رأس المال الابداعي
كيف نحول الافكار الى مال؟
ندى علي
2018-12-24 06:57
يبدو منطقياً ان نتعامل مع الابداع على انه احد اصول رأس المال فهو يتمتع بخصائص اساسية، وهو ينتج عن استثمار قد يزيده المالك او يغيره، وهو احد المداخيل الهامة للابداع المستقبلي وللمنتجات الابداعية في المستقبل، وهو مكون اساس من مكونات رأس المال البشري، ووفقاً لجورج برنارد شو فأن التعريف الحساس الوحيد لرأس المال قد ورد في اشارة ستينلي – جيفونز العر ضية التي وصفته انه مال مدخر، ويمكننا اعتبار رأس المال الفكري افكاراً مدخرة، ورأس المال الابداعي ابداعاً مدخراً.
فقد يكون رأس المال الابداعي متضمناً في الافكار حول رأس المال البشري، الا ان تلك الافكار كانت تدور حول التعليم والعناية بالصحة، فالاصول الاساس في مدرسة هي معارف مدرسيها فيما يتعلق بالموضوعات التدريسية، مثل كيفية تعليمها على سبيل المثال، وليست محتويات هذه الموضوعات وتعتمد العناية بالصحة على معارف الكوادر المتعلقة بالمواد الطبية والتمريضية وليس فقط بمهارتها المعترف بها مهنياً، بل كل ما يعلمونه حول عملهم بما في ذلك كيفية ادخال الراحة الى صدور اقارب المرض، وغالباً مايشار الى الاصول البشرية هذه بكلمات من قبيل السمعة والشهرة، الا انها اكثر مركزية مما تشير اليه هذه الكلمات، وهي ليست وصفاً لشيء آخر بل الشيء نفسه، الا انها تبقى مخفية، فقد سبق لــ بيل غايتس من مايكروسوفت ان قال ضمن كتاباته في دورية "تقرير الاعمال الاستراتيجي" التي تصدرها كلية التجارة في لندن: "ان اصولنا الاساس، التي هي برمجياتنا ومهارات تطوير البرمجيات لدينا، لا تظهر على اي جداول رقمية، اذ انها تبدو غالباً غير ذات معنى من وجهة نظر محاسبية بحتة"، وقد اكد مدير مجلس ادارة كوكا كولا ان اصولها الفكرية تتمتع بقيمة رأسمالية اكبرمن جميع ما لديها من اراض ومكاتب ومعامل وعربا ووحدات تعبئة، على غرار مايكروسوفت، مجبرة قانونيا على اعطاء قيمة اكبر للاخيرة في حسابتها السنوية.
وتعتمد العناية بالصحة وهي لم تتضمن مثل هذه المواهب الغامضة على انها ابداع سوي مؤخراً، وربما يكون ايضاً قد ورد في تنويعات من رأس المال الفكري لكن سطحياً فقط ولابد من تعريفه بشكل كامل.
طبيعة السوق الابداعية
ان التعامل مع رأس المال الابداعي على انه رأس مال يساعد على فهم طبيعة السوق الابداعية التي نجدها من وجهة نظر الدفاتير المحاسبية سوقاً رأسمالية بقدر ماهي سوق للحسابات الجارية، واسواق رأس المال تمثل مناطق للمضاربة بالمعنيين اللذين تحملهما هذه الكلمة، اي انها عالم ضبابي من الصفقات التي تجري مرة واحدة اكثر منها ميدانياً للانتاج الجماهيري، ورأس المال تعوزه الصفات الاساسية للاقتصاديات التقليدية، فهو قلما يعتبر سلعة او بضاعة موحدة والعرض والطلب فيه مائعان، والمعلومات لايتم مشاركتها بل وليست تامة وغالباً ما يعمل الناس على انفراد معتمدين على ذاتيتهم وعلى الدوافع التي تبدو غير عقلانية، انه عالم من الشخصيات والوعود والاحداث والحوادث.
ويظهر الابداع عندما نأخذ رأس المال الفكري الذي يعود لنا او لشخص آخر ونظيف اليه قيمتنا الشخصية لنصنع منه رأس مالاً جديداُ واصيلاً، وما من معيار ذهبي ولا من سعر رسمي للمقايضة وقد تكون فكرة احدهم غير مثيرة لأهتمام شخص اخر او غير مفيدة بالنسبة اليه، والمال هو المال، الا ان الفكرة قد تكون جيدة او سيئة او غير ذات اثر، او قد تكون سيئة يوماً وجيدة في اليوم التالي.
الاصول الخفية
وعرف ان طرائق المحاسبة التقليدية لاتصرح سوى عن الاصول المادية والمالية للشركة وتتجاهل الموارد الفكرية لكوادرها، وهي تقييس مالدى الشركة ولاتفلح في تناول ماتعرفه الشركة في حسابها، فأخذ يشير الى الاخيرة على انها الاصول الخفية للشركة، وكان يعتقد بالضبط ان معظم الشركات كانت تقرر مستقبلها بناءاً على اصولها الخفية وليس على اصولها المادية.
يحتسب القسم الاكبر من الرأس المال الخفي من خلال اسماء الماركات، فالكثير من الماركات الاولى والتي كانت تعتمد على اسم التاجر نفسه او على ظروفه الشخصية ولاتكلف شيء اصبحت اليوم تساوي المليارات، وقد قامت شركة انتربراند المتخصصة في مجال الماركات بحساب اسم دزني، الذي كان بالاصل مجانياً، بقيمة 32 مليار دولار، اي مايشكل 61% من اجمالي رسملة سوق الشركة، اذ تبلغ رسملة سوق دزني 52 مليار دولار، وقدرت انتربراند ان 59% من رسملة السوق لكوكا كولا التي بلغت 120 مليار دولار في العام 2004، كانت تعزى الى اسم الماركة، وبلغت هذه بالنسبة لدى نايك 77%.
كسب المال بالإبداع
تتنوع استراتيجيات الاستثمار، فقد نضع مالاً تحت الفراش وتنفرج على قيمته وهي تتلاشى امامنا، او قد ننفقه او قد نستثمره على امل زيادته، وعلى غرار ذلك يمكننا ان نترك رأس المال الابداعي يرقد في سباته او ننفقه او نستثمره.
يكسب رأس المال الابداعي عندما تتم ادارته وعندما يوضع له هدف، وهو يزدهر على افضل وجه ضمن البنى الصغيرة المرنة والتي تسمح بسيادة المفكرين الذين يعملون بدوام كامل، ومكاتب الشبكات بما فيها من عاملين عند الطلب، وهو يحتاج الى ادارة الحقوق اي الى معرفة متى يمكن او متى يجدر تحويل الافكار الى ملكيات، وافضل الطرائق فعالية من حيث الكلفة لتنفيذ ذلك، وافضل طريقة لأستثمار هذه الحقوق، فالمدير المبدع يكشف عن الاصول الفكرية التي تقبع خفية في الشركات وفي النهاية في عقولنا.
حتى منتجات المستهلك التي تبتاع في المتجر او مايتم تحميلها قد تصبح رأس مال، فقد يبدو انه ما من فرصة لمزيد من الاستثمار في أنا كمستهلك، فشروط المبيعات تمنع ذلك بالفعل، الا ان قوى اقتصاد الابداع لاتستسلم بهذه السهولة، ومن شأن استخدام منتجي الجديد ان يلهمنا الهاماً يجعلنا مبدعين، وهكذا تبدء دورة الابداع من جديد.
يلخص كل ذلك اقتصاد الابداع، فالمادة الخام هي الموهبة البشرية، اي موهبة امتلاك افكار جديدة واصيلة وتحويل هذه الافكار الى رأس مال اقتصادي ومنتجات يمكن بيعها، اما موارد الانتاج الحاسمة في الاقتصاد التقليدي فهي اقل اهمية هنا ولو انها تبقى اساساً لاغنى عنها في بعض القطاعات، وتكون كذلك دوماً وستصبح اكثر اهمية في جميع الصناعات مع عبور المنتجات الابداعية لسلسلة القيمة.
العملة الاثمن
والعملة الاثمن هنا ليست المال وانما الافكار والملكية الفكرية غير المحسوسة وشديدة القابلية للحركة، وتضع ادارة الابداع ربحيتها في الاعمال المقاولاتية الفورية المؤقتة المخصصة حسب الغرض منها، وهي تتوجه بالتعليم اكثر منها بالتقانة، والاستثمارات في مجال التعليم والبحث والتفكير تزيد من قيمة الابداع ومن فعاليته تماماً كما تفعل الاستثمارات في الاصول الرأسمالية الاخرى.
ان المرجح بالنسبة الى اقتصاد الابداع هذا ان ينمو متجاوز جميع المجالات الاقتصادية الاخرى، وكما يفيد مكتب براءات الاختراع الامريكي فأن"الاتجار بالمحتوى الابداعي يوفر القاعدة الاقتصادية التي تنمو عليها البنية التحتية العالمية للمعلومات"، وتفيد المفوضية الاوربية "ان المحتوى سيوجه التقانات الجديدة"، وحسب بل تقوم على اقتصاد حديث كامل من البرمجيات الى الاحذية.
ان اقتصاد الابداع يعزل الاقتصاديات التي تساعدنا على فهم الموضوعات التجارية والادارية، الا ان تأثيره اوسع من ذلك، فالطريقة التي نعامل بها اقتصاديات الافكار والابتكارات تؤثر بوضوح على جميع الجوانب الاجتماعية والثقافية والايدولوجية والسياسية، وطريقة اتخاذنا للقرارات والشخص الذي يتخذها، وما اذا كانت ملكية الافكار والابتكارات يجب ان تكون خاصة او عامة، لكل ذلك اثر كبير على نوع المجتمع الذي نقوم ببنائه لأنفسنا.
ان مجتمعنا يخنق موارده الابداعية او يسيء استخدامها، ويعتمد عقد الملكية غير الصحيح، لن يكتب له النجاح، لكننا اذا استوعبنا اقتصاد الابداع الجديد هذا وقمنا بأدارته، فأن الافراد سنتفعون وسينال الجميع مكافآته.