أزمات مالية متوقعة

بروجيكت سنديكيت

2018-10-23 04:25

جيه. برادفورد ديلونغ

 

بيركلي — بناءً على توقعات عام 2005، جعلت الأزمة المالية عام 2008 والركود الذي تلاها في الدول الغربية أكثر فقراً بنسبة 10٪ عما كان عليه في السابق. بالنسبة لأولئك الذين يأملون فهم هذه المسألة بشكل أفضل، فقد أوصيتُ لمدة طويلة بقراءة أربعة كتب على وجه الخصوص: يحمل الكتاب الأول عنوان "الهوس والذعر والأزمات" عن الخبير الاقتصادي في القرن العشرين تشارلز ب. كيندلبيرغر؛ وكتاب "هذا الزمن مختلف" بقلم كارمن م. رينهارت وكينيث س. روجوف من جامعة هارفارد؛ وكتاب "التحولات والصدمات" من تأليف المعلق الاقتصادي في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مارتن وولف؛ وكتاب "قاعة المرايا" عن زميلي باري آيشنغرين من جامعة كاليفورنيا، بيركلي.

الآن، أريد إضافة كتاب خامس إلى القائمة: "أزمة المعتقدات: نفسية المستثمرين والضعف المالي" بقلم الاقتصاديين نيكولا غينكولي وأندريه شليفر. (الكشف الكامل: كان شليفر رفيقي في الجامعة وزميل في مدرسة الدراسات العليا؛ وحتى يومنا هذا، أنسُب إليه كل المهارات الإيجابية والسمعة التي أحظى بها).

يعد كتاب "أزمة المعتقدات" مهما لثلاثة أسباب. أولا، يقدم ردا مؤيدا لأولئك الذين يزعمون أن العقد الماضي كان نتيجة حتمية لفقاعة الإسكان في الولايات المتحدة. لا يزال العديد من الخبراء يدّعون أن انكماش الفقاعة قد أثار الأزمة المالية. لكن الحقيقة هي أن الفقاعة قد تراجعت بالفعل بشكل كبير قبل اندلاع الأزمة.

الجدير بالذكر أنه بحلول منتصف عام 2008، عادت أسعار المنازل إلى مستويات منخفضة مدعومة بعناصرها الأساسية، كما انخفضت العمالة والإنتاج في صناعة البناء السكنية إلى مستويات أدنى بكثير من الاتجاه المتوقع. وقد تم بالفعل إنجاز أعمال إعادة توازن تقييمات الأصول وإعادة توزيع الموارد الاقتصادية عبر القطاعات.

من المؤكد أن الخبراء توقعوا 750 مليار دولار من الخسائر في الأصول المالية بسبب التخلف عن سداد قروض الأصول العقارية. لكن هذا مجرد ربع الخسائر التي تكبدتها أسواق الأسهم العالمية في سبع ساعات في 19 أكتوبر / تشرين الأول 1987. بعبارة أخرى، لم يكن ذلك كافياً لإغراق النظام المالي العالمي. وفي صيف عام 2008، بدا بين برنانك، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك، واثقاً من أن تعديل أسعار المساكن لم يسبب أي أزمة مالية حادة. في ذلك الوقت، كان يركز بشكل رئيسي على مخاطر ارتفاع التضخم.

ثم ظهرت الأزمة. يكمن السبب وراء ذلك، بالنسبة لغينكولي وشليفر، في تغير المعتقدات. لقد ظن المستثمرون أن الأسواق المالية كانت معرضة لخطر كبير، بسبب العديد من العوامل. ثم انهارت سوق البنوك، وتعثر أصحاب العقارات في سداد الرهون العقارية، وتعرض بنك بير ستيرنز للانهيار، إلى جانب تدخل وزارة المالية الامريكية لكبح جماح مؤسسات فريدي ماك وفاني ماي، وقبل كل شيء، أعلن بنك ليمان براذرز إفلاسه.

كل هذا أدى إلى السحب المفاجئ من البنوك والأنظمة المصرفية الأخرى، حيث سارع المستثمرون إلى التخلص من الأصول. وقد أصبحت المخاطر المتزايدة التي نُسبت إلى النظام حقيقة. ومثل الممرضات في غرفة الطوارئ، فقد قاموا بتقييم حالة المريض بسرعة ثم اعتمدوا التشخيص الأولي كما لو لم يكن هناك خيار آخر.

مع ذلك، لم يكن هناك أي شيء حول تداعيات الأزمة حتميا. لو كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يمتلك خطط طوارئ لوضع المؤسسات الكبيرة جداً في حالة الحراسة القضائية آنذاك ويصبح ملاذ المخاطرة الأخير، لكنا نعيش عالما مختلفا جداً اليوم. على عكس أولئك الذين ينظرون إلى الوراء ويعتقدون أن كل ذلك كان نتيجة حتمية لفقاعة الإسكان، يدرك غينكولي وشليفر الدور المركزي الذي لعبته حالات الطوارئ في الأزمة وما بعدها.

يكمن الإسهام المهم الثاني لكتاب غينكولي وشليفر في توضيحه أن "أزمة المعتقدات" مثل التي عجلت بكارثة 2008-2009 راسخة بعمق في علم النفس البشري، لدرجة أننا لن نتحرر منها أبداً. وبالتالي، لا ينبغي لأي من سياسات أو تدابير الاستجابة للأزمات أن تعامل هذه الحوادث على أنها استثناءات منفصلة. إن أزمات المعتقدات هي مظاهر حالة مزمنة يجب إدارتها.

وبالتالي، لا ينبغي على البنوك المركزية والسلطات المالية استخدام نهاية الأزمة كذريعة للتراجع أو رفع أيديها عن عجلة القيادة. عندما تتغير المعتقدات الأساسية بشكل دائم، لا ينبغي على المرء أن يتوقع نفس مزيج السياسة الذي دعم التوظيف الكامل، والتضخم المنخفض، والنمو المتوازن قبل الأزمة للقيام بذلك في المستقبل. علاوة على ذلك، فقد تم بالفعل زرع بذور الأزمة المالية القادمة - النزوح، والتفاؤل، والحماس، والانهيار، والذعر، والاشمئزاز، ونقص المصداقية - من خلال السياسات نفسها التي كانت مطلوبة لمعالجة الانكماش الأخير.

السبب الثالث الذي يجعل كتاب غينكولي وشليفر مهمًا للغاية كونه أكثر تقنية، وينطبق بشكل مباشر على مجال الاقتصاد. لقد أدرك الاقتصاديون منذ فترة طويلة أن مطالبة وكيل مندوب بتنظيم توقعات منطقية للمستقبل سوف تميل إلى إنتاج نماذج لا تنطبق بشكل كبير على الواقع. ولكن حتى الآن، لم يظهر أي نهج بديل على الإطلاق. وتعد نظرية غينكولي وشليفر التي تشبه دور المستثمرين بدور ممرضات المستعجلات نظرية واعدة إلى جانب النماذج الإستراتيجية الأخرى.

طوال عقد من الزمان، كان الناس يبحثون عن الجانب الإيجابي للكوارث في الفترة ما بين 2008 و2018، على أمل أن تؤدي هذه الفترة إلى تكامل التمويل الأكثر إنتاجية وإلى الاقتصاد السلوكي والاقتصاد الكلي المألوف. حتى الآن، كانوا يبحثون عبثا. ولكن مع نشر كتاب "أزمة المعتقدات"، لا يزال هناك أمل.

* جيه. برادفورد ديلونغ، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي