السياسة والاقتصاد في العراق
من الطلاق الشكلي إلى الزواج التعيس
حامد عبد الحسين الجبوري
2019-04-20 07:28
يُعد الزواج بين الديمقراطية والسوق زواجاً تعيساً لان الطلاق بين الشمولية والاشتراكية كان طلاقاً شكلياً مع عدم تغيير ثقافة المجتمع
هناك علاقة بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي حيث لا يمكن لبلد ما تبني نظاماً سياسياً دون ان يتبنى نظاماً اقتصادياً والعكس الصحيح، وبالتأكيد ان مستوى أداء كلا النظامين يكون مرهونا بالوعي الاجتماعي المُستمد من خلفياته التاريخية والفكرية والاجتماعية.
اعتمد العراق قبل عام 2003 النظام السياسي الشمولي ذو الحزب الواحد منذُ خمسينات القرن الماضي وخصوصاً مرحلة الحكم الصدامي بالتزامن مع النظام الاقتصادي الاشتراكي القائم على تدخل الدولة في الاقتصاد الذي أخذ يتمركز بشكل أكبر بمرور الزمن إلا في الظروف الحرجة كالحروب والحصار الاقتصادي التي أجبرت الدولة على السماح للقطاع الخاص بممارسة النشاط الاقتصادي.
الزواج: شمولي اشتراكي
ويمكن القول بشكل عام ان ما حصل قبل عام 2003 هو تزاوج حميم بين النظام الاشتراكي والنظام الشمولي كما هو الحال في تزاوج نظام اقتصاد السوق والنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة الامريكية، وذلك بفعل التقارب بينهما، حيث يمسك النظام الشمولي بجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فيشرع القرارات وينفذها وفقاً لرؤيته وطموحه، على العكس من النظام الديمقراطي الذي يستمد سلطته من الشعب ويسعى لتلبية طموح الشعب وتطلعاته فهو من يشرع ويراقب عبر البرلمان الممثل عن الشعب السلطة التنفيذية المتمثلة بالجهاز الحكومي، ويقاضي ويحاسب عبر السلطة القضائية المستقلة بعيداً عن التحيز لصالح المسؤولين.
بالمقابل فان النظام الاشتراكي يقوم على الدولة التي تمسك بموجبه كل وسائل الانتاج وتتخذ جميع القرارات الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك والادخار والاستثمار والاستيراد والتصدير وخلق فرص العمل عبر التخطيط المركزي، عكس نظام اقتصاد السوق القائم على القطاع الخاص والمنافسة والاسعار الحرة وحياد الدولة وعدم تدخلها في الاقتصاد إلا في مجالات محدودة. وعليه فالنظام الاشتراكي هو أكثر انسجاماً مع النظام الشمولي كما اقتصاد السوق أكثر انسجاماً مع الديمقراطية.
ذرية الزواج: ثقافة تابعة اتكالية
ان اعتماد زواج النظام الشمولي والنظام الاشتراكي لمدة ليست بالقليلة أدى إلى حمل صفات هذين النظامين خلال تلك المدة وترسيخها في المجتمع العراقي حتى كانت الولادة ثقافة تابعة سياسياً استجابةً للقمع الذي مارسه الحكم الصدامي وثقافة اتكالية اقتصادياً استجابة لهيمنة الدولة على الاقتصاد بدءً بالملكية ومروراً بالإنتاج والتوزيع وانتهاء بالاستهلاك، ثقافة المجتمع لا يمكن تجاوزها بحال من الاحوال خلال مدة زمنية قصيرة إذا ما أُريد تبني نظام جديد على المستوى السياسي والاقتصادي.
فكلا النظامين يُعدان من الأنظمة الاجتماعية ولابد عند تبني نظام اجتماعي جديد ان يسبقه تغيير ثقافة المجتمع التي كانت سائدة وفق النظام السابق إلى ثقافة جديدة تنسجم مع رؤية النظام الجديد حتى تستطيع أن تستقبل النظام الجديد وتتفاعل معه لتحقيق الأهداف بأسرع الاوقات وأقل الكلف، والعكس صحيح في ظل تبني نظام اجتماعي جديد دون أي تغيير لثقافة المجتمع وبقاءها على ما هي عليه، سوف لن تتحقق الأهداف وحتى وإن كانت ستتحقق فهي بالتأكيد ستحتاج إلى مدة زمنية طويلة بالتزامن مع ارتفاع التكاليف المادية والمالية الطبيعية والبشرية.
الطلاق الشكلي والزواج التعيس
في عام 2003 تم الطلاق بين النظام الشمولي والنظام الاشتراكي في العراق وإعلان الزواج بين النظام الديمقراطي واقتصاد السوق الذي لايزال زواجاً تعيساً بحكم الطلاق الشكلي من جانب وذرية الزواج السابق المتمثلة بثقافة التبعية والاتكالية لتي لاتزال حاضرة، من جانب آخر.
الطلاق الشكلي
بالنسبة للجانب الأول نلاحظ ان الدولة وعلى الرغم من إعلانها الزواج الجديد إلا إنه لايزال زواجاً تعيساً كون الدولة لاتزال تملك الكثير من عناصر الانتاج وأهمها الارض حيث تملك 80% من الاراضي في ما يملك الاهالي الباقي الذي نسبته 20% حسب خارطة طريق المستثمر التي أعدتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2014، وهذا ما يمثل عقبة أمام الاستثمار الخاص.
كما لاتزال تسيطر على القطاع النفطي وتديره وفقاً لمصالحها وإرادتها بعيداً عن طموح الشعب العراقي باعتباره المالك الحقيقي للنفط دستورياً حسب ما جاء في المادة 111 التي تنص على ان "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في الأقاليم والمحافظات"، فظل الشعب يعاني البطالة والفقر وسوء الخدمات. ان سيطرة الدولة على القطاع النفطي وتوظيف عوائده بشكل سلبي أسهم في توليد المزيد من الآثار السلبية، فمن ناحية إن القطاع النفطي يعد صناعة كثيفة رأس المال أي أنه لا يتطلب المزيد من الأيدي العاملة فزيادة الاعتماد عليه سيسهم في تفاقم حجم البطالة.
من ناحية أخرى، لا يخلو ارتفاع سعر صرف الدينار العراقي الناجم عن زيادة العوائد النفطية وليس الصادرات السلعية الأخرى لان الصادرات النفطي تتجاوز نسبتها الـ 90% من حجم الصادرات الكلية، فزيادة العوائد النفطية وعرض الدولار الامريكي بشكل أكبر من عرض الدينار العراقي ادى الى ارتفاع قيمة الدينار العراقي بنسبة ما وهذا ما جعل السلع المنتجة محلياً أقل تنافسية لأنها أعلى سعراً امام المستورد الأجنبي فخفض الطلب عليها، وهذا ما انعكس على حجم البطالة. فكلا الناحيتين أسهما في جعل معدلات البطالة تصل من 11% حسب الامم المتحدة الى 22.5% حسب وزارة التخطيط وإلى 40% حسب صندوق النقد الدولي نقلاً العديد من وسائل الاعلام.
من ناحية ثالثة لم تسهم الدولة في توفير بيئة استثمارية مناسبة مشجعة ومحفزة للاستثمار الوطني وجاذبة للاستثمار الاجنبي فحسب، بل كانت بيئة طاردة للاستثمار بسبب رداءة الوضع الداخلي سياسياً وأمنياً ومالياً وإدارياً، وخير دليل على ذلك احتلال العراق المرتبة 169 من أصل 180 دولة في العالم في مؤشر مدركات الفساد العالمي عام 2017، واحتلاله المرتبة 168 من أصل 190 دولة في مؤشر سهولة أداء الاعمال حسب تقرير البنك الدولي لعام 2017 أيضاً. وعليه فنتيجة للنواحي الثلاثة فان الطلاق هو طلاق شكلي بين الشمولية والاشتراكية.
الزواج التعيس
اما الجانب الثاني المتمثل بثقافة التبعية (القطيع)والاتكالية لدى المجتمع العراقي على المستوى السياسي والاقتصادي، حيث تم اعلان الزواج الجديد بين الديمقراطية والسوق دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة ثقافة المجتمع المولودة من الزواج السابق، حيث لم يتم العمل على بناء ثقافة اجتماعية تتمثل في مغادرة التبعية للنظام السياسي التي كانت سائدة قبل عام 2003 بفعل القمع، وبناء محلها ثقافة الشعب هو مصدر السلطات عبر المشاركة السياسية والرقابة الشعبية وبمجرد انحراف الحكومة عن طموحه وتطلعاته ينبغي أن يقف صفاً واحداً لتصحيح المسار، وهذا ما لم يحصل وخير دليل هو الواقع المتردي كنتيجة لانحراف الحكومة عن الاداء الصحيح ولم يقف الشعب صفاً واحداً لغياب ثقافة الديمقراطية فضلاً عن تجذرها فيه بل ظلت ثقافة تابعة للنظام السياسي ولم تسعى إلى خلقه وتسييره وفقاً لإرادتها.
وكذا الحال بالنسبة للاتكالية على المستوى الاقتصادي حيث كانت الدولة تقوم بجميع العمليات والنشاطات الاقتصادية إلا في الظروف الحرجة كما ذُكر في مقدمة المقال، فاصبح المجتمع ينتظر ما تقوم به الدولة ليحصل على فرصة العمل ليعتاش عليها ويمول احتياجات عائلته، دون أن يُبادر إلى خلق الفرصة ويعتمد على ذاته في تمويل احتياجاته ونشاطاته، هذه الثقافة انسحبت إلى ما بعد 2003 حين تم اعلان الزواج الجديد القائم على الحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية، وعليه فالزواج الجديد بين الديمقراطية واقتصاد السوق زواج تعيس لعدم تحقق مضمونه الحقيقي.