النمو الاقتصادي طويل الأجل بشكل أساسي إلى عاملين رئيسيين. يتمثل العامل الأول في حجم ونمو القوى العاملة في البلد. ببساطة، من السهل نسبيا تحقيق نمو أقوى في اقتصاد يضم عددا كبيرا من العاملين الشباب - الأمر واضح وبسيط. هذه العوامل هي أساس قصص النمو في الصين والهند على مدى العقود القليلة الماضية.

لكن القوى العاملة النشطة والمتنامية ليست كافية. فشلت العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وباكستان وحتى الهند (في بعض الأحيان) في جني الفوائد المحتملة لعدد كبير من الشباب. في الواقع، غالبًا ما تعتبر الحكومات في هذه البلدان حجم سكانها عبئًا، لأنها فشلت في تحقيق العامل الثاني للنمو: المكاسب الإنتاجية المستمرة.

هذا هو العامل الرئيسي الذي يجعل كوريا الجنوبية فريدة من نوعها. لأي سبب من الأسباب، فإن معظم البلدان التي حظيت بنمو قوي في الإنتاجية على مدار الأربعين عامًا الماضية كانت تضم عددًا أقل من السكان. إلى جانب كوريا الجنوبية، تُعد الولايات المتحدة الاستثناء الخاص الآخر، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 300 مليون نسمة وكانت تحظى بنمو قوي في الإنتاجية حتى وقت قريب.

خلال فترة عملي في بنك "جولدمان ساكس" في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين، قمت بالإشراف على إنشاء مؤشر لمراقبة اتجاهات النمو المستدام. وهو يتكون من العديد من المتغيرات التي تبدو حاسمة بالنسبة للإنتاجية: قوة الحوكمة والمؤسسات، والاستثمارات في التعليم، والانفتاح على التجارة والاستثمار، واعتماد التكنولوجيا واختراقها، وغيرها.

في دراسة هذه الاتجاهات، وجدت أن الأكثر إثارة للاهتمام لم يكن فقط النتائج رفيعة المستوى السنوية، ولكن أيضًا الارتباط القوي بين المتغيرات المحددة ومتوسط الدخل. لم تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأولى ضمن أفضل 20 دولة فحسب، بل احتلت أيضًا المرتبة الأولى في المؤشرات الرئيسية مثل استخدام التكنولوجيا. لقد دخلت هذه الدولة عصر الكمبيوتر في وقت مبكر، ونجحت في تحقيق تقدم كبير في هذا المجال.

نظرا إلى تصنيفها المتدني في ذلك الوقت، فقد نصحتُ في كثير من الأحيان صناع السياسة في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بدراسة كوريا الجنوبية ومحاولة محاكاة نموذجها. أود تقديم هذا الاقتراح مرة أخرى، لاسيما في حالة نيجيريا، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أفريقيا، والذي يُعد مصدرا رئيسيا للثقافة العالمية، خاصة في مجالات الموسيقى والأفلام.

علاوة على ذلك، هناك سبب للاعتقاد بأن كوريا الجنوبية قد تتفوق في النهاية على العديد من الدول الغنية الأخرى أيضًا. بعد كل شيء، يبدو أن استجابتها للتحديات العالمية المستمرة كانت أكثر فاعلية من استجابة ألمانيا، التي كان يُعتقد حتى وقت قريب أنها تُمثل قصة نجاح اقتصادي مستمر.

هذا لا يعني أن الكوريين الجنوبيين يعيشون حياة خالية من المشاكل. تُواجه البلاد العديد من التحديات الهائلة، ليس أقلها التباطؤ الاقتصادي الصيني وتغير المناخ، الذي يتطلب تطوير ونشر أشكال أنظف من الطاقة والنقل. لن يتمكن أي بلد تقريبًا من تجنب آثار هذه القوى، لذلك فإن السؤال الحقيقي هو من سيتمكن من التكيف بشكل أفضل.

وبالمثل، تحاول البلدان في مراحل مختلفة من التنمية للتكيف مع آثار التكنولوجيات الجديدة. ومع ذلك، على الأقل فيما يتعلق بالولوج إلى شبكة الجيل الخامس 5G فضلا عن أحدث موجة من تقنيات المعلومات والاتصالات، يبدو أن كوريا الجنوبية تتفوق بالفعل على الولايات المتحدة.

أنا لا أعرف أي بلد سيحقق أفضل أداء في العقود المقبلة. لكنني أعتقد أننا سنولي المزيد من الاهتمام لكوريا الجنوبية مستقبلا، مع أو بدون جوائز الأوسكار.

* جيم اونيل، الرئيس السابق لإدارة الأصول في جولدمان ساكس ووزير خزانة بريطاني سابق، ورئيس مجلس إدارة شاتام هاوس
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا