هل تنخفض أسعار النفط في 2019؟
المحور التاسع: قطاع الطاقة
الهيئة الاستشارية العراقية للإعمار والتطوير
2019-01-02 07:14
ورقة دراسة موجزة: د. صادق حسين الركابي
مقدمة:
خلال الفترة من (تشرين الأول/أكتوبر-كانون الأول/ديسمبر) من هذا العام 2018 تراجعت أسعار النفط بمقدار 40% وذلك على الرغم من اتفاق (أوبك +) على خفض الانتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً.
الأسباب باتت واضحة فالمعروض في السوق ما زال يفوق الطلب الذي تأثر سلباً بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتراجع معدلات النمو للعديد من الدول المتقدمة والناشئة.
لكن هل سيستمر هذا التراجع في الأسعار خلال الفترة القادمة من العام 2019؟
نحاول من خلال طرح بعض المؤشرات الوصول إلى توقع مناسب لوضع السوق العالمية للنفط وأثر تلك المؤشرات على الأسعار وموارد العراق المالية.
1. العرض والطلب العالميين: بحسب وكالة الطاقة الدولية فإن إنتاج النفط من خارج منظمة أوبك سيرتفع العام القادم بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا في حين أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً. وهذا يعني أنه سيكون هناك فائض يقدر بـ 500 ألف برميل يومياً. وعلى الرغم من أن دول (أوبك +) قررت تخفيض 1.2 مليون برميل إلا أن هذا الخفض لن يكون قادراً على التغلب على فائض المعروض العالمي.
2. دول أوبك: تحتاج موازنات معظم مجموعة الدول المصدرة للنفط إلى أسعار نفط تتراوح بين 70-90 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن المالي وتمويل الانفاق. لكن مع بقاء أسعار النفط تتراوح بين 50-60 دولار على الرغم من خفض الانتاج فإن هذه الدول لن تتمكن من الالتزام، خاصة مع رغبة دول منها العراق وليبيا ونيجيريا في زيادة الانتاج واستعدادها لتطوير حقول جديدة مع انخفاض قدراتها على الخزن.
ومع مرور الزمن ستجد هذه الدول نفسها أمام معضلة حقيقية فهي إما أن تقوم بعملية خفض إضافية ما يضغط بشكل كبير على إنفاقها المحلي أو أن تقوم بخرق الاتفاق وتزيد الانتاج حتى لو كان ذلك بأسعار منخفضة. وأمام زيادة صادرات الولايات المتحدة من النفط يبد أن دول أوبك قد فقدت دورها في التحكم بالأسعار بالإضافة لانخفاض ملحوظ في حصتها السوقية خاصة مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وتراجع انتاج فنزويلا.
3. الولايات المتحدة: بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فقد زاد إنتاجها من النفط الخام في السنوات الأخيرة، حتى وصل إلى معدلات قياسية بلغت 11.7 مليون برميل في اليوم خلال 2018، في حين انخفضت وارداتها النفطية بشكل ملحوظ.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة يتوقع أن يرتفع انتاج الولايات المتحدة العام القادم 2019 ليصل إلى مستوى 12.06 مليون برميل يومياً.
بالنسبة لانتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة فإن معظم الحقول النفطية تستطيع تحمل انخفاض الأسعار لمستوى يصل إلى 42 دولار للبرميل. لذلك فإنه سيكون هناك تباطؤ تدريجي في الحفر لكنه لن يؤدي إلى انخفاض الانتاج. فقد استطاعت التكنولوجيا الحديثة أن تطور أساليب تزيد من كفاءة الانتاج لكل بئر نفطي مع مرور الوقت بالتزامن مع تكاليف أقل من السابق.
بالنسبة للقدرة التصديرية للولايات المتحدة فهي ستزداد خلال الربع الثالث من العام القادم 2019 بسبب انتهاء مشكلة الاختناقات في شبكة الأنابيب والانتهاء من توسعتها. وسيكون بمقدور المستثمرين ضخ كميات أكبر من النفط من حوض Permian وهو من أغزر الحقول النفطية. هذه القدرة التصديرية لن تكون محصورة فقط بالنفط لأنها ستشمل الغاز الطبيعي المسال الذي سيصدر بكميات أكبر لأوروبا وبعض الدول الآسيوية وأهمها الصين.
فيما يتعلق بمخزونات النفط الأمريكية فقد ارتفعت مخزونات النفط الخام من 409.9 مليون برميل في تشرين الأول/أكتوبر إلى 441.5 مليون برميل في كانون الأول/ديسمبر 2018.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية فإن مخزونات الخام الأمريكية سترتفع بواقع 2 مليون برميل يومياً العام القادم 2019.
4. وضع الاقتصاد العالمي: تواجه العديد من الدول تراجعاً في قيمة عملاتها نتيجة رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة أربع مرات هذا العام 2018 ونيته برفعها مرتين العام القادم 2019. وقد ساهم هذا الأمر برفع قيمة الدولار أمام تلك العملات ما جعل تلك الدول غير قادرة على سداد ديونها المستحقة أو خفض دعمها لاستهلاك الطاقة. بالإضافة لذلك فقد تراجعت توقعات معدلات نمو مجمل الناتج المحلي للاقتصاد العالمي من 3.7% في 2018 إلى 3.5% في 2019.
كما تأثرت معظم دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD سلباً بما في ذلك دول مجموعة العشرين الصناعية التي يتوقع أن يتراجع مجمل الناتج المحلي فيها من 3.8% في 2018 إلى 3.7% في 2019. أما ما يتعلق بالصين والهند واللتان تعتبران من أكبر الدول الآسيوية المستوردة للنفط فيتوقع أن تتراجع معدلات النمو فيها خلال العام القادم 2019 بمعدل 0.3% و0.2% على التوالي.
وقد يساهم هذا التراجع الملحوظ في معدلات النمو إلى تراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي والصناعي لتلك الدول ما يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي على النفط.
يتزامن ذلك مع تنامي المخاوف من استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين في الأسواق العالمي وانتشار حالة من عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من بعض الاجتماعات التي جرت بين رئيسي الولايات المتحدة والصين والتصريحات الإيجابية التي صدرت مؤخراً عن الرئيس ترامب بخصوص قرب التوصل إلى اتفاق إلا أن ذلك سيكون له مردود إيجابي على خام تكساس أكثر من خام برنت. فالصين بموجب بوادر الاتفاق الجديد ستزيد من واردات الطاقة من السوق الأمريكية على حساب وارداتها من دول أوبك.
5. العامل الجيوسياسي والتوتر في الشرق الأوسط: قد تساهم التوترات في الشوق الأوسط وما ينجم عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في زيادة التوتر بين إيران وإسرائيل أو عودة الإرهاب لكل من العراق وسوريا وهذا سيساهم بكل تأكيد في رفع أسعار النفط بشكل ملحوظ. بالمقابل من ذلك قد يساهم هذا الأمر في تعطيل إمدادات النفط عبر مضيق هرمز خاصة مع تصاعد وتيرة التهديدات بتوجيه ضربة عسكرية لإيران أو منعها من تصدير نفطها وتهديد الجانب الإيراني بالرد ومنع أية صادرات نفطية عبر الخليج العربي. هذا الأمر سيخدم بالتأكيد السوق النفطية للولايات المتحدة وسيزيد من الطلب على خام تكساس بالإضافة إلى زيادة الانفاق الرأسمالي على تطوير حقول النفط الصخري بكميات أكبر.
العراق في المعادلة النفطية:
أمام ما تقدم فإنه يبدو واضحاً أن العام القادم 2019 سيكون عاماً صعباً بالنسبة للدول النفطية وبخاصة منظمة أوبك حيث أن قدرتها على التحكم بالأسعار ورفعها ستكون محدودة. وبما أن العراق دولة ريعية تعتمد في معظم وارداتها المالية على صادراتها النفطية فإن المسؤولين عن النفط العراقي سيكونون أمام خيارات صعبة. فالعراق الطامح لزيادة انتاجه النفطي يجد نفسه أسيراً لقيدين: الأول الالتزام باتفاق خفض الانتاج والثاني تخمة المعروض في السوق.
بالمقابل من هذا تزداد أعباء العراق المالية خاصة مع نيته إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش وارتفاع النمو السكاني بالتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة. فهل سيكون العراق قادراً على الالتزام باتفاق خفض الانتاج لفترة طويلة؟ وهل سيكون العراق قادراً على تنفيذ مخططات زيادة الانتاج في ظل هذا الاتفاق؟
لقد أصبح تنويع الاقتصاد العراقي ضرورة أكثر من ملحة. ومع تراجع حصة نفط أوبك في السوق العالمية وبروز منافسين آخرين بالإضافة لتحسين كفاءة الاستهلاك عالمياً تصبح قضية الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للإنفاق قضية مصيرية.
لقد ارتفعت ديون العراق الخارجية والداخلية بشكل متسارع وهذا يعكس ضعفاً في الأداء لا سيما وأن ذلك تزامن مع ارتفاع انتاج النفط. وإذا لم يتدارك العراق هذا الأمر فإنه سيكون مضطراً لسداد مستحقاته المالية بكميات كبيرة من النفط بدلاً من القطع الأجنبي.
إن التركيز على زيادة منافذ التصدير النفطية يوفر للعراق استقراراً في تأمين الإمدادات لكنه لا يشكل بالضرورة مزيداً من الواردات المالية لا سيما وأن وضع السوق النفطية العالمية غير مستقر. لذلك يتوجب إعادة النظر في أولويات التنمية وعدم الهدر في الإنفاق خاصة ما يتعلق بمبيعات البنك المركزي العراقي من القطع الأجنبي.
ملاحظة:
لقد حاولت هذه الورقة البحثية تحديد بعض العوامل التي تؤثر سلباً على أسعار النفط خاصة وأن المعطيات تشير إلى مرحلة صعبة وحرجة لمجموعة الدول المصدرة للنفط أوبك والعراق في مقدمتها. لذلك يمكن القول أننا نقرع جرس الإنذار لتنبيه المسؤولين في العراق من انخفاض محتمل في أسعار النفط ونضعهم أمام مسؤولياتهم في إدارة هذا الملف بطريقة أمثل تجنب العراق تراجعاً كبيراً في الإيرادات.