الاستهلاك المظهري: بين هدر الموارد وغياب الانموذج
إيهاب علي النواب
2018-11-24 05:00
يرتبط الاستهلاك بشكل عام وفقاً للنظرية الاقتصادية وبشكل كبير بدخل الفرد المتحصل عليه كنتيجه لما يقدمه من اعمال وخدمات، ويتزايد هذا طردياً بزيادة مستوى هذا الدخل وقيمته الحقيقية، الا ان هناك نوع من هذا الاستهلاك يسمى بالاستهلاك المظهري او التفاخري او الترفي يرتبط بالعوامل الاجتماعية والعادات اكثر من ارتباطه بالدخل ليشكل نموذج مغاير لانماط الاستهلاك المعروفة، هذا النمط الاستهلاكي تم دراسته وبحثه من قبل الاقتصادي والاجتماعي الامريكي (ثورستين بوند فيبلن) والذي يعد من مؤسسي الاقتصاد المؤسسي.
ﻓﻠﻘﺩ ﺍﻗﺘﺭﻥ ﺍﺴﻤﻪ ﺒﺎﻻﺴﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭﻱ ﺇﺫ ﺃﻥ ﺃﻭل ﺍﺴﺘﻌﻤﺎل ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻻﺼﻁﻼﺡ كان ﻤﻥ ﻗﺒﻠﻪ ﻓﻲ كتابه ﺍﻟﻤﻭﺴﻭﻡ ﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﺭﻓﺔ ﻋﺎﻡ 1899 وفيه يحلل ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻻﺴﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭﻱ ﻭﻋﻼﻗﺘﻪ ﺒﺎﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻓﺎﻻﺴﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭﻱ ﻴﺸﻌﺭ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﺒﺎﻟﺘﻔﺎﺨﺭ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﻫﻲ ﻭﻴﻌﻁﻴﻪ مركزا ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎﹰ ﻤﺭﻤﻭﻗﺎﹰ ﻓﻴﻌﺩﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻀﻭﺍﹰ ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺴﺘﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﻭﻴﺭﻯ ﺒﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻔﻘﻴﺭﺓ ﻴﻁﻤﺤﻭﻥ للانتماء ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﻫﺫﺍ لاﻴﺘﻡ ﺇﻻ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺩﺨﻭﻟﻬﻡ ﻤﻌﺘﺭﻙ ﺍﻻﺴﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭﻱ.
ﻭﺒﺸﻜل ﻋﺎﻡ ﻓﺈﻥ ﻓﻴﺒﻠﻥ ﺭكز ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻟﻠﻁﺒﻘﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻻﺴﺘﻬﻼﻙ، ﻭﻴيبن ﻭﻟﻴﺎﻡ ﺒﻥ ﻓﻲ كتاﺒﺎﺘﻪ ﻋﻥ ﺍﻻﺴﺘﻬﻼﻙ ﺇﻥ ﻤﺎ ﻨﻨﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺯﻴﻨﺔ ﺍﻟﺯﺍﺌﻔﺔ ﻴﻜﻔﻲ لكساء ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺭﺍﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ .ويذكر ﺃﻴﻀﺎﹰ ﺇﺫﺍ ﺘﻤﺜﻠﺕ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﺒﺎﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﻭﺤﺴﻥ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﻓﺈﻨﻨﺎ ﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻟﺘﺨﻠﺹ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﻘﻴﻀﻴﻥ ﺍﻹﻓﺭﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﻌﻭﺯ. ويرى ﺘﺸﺎﺭﻟﺯ كارتر ﺃﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﻨﻔﻘﻭﻥ ﺃﻤﻭﺍﻟﻬﻡ ﻓﻲ شراء ﻤﻌﻁﻑ ﻏﺎﻟﻲ ﺍﻟﺜﻤﻥ ﻫﻡ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺸﻌﺭﻭﻥ ﻓﻲ قرارة ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ ﺒﻀﻤﺎﻨﺔ كاﻓﻴﺔ ﺃﻭ ﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻤﻘﺩﺭﺘﻬﻡ ﻟﻠﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ مكانه ﺨﺎﺼﺔ. ﻭﺇﺫﺍ كانت ﺍﻟﺭﻏﺒﺔ ﻗﻭﻴﺔ ﻟﻠﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ مكانه ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻀﻔﻴﻬﺎ ﻗﺩﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﺨل ﻻ ﺘﺭﺘﺒﻁ ﺒﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺩﺨل ﺒل ﺃﺜﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﺒﺸﻜل ﻴﻀﻤﻥ ﺍﺴﺘﻤﺭﺍﺭ ﻫﺫﻩ المكانه .ﻓﻬﻨﺎﻟﻙ ﻤﻥ ﻴﺭﻫﻕ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﻤﺘﻭﺍﺼﻠﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﻲ لمكانته ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﺴﺘﻭﻯ ﺍﻟﺭﻀﺎ ﻤﻨﺨﻔﻀﺎﹰ ﺭﻏﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﺨل ﻋﺎل كما ترى الكاتبة في الشؤون الاقتصاد الاجتماعي ابتهال عبد الجواد كاظم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تشير الدراسات الى ان إجمالي إنفاق المرأة العربية على مستحضرات التجميل يتجاوز 25 مليار دولار سنويا، وكشفت الدراسة تنامي ظاهرة الاستهلاك حتى تحولت إلى ثقافة سلبية تقع مسؤوليتها على المستهلك نفسه، ومن مؤشراتها أن في عام 2004 بلغ الإنفاق على الأطعمة المستوردة إلى دول الخليج 12 مليار دولار، وان تلك المنطقة تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطعام والشراب . كما كشفت التقارير عن الحجم المذهل لإنفاق نساء الخليج العربي وبخاصة اللاتي دون سن الخامسة والعشرين على منتجات التجميل والصحة والذي يقدر بنحو 7 .1 مليار دولار سنوياً وفقا لما ذكرته الخبيرة ميرفت الخطيب.
هذه المؤشرات والارقام ماهي الانعكاس عن واقع حقيقي تعيشه العديد من المجتمعات وهو موجود في كل دول العالم دونما استثناء، ولكن مايفلت النظر في دول مثل دول الخليج باعتبارها الاغنى والاكثر انفاقاً من بقية الدول العربية وحتى المجاورة لها، والتي من ضمنها العراق هو غياب الانموذج العقلاني للاستهلاك، او اندماج هذا الانموذج وانصهاره في بوتقة الاستهلاك المظهري التفاخري بسبب قوة التيار المظهري او لضعف ثقافة هذا الانموذج وقدرته على الوقوف بوجه التغيرات الحاصلة في المجتمع، فعلى سبيل المثال يقترن الاستهلاك المظهري في الغالب بالأسر او الاشخاص ذوي الدخل المرتفع او الذين يمتلكون ثروات كبيرة تؤهلهم لهكذا نوع من الانفاق كرجال الاعمال واصحاب الشركات والمشاهير في عالم الفن والرياضة وماشابه.
لكن ان يكون ضمن هذه الشرائح او ضمن نطاق الاستهلاك المظهري اصحاب الدخل المحدود، فأن ذلك يدعونا الى التساؤل؟ هو كيف حصل ذلك ولماذا؟ في إن شخص ذي دخل محدود يسكن في الايجار يفاضل في أن يشتري سيارة جديدة بدل سيارته الحالية ويبقى مديوناً لعدم امتلاكه المبلغ الكافي بدل إن يقوم بشراء بيت له او ان يقوم باستثمار مالديه مع افتراض ان سيارته تؤدي العمل المطلوب منها؟! طبعاً الاجابة على هكذا تساؤل وكما عهدناه في كثير من البحوث والدراسات هي عوامل نفسيه واجتماعيه دفعت هكذا شخص الى هكذا سلوك.
وبصراحة لايهمنا هذا الشخص بقدر مايهمنا هو اتباع الانموذج لهكذا سلوك فالمشكلة التي من الممكن ان تفاقم الوضع هي ان يكون الانموذج الصحيح الذي يمثل الاعتدال في الانفاق هو احد اهم اطراف الاستهلاك المظهري، فعلى سبيل المثال نجد من النادر المعلم سواء كان معلم او مدرس او استاذ جامعي، ينصرف الى الامور المظهرية هذه وان ينافس باقي طبقات المجتمع بامتلاكه سيارة فارهه او ملابس غالية الثمن او يحاول بناء او شراء بيت كبير وغالي الثمن. وربما نجد هكذا انموذج للتوازن والاعتدال في دول الغرب، اذ من المعيب لديهم ان يقوم المربي للاجيال بهكذا سلوك وهو من المفروض به ان يزرع في طلابه قيم الاعتدال والتواضع والتوزان وعدم الاسراف، بمعنى اخر هو القدوة لهم في كل شيء.
فلا غرابه في ان نجد ملابسهم بسيطة وسياراتهم هي الاخرى كذلك هذا في حال ان لم يكن الكثير منهم يستخدم النقل العام، ويسكنون في بيوت بسيطة رغم امتلاكهم القدرة المادية التي تمكنهم من فعل ذلك، ففي منظورهم ان التنافس يجب ان يكون ضمن السياقات العلمية والادبية لا ضمن السياقات المظهرية التفاخرية، وهذا بصراحة غير موجود في مجتمعاتنا، ولاغرابة ان تجد حتى المعلم بكافة اشكاله من المدرسة الى الجامعة يتنافس ويتباهى مع بقية طبقات المجتمع في سلوكه التظاهري بما يما يملكه من سيارة فارهه او هاتف مرتفع الثمن ...الخ. والدليل على ذلك هو اطلالة بسيطة على المكان الذي يركنون في سياراتهم وستجدها في الغالب سيارات من نوع الدفع الرباعي وماشابه. طبعا هذه ليست قاعدة ولكل قاعدة استثناء فهناك من لايهتم لكل ذلك وهم قلة في مجتمع العلم الذي من المفروض ان يكونون الاكثرية، وحتى من لايملك هكذا سيارة او هاتف فأن ميوله الشخصية والنفسيه تسعى لذلك في قرارة نفسه. اي انه يحاكي في سلوكه مايقوم به الاخرين.
هذه التوجه والسلوكيات تدفعنا الى اعادة النظر في هذه الشريحة المهمة والقائدة للمجتمع، والتي تمثل الاساس في تشكيل المجتمع والاجيال، من خلال اعتماد آليات ووسائل ترتقي بالمعلم سواء كان معلم او مدرس او استاذ جامعي في سلوكياته الاقتصادية، ليكون الانموذج الحقيقي والصحيح والذي يمكن الاعتماد عليه في تصحيح المسارات والعادات الخاطئة منها لا في ان يكون جزء منها.