مبدأ تكافؤ الفرص وغياب الاستقرار في العراق

حامد عبد الحسين الجبوري

2019-07-11 07:44

يُعد مبدأ تكافؤ الفرص من المبادئ المهمة التي تكفل سيّر الحياة بشكل أكثر انسيابية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً...إلخ، فينتج استقرار الوضع العام اخيراً. بمعنى آخر، هناك علاقة وثيقة بين تكافؤ الفرص والاستقرار، فكلما يُطبق مبدأ تكافؤ الفرص بصورة أكبر شمولية وأكثر دقة، كلما يتحقق الاستقرار بشكل أكبر مساحة وأعمق رسوخاً، وعليه يمكن القول إن مبدأ تكافؤ الفرص أساس الاستقرار.

العدالة والمساواة ركيزتا تكافؤ الفرص

لا يمكن تناول مبدأ تكافؤ الفرص دون الإشارة للعدالة والمساواة، كونهما يمثلان صُلب تكافؤ الفرص، فالعدالة تعني إعطاء كل ذي حقاً حقه، بناءاً على الحاجة الضرورية كونها أبسط واهم حق للإنسان في هذه الحياة كالمأكل والملبس والمأوى وغيرها -والكفاءة- أي من يحظى بالفرصة الكفؤ وليس غير الكفؤ، فيما تعني المساواة هي عدم التمييز بين المواطنين أمام القانون، لأسباب دينية أو اجتماعية أو عرقية أو جغرافية أو جنسية أو غيرها، فتكافؤ الفرص يرتكز على تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد.

ظل مبدأ تكافؤ الفرص في العراق يعاني التغييب والإهمال لمدة طويلة من الزمن، حيث يتمتع الفرد بالفرص، خصوصاً الفرص الاقتصادية كالحصول على فرصة استثمارية أو وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص، ليس على أساس حاجته أو كفاءته بل على معايير المحسوبية والمنسوبية بناءاً على الانتماء السياسي أو الديني أو الطائفي أو الجغرافي او العشائري أو غيرها، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، يتمتع الفرد بالفرص بناء على الفساد الذي انتشر في أغلب -إن لم تكُن- كل الدولة، حيث لا يمكن إنجاز أبسط معاملة مالم تأخذ حصتها من الفساد، وكأنه أصبح قانون لا يمكن تجاوزه، والمواطنون متساوون أمامه! وإذا لم تأخذ قسطها منه، فحينئذٍ تتطلب مدة زمنية أضعاف مما تتطلبها ليتم إنجازها، أو لم يتم انجازها أصلاً، وتذهب الفرصة لمن يسلك طريق الفساد بعيداً عن الشفافية والمهنية!

آثار غياب تكافؤ الفرص

من أبرز آثار غياب تكافؤ الفرص في العراق هو تعطيل الكثير من الموارد، التي يمتلكها، وأهما الموارد البشرية حيث لجأ البعض منها إلى الهجرة والهروب والبعض الآخر ظل معطلاً عن العمل حتى بين صفوف حملة الشهادات العليا التي تجاوز عدد المُعطل منها 4000 حامل شهادة عليا، فما بالك بالنسبة للشرائح الأخرى؟!.

أن عدم تلبية الفرد لاحتياجاته كنتيجة لعدم حصوله على فرصة عمل مع تمتع بعض الأفراد بها بفعل المحسوبية أو المنسوبية أو الفساد، ستولًد مزيداً من الضغوط النفسية التي تدفعه للعمل غير المشروع، إذا لم تؤثر على سلامته الفكرية والبدنية، ويكون بيئة خصبة للأفكار والأعمال الارهابية، وربما تدفعه إلى الانتحار أخيراً.

كذلك يؤثر على الموارد الأخرى من حيث تعطيلها أو سوء استثمارها، فعند إهمال توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب يعني تعطيل استثمار الموارد كون الشخص الذي تم توظيفه بناءاً على المحسوبية والمنسوبية والفساد لا يعرف ولا يدرك مدى أهمية استثمار الموارد وكيف ستنعكس إيجابياً عليه وعلى مجتمعه واقتصاد بلده، وسيهتم بتحقيق مصالحه الخاصة أو يهتم لاستثمارها لكنه جاهل بالقواعد والأساليب الصحيحة لاستثمارها فيُهدر الكثير منها بسبب سوء استثمارها، ناهيك عن هدر الوقت الذي لا يُثمن بثمن.

أسباب غياب تكافؤ الفرص

يقف خلف تقويض مبدأ تكافؤ الفرص في العراق، خصوصاً بعد عام 2003، مجموعة من الأسباب أهما:

خطأ عملية التحول: من أكبر الأخطاء التي ارتكبت في العراق، عمداً أو سهواً، هي عملية التحوّل من حيث الآلية ومن حيث الأولوية أو التناغم، فمن حيث الآلية تم استخدام التحوّل المفاجئ وبشكل مزدوج.

أمّا من حيث الأولوية والتناغم فلم يكُن التحوّل مدروس وفق سُلَّم الأولويات وأهما التحوّل الاجتماعي ثمّ التحوّل السياسي وأخيراً التحوّل الاقتصادي أو العكس التحوّل الاقتصادي ثمّ التحوّل السياسي لكن المهمّ هو التحوّل الاجتماعي هو أن يكون أوّلاً. كما لم يحصل التحوّل بشكل متناغم بين التحوّلات الثلاثة وبمسافات مُتقاربة.

فالتحول العشوائي أسهم في إرباك الوضع العراقي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولم يكُن لتكافؤ الفرص مبدأ يُذكر، حيث لم تكُن الصورة واضحة أمام الجميع ليعرفوا كيف يعملون انسجاما مع الصورة الجديدة وفق النظام الجديد، فكان الجميع يسير كما كانت الأمور تسير قبل عام 2003 في الوقت الذي تغيرت فيه قواعد اللعبة بشكل كامل تقريباً.

غياب المؤسسات وضعفها: ان استشراء الفساد، الذي يحتل العراق بموجب مؤشره العالمي المرتبة 168 من أصل 180 دولة في عام 2018، وسوء مناخ الأعمال، الذي يحتل العراق بموجب مؤشره المرتبة 171 من أصل 190، يوضحان بدرجة كبيرة مدى هشاشة المؤسسات والتي انعكست على واقع الاقتصاد العراقي قبل وبعد عام ٢٠٠٣، كنتيجة لانعكاسها في بداية الأمر على تكافؤ الفرص. ويمكن القول حتى خطأ عملية التحول الذي حصل عام ٢٠٠٣ كان نتيجة لغياب دولة المؤسسات، لأنه في حال وجود المؤسسات ورسوخها وارتفاع كفاءة أداءها سيتم عتق المؤسسات وقراراتها من أهواء وأمزجة الأشخاص الذين يكونون محل اتخاذ القرار، ولا يمكنهم التصرف وفقاً للمحسوبية والمنسوبية والفساد.

ريعية الاقتصاد العراقي: من المعروف أن الاقتصاد العراقي اقتصاد احادي الجانب في أغلب مؤشراته انتاجياً ومالياً وتجارياً وعملاً.

حيث يشكل النفط ما نسبته 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 90% من الصادرات السلعية، وأكثر من 90% من الايرادات المالية، كما لم يسهم في توليد فرص العمل إلا بشكل محدود جداً، فهيمنة الريع النفطي وانخفاض أهمية القطاعات الأخرى في الاقتصاد من جانب وانخفاض فرص العمل التي يولدها من جانب آخر، أسهما في توليد المزيد من الضغط على مبدأ تكافؤ الفرص بفعل تفاقم مشكلة البطالة التي تصل إلى 40% حسب بعض التقديرات.

كما أن توفر الريع النفطي وضعف الوعي الاقتصادي لدى الجهات الحاكمة بكيفية إدارته بما يحقق الصالح العام أو تغافلها عن الإدارة الجيدة من جانب، وضعف الوعي الاقتصادي لدى المحكومين، وإغفال الدور الذي ينبغي أن يمارسوه، من جانب آخر، أسهما في ضياع تكافؤ الفرص، لان هناك أشبه ما يكون بعقد غير مكتوب بين الحاكم والمحكوم مفاده " النفط مقابل الضرائب" أي النفط للحاكم وأتباعه مقابل إعفاء المحكوم من الضرائب!

النتيجة

فتحالف هذه العناصر الثلاثة، خطأ عملية التحول وغياب المؤسسات قبل عام 2003 وضعفها بعد عام 2003 وريعية الاقتصاد العراقي، جعلت مبدأ تكافؤ الفرص يذهب ادراج الرياح.

فبما أن عملية التحول لم يكن مخطط لها فكيف يكون لمبدأ تكافؤ الفرص حضوراً فاعلاً؟! وإن غياب المؤسسات وضعفها يعني ارتجالية القرارات وتغيُّرها مع تغير المدير والرئيس، وبعدها عن الشفافية والمهنية والاقتراب من المحسوبية والمنسوبية التي لا تتسق مع تكافؤ الفرص.

وما زاد الطين بِله، وجعل تكافؤ الفرص ابعد وأصعب تطبيقاً، هو حجم البطالة الناجمة عن ريعية الاقتصاد، فكلما يزاد الاقتصاد ريعيةً مع غياب الإدارة الكفوءة، تزداد صعوبة تطبيق تكافؤ الفرص، لان الطبقة الحاكمة ستحظى بالأموال الريعية وتوجهها نحو قنوات تستطيع من خلالها تحقيق مصالحها الخاصة بعيداً عن بناء اقتصاد قوي قائم على تكافؤ الفرص.

توصيات

ومن أجل العمل على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص لابد من الأخذ بالنقاط أدناه:

أولاً: تقوية مؤسسات الدولة، لان تقويتها يعني محاربة المحسوبية والمنسوبية والفساد، والعمل على تطبيق العدالة والمساواة لجميع المواطنين دون أي تمييز فيتحقق تكافؤ الفرص.

ثانياً: تحسين البيئة الاستثمارية، حتى يكون الاقتصاد العراقي جاذب للاستثمار ومُولِد لفرص العمل وكلما تزداد الأخيرة كلما تزداد إمكانية تطبيق تكافؤ الفرص بشكل أكبر.

ثالثاً: الابتعاد عن ريعية الاقتصاد العراقي والاتجاه نحو تنويعه، واستثمار العائدات النفطية بالشكل الذي يحقق العدالة بين المواطنين والأجيال كونه ثروة عامة لا يمكن اقتصارها لمواطن وجيل لحساب مواطن وجيل آخر.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2019
www.fcdrs.com

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا