دعوة للتعاون بشأن السياسات الاقتصادية العالمية
د. حيدر حسين آل طعمة
2018-10-18 04:50
يتابع صندوق النقد الدولي عن كثب، عبر تقاريره الاقتصادية والمالية، اتجاهات النمو والاستقرار الاقتصادي العالمي ورصد أبرز محركات الاحداث الاقتصادية الجارية، لأجل تقديم الدعم والاسناد ومحاولة رسم سياسات اقتصادية استباقية تحد من فرص تكرار الازمات المالية والاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من قوة معدلات النمو الاقتصادي العالمي، الا انه أصبح أقل توازناً من ذي قبل، ومعدلات المخاطر الاقتصادية آخذة في الارتفاع. فهناك تراجع في الزخم الاقتصادي نتيجة التوترات التجارية المتصاعدة، وارتفاع أسعار النفط، وضغوط السوق على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وخاصة الاقتصادات التي ترتكز على مخاطر سياسية مرتفعة. ولا يزال النمو الممكن متأثر بأساسيات ضعيفة كضعف نمو الانتاجية، والإصلاحات الاقتصادية المتأخرة، وشيخوخة السكان.
ويشير الصندوق في جدول اعماله الخاص بالسياسات العالمية، الى التأثيرات الاقتصادية المعاكسة، والناجمة عن تزايد عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية العالمية، وعلى وجه التحديد، تصاعد التوترات التجارية على المستوى العالمي وما يمكن ان يخلفه من اثار خطيرة على النمو الاقتصادي العالمي.
ومع استمرار عودة الاقتصادات الكبرى إلى السياسة النقدية العادية، فإن تضييق الأوضاع المالية العالمية بصورة مفاجئة يمكن أن يكثف التحولات في مسار التدفقات الرأسمالية ويعرض النمو للخطر، وخاصة حيثما كانت هناك مواطن ضعف مالية متراكمة. وهناك بلدان عديدة تملك حيزا ماليا محدوداً للمناورة من خلال السياسات المالية، وهو ما يرجع للعديد من الاسباب منها تفاقم معدلات الديون. ومن المرجح على المدى المتوسط استمرار التحديات الناجمة عن السياسات الاقتصادية الكلية غير المستدامة، وعدم المساواة، وضعف الثقة في عملية صنع السياسات، والابتكارات التكنولوجية، وتغير المناخ، والتحولات الديمغرافية، والهجرة.
وتتطلب الاوضاع الاقتصادية المذكورة توخي الحيطة والحذر لضبط التحركات الملائمة على صعيد السياسة الاقتصادية الكلية. فحيثما كان التضخم قريباً من الهدف، ينبغي البدء بالتدريج في سحب الدفعة التنشيطية المقدمة من السياسة النقدية. وينبغي الحفاظ على مستويات كافية من هوامش الأمان المتمثلة في الاحتياطيات الدولية نظرا لاحتمال استمرار الضغوط المترتبة على خروج التدفقات الرأسمالية لفترة مطولة.
ويجب على كثير من البلدان أن تخفض ديونها، وتعيد بناء هوامش الأمان في ماليتها العامة، وتتجنب مسايرة الاتجاهات الدورية، وتعتمد سياسات للمالية العامة مواتية للنمو الاقتصادي، وترفع مستوى الجودة والحوكمة في بنيتها التحتية. ومن المنتظر أيضاً أن يساعد الضبط الدقيق لمزيج السياسات على تخفيض الاختلالات الخارجية الكبيرة والمستمرة على نحو مواتي للنمو والاستقرار الاقتصادي.
ومن الضروري تعزيز الصلابة المالية قبل أن تصبح الأوضاع المالية أكثر ضيقاً. ويركز التحليل الذي أجراه الصندوق عن خسائر الناتج بعد أزمة عام 2008 على أن مرونة سعر الصرف غالبا ما تشكل عاملا مهما لامتصاص الصدمات، بينما يمكن أن تساعد السياسات الاحترازية على احتواء المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار المالي، بما فيها المخاطر الناجمة عن استمرار أسعار الفائدة المنخفضة لفترة مطولة. ولمعالجة جيوب الخطر الباقية، يتعين تنقية الميزانيات العمومية في بعض الاقتصادات المتقدمة واستكمال جدول الأعمال التنظيمي لما بعد الأزمة.
وينبغي لكثير من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية أن تهدف إلى تخفيض مواطن التعرض لمخاطر تضييق الأوضاع المالية، والتحركات الحادة في أسعار العملات، وانعكاس مسار التدفقات الرأسمالية، وهو ما يشمل إدارة الالتزامات الاحتمالية وأوجه عدم الاتساق في الميزانيات العمومية. ويتعين بذل جهود أيضاً لتطويع القواعد التنظيمية حتى تتناسب مع التغيرات الهيكلية، بما في ذلك التغيرات الناتجة عن المؤسسات غير المصرفية والتكنولوجيات المالية، ومواصلة سد ثغرات البيانات.
خلاصة ما سبق، لا يزال النمو العالمي قويا، وقد أدى التعافي إلى خلق وظائف جديدة وتحقيق زيادة في الدخول. لكن بعض التراجع بدأ يطرأ على النمو الاقتصادي. فبعض المخاطر التي سبق تحديدها إما تحقق أو ازداد وضوحاً. وإذا حدث تحول سريع في أوضاع الأسواق المالية، بعد أن مرت عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية، يمكن أن نشهد مرة أخرى انكشاف النقاب عن مواطن ضعف تتعلق بالديون في وقت ضاق فيه حيز المناورة من خلال السياسات في عدد كبير من البلدان.
الآن هو الوقت المناسب لكي يتخذ صناع السياسات الاقتصادية إجراءات إعادة بناء الحيز المالي للمناورة من خلال السياسات المالية، وتعزيز صلابة الاقتصاد، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة بما يحقق صالح الجميع.
كما أن تحسين التعاون العالمي هو المطلوب بالضبط لإعطاء دفعة للنمو الاحتوائي عن طريق تمتين وتحديث النظام التجاري، والحد من الاختلالات العالمية المفرطة، وتحسين ديناميكية الدين، والاستفادة من إمكانات التكنولوجيا.