الاقتصاد السلوكي وتصحيح القرارات الخاطئة
إيهاب علي النواب
2019-02-16 04:45
برز في الاونة الاخيرة مصطلح الاقتصاد السلوكي بشكل واضح، سيما بعد فوز الاقتصادي ريتشارد ثالر بجائزة نوبل للاقتصاد التي تتناول هذا المفهوم في دراسته عن التنبيه، والغايه هو تفسير تصرف الكثير من الافراد بشكل غير عقلاني عند اتخاذ القرارات الاقتصادية كالشراء والبيع والاقتراض وغيرها، وهو مادفع العديد من الحكومات والمنظمات والمؤسسات البحثية والعلمية لمحاولة تطبيق هذا النوع من الاقتصاد على سلوك الافراد لضمان عدم قيامهم بسلوكيات خاطئة في المستقبل.
وتستطيع الحكومات أن توجه مواطنيها نحو الالتزام بسلوكيات أكثر نفعاً، بعيداً عن السياسات التقليدية المرتبطة بالعرض والطلب وأساسيات علم الاقتصاد، واستخدام الاقتصاد السلوكي يساعد على تحريك المستهلكين والمواطنين نحو ما يحقق أهداف الحكومات وسياساتها. من دون تجاهل الصعوبات التي تقف أمام استخدام هذا العلم الحديث كبديل للسياسات المالية والنقدية التقليدية، اذ تشير الأبحاث إلى أن الناس يميلون إلى أن يكونوا غير عقلانيين في كثير من اختياراتهم، ولو استطاعت الحكومات وضع الإطار الصحيح لسياساتها الاقتصادية، يمكنها حينئذ إحداث اختلافات كثيرة في حياة المواطنين، مع تحقيق وفورات مادية، والحكومة وهي تفعل ذلك تنجح بالفعل في زيادة الناتج المحلي ومعدلات النمو، وهو ما يجعلنا نؤكد على أن استخدام الاقتصاد السلوكي لم يعد ترفاً، وإنما هو أحد أهم واجبات المرحلة، وكل ما يتطلبه الأمر هو الاعتراف بأن سلوكيات البشر بها كثير من الاعوجاج، وأن ما يفيد المواطن سيعود بالنفع على المجتمع ككل وفقا ما يراه الباحث الاقتصادي شريف عثمان.
كلفة الفرصة البديلة
ان احدة من أهم الأفكار– التي يساء فهمها – في علم الاقتصاد هي تكلفة الفرصة البديلة. كل ما نقوم به هو قرار ضمني لعدم القيام بشيء آخر. إذا قررت الذهاب إلى محاضرة مسائية، فإنك أيضا تقرر عدم الوجود في المنزل لقراءة قصة ما قبل النوم، إذا قضيت نصف ساعة في تصفح المواقع الإخبارية، فنصف الساعة هذه لايمكنك قضاؤها في مشاهدة كرة القدم، تلك التغريدات الـ40 ألفا كلفتني شيئا ما، لكنني لست متأكدا ما هو. وبالتأكيد لم أفكر في الثمن أثناء تغريدها. هذا الإهمال لتكلفة الفرصة البديلة سمة إنسانية جدا؛ غالبا ما نفشل في تذكر تكلفة الفرص البديلة لخياراتنا.
وهناك توضيح واحد ممتع وإن كان قديما نوعا ما، لهذا هو الخيار بين مشغل أقراص مدمجة مكلف بقيمة ألف جنيه، أو جهاز أقل امتيازا قليلا بقيمة 700 جنيه، وهذا خيار صعب – إلى أن يوضع على شكل خيار بين مشغل أقراص مدمجة ممتاز بقيمة 1000 جنيه أو مشغل بقيمة 700 جنيه، إضافة إلى أقراص مدمجة بقيمة 300 جنيه. في هذه المرحلة، معظم الأشخاص يفضلون بوضوح الخيار الثاني، بالكاد قد تكون تكلفة الفرصة البديلة للمشغل الأكثر تكلفة أكثر وضوحا، ومع ذلك فإن لفت أنظارنا إلى الشيء الواضح يغير قراراتنا.
وكما أوضح دانيال كانيمان في كتاب "التفكير بسرعة وببطء": "عندما نواجه سؤالا صعبا، غالبا ما نجيب على سؤال أسهل بدلا من ذلك، عادة بدون ملاحظة الاستبدال". بدلا من أن نسأل عما إذا كان ينبغي علينا شراء الأسهم في شركة أمازون، نسأل، "هل أحب التسوق مع أمازون؟"
بدلا من التفكير في الصفات القيادية والإدارية لأي مرشح رئاسي، نسأل أنفسنا ما إذا كنا سنستمتع بالإنصات إليهم؟
تريستان هاريس، المدير التنفيذي في مركز التكنولوجيا البشرية، يجادل بأن الخدمات الرقمية التي نستخدمها غالبا ما تقوم بهذا الاستبدال بالنيابة عنا. لنتخيل، كما يقول هاريس، مجموعة من الأصدقاء يسهرون في الخارج، ويحاولون معرفة إلى أين يمكنهم الذهاب للاستمرار في الحديث،
فتراهم يلجأون إلى هواتفهم للحصول على توصية، ويجدون أنفسهم يحدقون في صور على تطبيق إنستجرام، يقول هاريس إن الهواتف تستبدل السؤال، "أين يمكن أن نذهب للاستمرار في الحديث؟" بالسؤال، "ما هو الموضع ذو الصور الجيدة لأطباق العشاء؟" الهواتف ببساطة لا تقترح خيارات مثل العودة إلى شقة شخص ما، أو التنزه على طول الواجهة البحرية.
هذا يحدث طوال الوقت، وغالبا ما لا نلاحظ الاستبدال. عند البحث عن التسلية، نمر عبر العروض على موقع تيندر بدلا من البحث عن أندية محلية أو أنشطة تطوعية.
عند تناول الهاتف للتحقق من الوقت في الصباح، فإن سؤال "ما هو الوقت؟" يتم استبداله بسرعة بسؤال "ماذا فاتني أثناء النوم؟ من وجهة نظر الخبير الاقتصادي تيم هارفو.
هنا يرى البعض بامكانية استخدامه كمنهج في السياسات العامة، وصياغة قرارات تحقق النمو والأهداف المجتمعية من خلال دراسة وفهم سلوكيات الأفراد، وهو ما يشترط فيه أن تكون القرارات جاذبة واجتماعية. وبالتالي فأن اعتماد منهجية الاقتصاد السلوكي قد يكون من شأنها التقليل من نسبة الوقوع في الخطأ فضلا عن الابتعاد عن عد حصول حالة من التحيز في اتخاذ القرارات الصائبة وهو مايزيد من فاعلية السياسات التي تتخذها الحكومات. وبالتالي فإن أنسب الطرق للاستفادة من الاقتصاد السلوكي لصياغة الأنظمة والسياسات العامة، هي توجيه سلوك الناس نحو الخيار الصحيح، وذلك من خلال جعله الخيار الافتراضي، اعتمادا على سلوك الناس للتحيز لـتفضيل الوضع الحالي، وذلك بافتراض انه بمجرد جعل إحدى السياسات خيارا محددا مسبقا لمن لا يختار، يمكن للحكومات أن تصل لمبتغاها من سن القرار المعين دون الحاجة لإجبار الأفراد عليه، وذلك بصورة تبدو اختيارية.