أول عشرين عاما في عمر اليورو
بروجيكت سنديكيت
2019-01-30 04:10
جيفري فرانكل
كمبريدج ــ منذ تقديمه قبل عقدين من الزمن، واجه اليورو تحديات بالغة الخطورة. وحتى الآن، تمكن من النجاة سالما. ولكن ينبغي لنا رغم ذلك في الذكرى السنوية العشرين لميلاد العملة الموحدة أن نحدد المشاكل التي واجهتها، على أمل أن نتعلم من أخطاء الماضي.
كانت إحدى المشاكل الحرجة الأولى متأصلة في تطبيق عملة مشتركة على مجموعة كبيرة ومتنوعة من البلدان: فهي لم تستوف معايير "منطقة العملة المثلى"، كما أشار خبراء الاقتصاد الأميركيون. وبشكل خاص، افتقر الأعضاء إلى المزامنة الدورية. ومن الأصعب كثيرا أن تستمر في غياب الاستقلال النقدي إذا لم تكن احتياجات اقتصادك متوافقة مع احتياجات الدول الأخرى في الاتحاد.
في الفترة 2004-2006، على سبيل المثال، كانت أيرلندا في احتياج إلى سياسة نقدية أكثر إحكاما من تلك التي كان البنك المركزي الأوروبي على استعداد لتنفيذها، وذلك نظرا لفقاعة الإسكان وفرط النشاط الاقتصادي؛ لكنها تنازلت عن سلطة إعادة تقييم عملتها أو رفع أسعار الفائدة. على نحو مماثل، في الفترة 2009-2013، عندما كانت أيرلندا في احتياج إلى سياسة نقدية أكثر تساهلا من تلك التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي، نظرا للركود الحاد، فإنها لم تتمكن من خفض قيمة عملتها، أو طباعة النقود، أو خفض أسعار الفائدة.
كان الخطأ الثاني متمثلا في احتفاظ بعض دول منطقة اليورو الطرفية بعجز ضخم في الحساب الجاري خلال العقد الأول من عمر اليورو. في ذلك الوقت، كان صافي تدفقات رؤوس الأموال الضخم إلى الداخل يُعَد علامة على التكامل المالي الذي يعمل على تحسين الكفاءة. والآن، بات بوسعنا أن نتبين أن اختلالات التوازن، التي تعزى جزئيا إلى ارتفاع تكاليف عمالة الوحدة في الدول الطرفية نسبة إلى ألمانيا، كانت أقل اعتدالا مما كان متصورا آنذاك.
كما حافظت دول عديدة ــ وعلى الأخص اليونان ــ على عجز كبير في الميزانية، فضلا عن مستويات ديون مرتفعة. وقد أكدت بذلك على مخاوف قديمة بين الدول الأعضاء الأكثر ثراء ــ وخاصة ألمانيا ــ التي قد تضطر في نهاية المطاف إلى إنقاذ شركاء مسرفين، والذين تمثل توقعات إنقاذهم حافزا ضارا. وما يُنسَب إلى مهندسي الاتحاد النقدي في أوروبا من فضل أنهم أدركوا المخاطر الأخلاقية باعتبارها نقطة ضعف مركزية، وحاولوا معالجتها من خلال مطالبة الدول بالالتزام بسقف لعجز الميزانية لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وضم فقرة خاصة بعدم الإنقاذ إلى معاهدة ماستريخت.
لكن القواعد المالية أثبتت كونها غير قابلة للتنفيذ. فعمليا، سرعان ما خالفت كل الدول في منطقة اليورو (بما في ذلك ألمانيا) سقف العجز المحدد بنسبة 3%. ورغم أن الحكومات ادعت مرارا وتكرارا أن الأهداف المالية ستتحقق في المستقبل، فإن هذه التوقعات كانت مبنية على توقعات نمو مفرطة في التفاؤل.
ولم يكن من المفيد أن تتمكن حكومات الدول الطرفية المثقلة بالديون فجأة من الاقتراض بنفس أسعار الفائدة التي تقترض بها ألمانيا تقريبا، مع إنشاء منطقة اليورو. وحتى داخل الولايات المتحدة، يتعين على الولايات المثقلة بالديون، مثل ولاية إلينوي، أن تدفع علاوة أعلى على أسعار الفائدة مقارنة بولايات أخرى.
وقد تكرر فشل منطقة اليورو في تحويل المزيد من السلطة المالية إلى المستوى فوق الوطني في مجال التنظيم المصرفي. والواقع أن خبراء الاقتصاد الأوروبيين حذروا من أن التنظيم المصرفي في منطقة اليورو ككل يشكل ضرورة أساسية لضمان استدامة العملة الموحدة في الأمد البعيد، لكن تحذيراتهم كان مصيرها التجاهل. ولكن إحقاقا للحق، لا يمكننا أن نطلق على هذه المشكلات وصف الأخطاء من قِبَل قادة منطقة اليورو، لأن أي محاولة لمعالجتها كانت لتواجه معارضة سياسية ساحقة.
ولكن من ناحية أخرى، أطلق قادة منطقة اليورو النار على أقدامهم فعليا. على سبيل المثال، رفع البنك المركزي الأوروبي عن طريق الخطأ أسعار الفائدة في يوليو/تموز 2008 ثم مرتين أخريين في عام 2011، على الرغم من الركود العالمي.
علاوة على ذلك، عندما اندلعت الأزمة اليونانية في بداية عام 2010، لم يستجب القادة الأوروبيون بفعالية. وبدلا من ذلك، أخروا إرسال اليونان إلى صندوق النقد الدولي وشطب الديون اليونانية، حتى برغم أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي كانت على مسار غير مستدام بوضوح، حتى في ظل التقشف المالي الصارم.
الواقع أن الاندفاع في تنفيذ تدابير التقشف بعد عام 2009 أدى إلى نتائج عكسية بامتياز، حيث تسبب في انخفاض الدخول في الدول الطرفية إلى مستويات تجاوزت كثيرا توقعات المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي. وحتى لو نحينا جانبا التكلفة الاقتصادية الناجمة عن الركود والتكلفة السياسية المترتبة على الغضب السياسي نتيجة للركود، فإن التقشف المالي لم يحقق هدفه المتمثل في وضع البلدان مثل اليونان على مسار استدامة الديون. بل على العكس من ذلك، كان انخفاض الناتج المحلي الإجمالي أكبر من أي انخفاض في الديون، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بسرعة أكبر.
ويشكل تنفيذ تدابير التقشف المالي خلال فترات الأزمات، جنبا إلى جنب مع ارتفاع الإنفاق في سنوات منطقة اليورو المبكرة، سياسة مالية متماشية مع التقلبات الدورية. والواقع أن السياسة المالية اليونانية تُعَد واحدة من أكثرها تماشيا مع التقلبات الدورية على مستوى العالَم. ولا يساعد هذا في وضع منطقة اليورو على أرضية قوية تسمح لها بتحمل أزمات المستقبل.
هذا لا يعني أن اليورو لم يحقق أي نجاحات. فبادئ ذي بدء، كان الانتقال من 11 عملة فردية إلى اليورو سلسا للغاية. وتُظهِر أزمات العملة الأوروبية في عامي 1992 و1993، فضلا عن عمليات سحب العملة الفوضوية الأحدث عهدا في أماكن أخرى، أن الانتقال الناجح لم يكن مضمونا على الإطلاق.
كان النجاح المبكر الثاني، بكل مقاييس الاستخدام الدولي تقريبا، متمثلا في تحول اليورو على الفور إلى ثاني عملة احتياطية عالمية. علاوة على ذلك، أدت الرغبة في الانضمام إلى النادي إلى إصلاحات مبشرة وواعدة في العديد من البلدان الأعضاء الطامحة، وخاصة دول أوروبا الوسطى والشرقية التي انضمت في وقت لاحق إلى الاتحاد الأوروبي.
وتشمل إضافات أخيرة إلى جانب "النجاح" على السجل تقدم بعض الدول الطرفية، وخاصة إسبانيا، في الحد من تكاليف عمالة الوحدة التي كانت غير تنافسية سابقا. ويستحق رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أفضل العلامات لتحقيق التوازن بين الطلب الألماني على الانضباط المالي وحاجة الدول الواقعة على البحر الأبيض المتوسط إلى التسوية. إذ كان إعلانه في يوليو/تموز 2012 أن البنك المركزي الأوروبي سوف يفعل "كل ما يلزم" للحفاظ على اليورو سببا في تهدئة الأسواق، وكانت نقطة تحول بالغة الأهمية في الأزمة.
لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن اليورو حقق في السنوات الأخيرة دعما شعبيا قويا، مع تأييد 64% من المواطنين العملة الموحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وهذا يعطينا الأمل في بقاء الاتحاد النقدي، بل وازدهاره، في المستقبل، إذا تعلم قادة منطقة اليورو من أخطاء الماضي.