هل تصبح مبادرة الحزام والطريق فخا للصين؟
بروجيكت سنديكيت
2019-05-26 08:50
بقلم: ياشنغ هوانغ
كامبريدج ــ كثيرا ما يزعم النقاد أن الصين تستغل "مبادرة الحزام والطريق" الضخمة كشكل من أشكال "دبلوماسية فخ الديون" التعسفية لفرض سيطرتها على الدول التي تنضم إلى برنامجها العابر للحدود الوطنية للاستثمار في البنية التحتية. هذا الخطر، كما أشارت ديبورا براوتيجام من جامعة جون هوبكنز مؤخرا، غالبا ما يكون مبالغا في وصفه من جانب وسائل الإعلام. في الواقع، قد تحمل مبادرة الحزام والطريق نوعا مختلفا من المخاطر يهدد الصين نفسها.
في قمة الحزام والطريق الأخيرة في بكين، بدا أن الرئيس الصيني شي جين بينج يدرك جيدا انتقاد "فخ الديون" الموجه للصين. حيث قال شي في خطابه إن "إنشاء بنية تحتية عالية الجودة، ومستدامة، ومقاومة للمخاطر، وبأسعار معقولة، سيساعد البلدان على تحقيق الاستفادة الكاملة من مواردها".
هذه إيماءة مشجعة، فهي توضح أن الصين أصبحت أكثر وعيا بآثار الديون الناجمة عن مبادرة الحزام والطريق. حيث خلصت دراسة أجراها مركز التنمية العالمية إلى أن من بين 63 دولة مشاركة في المبادرة، هناك 8 دول معرضة لخطر "العجز عن سداد الديون".
ولكن كما قال جون مينارد كينز في جملته الشهيرة، "إذا كنت مدينا لمصرفك بمائة جنيه، فستواجه مشكلة. لكن إذا كنت مدينا لمصرفك بمليون جنيه، فسيواجه هو مشكلة". وفي حالة مبادرة الحزام والطريق، قد تتحول الصين إلى المصرفي الذي يدين له شخص ما بمليون جنيه.
على وجه التحديد، قد تقع الصين ضحية "نموذج المساومة بالتقادم"، الذي ينص على أن المستثمر الأجنبي يفقد قدرته على المساومة كلما زاد استثماره في بلد مضيف. وتعد مشاريع البنية التحتية مثل تلك التي تندرج في إطار الحزام والطريق مثالا تقليديا على ذلك، لأنها ضخمة الحجم، ومثبتة على الأرض، وستنعدم قيمتها الاقتصادية إذا تركت دون أن تكتمل.
من غير المستغرب أن بعض الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق تطالب الآن بإعادة التفاوض على الشروط، وعادة يحدث ذلك بعد البدء في تنفيذ المشاريع. وقد تضطر الصين إلى تقديم المزيد من التنازلات المواتية لتلك الدول من أجل الإبقاء على المشاريع في مسارها الصحيح. على سبيل المثال، أعلنت ماليزيا في منتصف أبريل/نيسان أن مشروع سكك حديدية رئيسي تابع للمبادرة، سبق تعليقه من قبل الحكومة بعد انتخابات العام الماضي، سيجري الآن تنفيذه "بعد إعادة التفاوض". ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، فقد خفضت تكاليف البناء بمقدار الثلث. ومن المحتمل أن تطلب دول أخرى من مبادرة الحزام والطريق إعفائها من الديون، والتي سيتحمل المدخرون الصينيون تكاليفها في النهاية.
قد يخبئ مستقبل مبادرة الحزام والطريق تكاليف إضافية تتحملها الصين. بادئ ذي بدء، من الصعب جني الأموال من مشاريع البنية التحتية. وبرغم الاعتقاد السائد بأن الاستثمار في البنية التحتية يعزز النمو الاقتصادي، فإن الأدلة على حدوث ذلك ضعيفة. في الواقع، شيدت الصين نفسها الكثير من بنيتها التحتية الحالية بعد أن أخذ نموها في التزايد. في الثمانينيات والتسعينيات، على سبيل المثال، نمت الصين بوتيرة أسرع من الهند، على الرغم من امتلاكها شبكة سكك حديدية أقصر. وفقا للبنك الدولي، في عام 1996، بلغ طول خطوط السكك الحديدية في الصين 56,678 كيلومترا (35,218 ميل)، بينما بلغ طولها في الهند 62,915 كيلومترا. لم يكن النمو الصيني مدفوعا بمشاريع البنية التحتية، بل بالإصلاحات والاستثمارات في رأس المال البشري. وإذا لم يتحقق النمو في الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، فقد ينتهي المطاف بالشركات الصينية إلى تحمل التكاليف.
أضف إلى ذلك أن العديد من الدول المشاركة في المبادرة الصينية هي دول محفوفة بالمخاطر - بما في ذلك باكستان، المستفيد الرئيسي من الاستثمارات في إطار المبادرة. فبالإضافة إلى ارتفاع المخاطر السياسية والاقتصادية ومخاطر التخلف عن السداد، تقدم البلاد أداء ضعيفا في مؤشرات التعليم. وفقا لأحد التقارير، احتلت باكستان المرتبة 180 من بين 221 دولة في مجال محو الأمية. هذا مؤشر إنذار محتمل للاستثمارات الصينية في باكستان، حيث تشير الأبحاث إلى أن الاستثمارات في البنية التحتية المادية تعزز النمو فقط في البلدان التي تنعم بمستويات عالية من رأس المال البشري. والواقع أن الصين نفسها استفادت من استثماراتها في البنية التحتية لأنها استثمرت أيضا بكثافة في التعليم.
كما لا ينبغي أن نقارن مبادرة الحزام والطريق بمشروع مارشال، برنامج المساعدات الأميركية للمساعدة في إعادة بناء أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، كمثال على أن مشاريع الاستثمار الواسعة النطاق من شأنها أن تعزز النمو. لقد كان مشروع مارشال ناجحا جدا -وبتكلفة تعادل جزءا بسيطا من تكلفة مبادرة الحزام والطريق - لأنه ساعد الدول التي تتمتع بحكم جيد في العموم والتي تعطلت مؤقتا بفعل الحرب. كانت المساعدات في هذه الحالة بمثابة حافز للنمو. لكن على النقيض من ذلك، تعاني العديد من دول الحزام والطريق من مشاكل اقتصادية وحكومية، وتفتقر إلى المتطلبات الأساسية للنمو. لذلك فإن مجرد تعزيز بنيتها التحتية لن يكون كافيا.
وأخيرا، من المحتمل أن تعمل مبادرة الحزام والطريق على تقوية القطاع العام في الصين، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تفاقم أحد التهديدات طويلة الأجل لاقتصادها. وفقا لدراسة أجراها معهد أميركان إنتربرايز، شكلت الشركات الخاصة 28٪ فقط من استثمارات مبادرة الحزام والطريق في النصف الأول من عام 2018 (أحدث البيانات المتاحة)، بانخفاض بلغ 12 نقطة مئوية مقارنة بنفس الفترة من عام 2017.
النطاق الهائل لمبادرة الحزام والطريق، إلى جانب تدني ربحية القطاع الحكومي الصيني، يعني أن المشاريع المدرجة في إطار المبادرة قد تحتاج إلى دعم كبير من البنوك الصينية. وعندئذ، حتما ستتنافس استثمارات الحزام والطريق على التمويل - وموارد النقد الأجنبي التي تزداد ندرة - مع القطاع الخاص المحلي في الصين، الذي يواجه بالفعل عبئا ضريبيا مرتفعا إلى جانب ضغوط الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تستمر الشركات الغربية، وهي عنصر مهم في القطاع الخاص الصيني، في الانسحاب من البلاد. حيث قامت العديد من الشركات الأميركية، بما في ذلك أمازون وأوراكل وسيجيت وأوبر - وكذلك شركتي سامسونج وإس كيه هاينكس من كوريا الجنوبية، وتوشيبا وميتسوبيشي وسوني من اليابان - إما بتخفيض عملياتها في الصين أو قررت الانسحاب تماما. ونتيجة لذلك، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر للولايات المتحدة في الصين 2.6 مليار دولار في عام 2017، مقابل 5.4 مليار دولار في عام 2002.
هذا التطور يبعث على القلق. فمن خلال مبادرة الحزام والطريق، توثق الصين علاقاتها مع بعض أكثر دول العالم استبدادية وتخلفا اقتصاديا وافتقارا إلى الشفافية المالية. وفي نفس الوقت، تؤدي الحرب التجارية، والقطاع العام الذي يزداد قوة باستمرار، وسياسات الحماية، إلى توسيع الفجوة بين الصين والغرب.
نمت الصين وطورت قدرتها على تنفيذ مشاريع مبادرة الحزام والطريق لسبب محدد هو أنها فتحت اقتصادها للعولمة والتكنولوجيا والخبرة الغربية. لكن مقارنة بعلاقات البلاد مع الغرب، قد تنطوي المبادرة على مخاطر وجوانب غامضة قد تمثل إشكالية للاقتصاد الصيني. ومع تباطؤ اقتصاد الصين، وعدم وضوح آفاق صادراتها بسبب العوامل الجيوسياسية، تجدر إعادة التفكير في سرعة ونطاق وحجم مبادرة الحزام والطريق.