احتياطيات العراق وحمايتها
د. مظهر محمد صالح
2018-08-25 07:10
ان حماية واستقرار الاحتياطيات الاجنبية للعراق وتنويعها وضمان سيولتها في الوقت نفسه تعد أحد الاهداف الرئيسة في ادارة مخاطر محافظ البنوك المركزية ضمن معايير كفاية الاحتياطيات.
اذ يتم تفضيل العائد القليل وبسيولة عالية للموجودات او الاصول التي يمكن تحويلها الى نقد حالاً بدون خسارة كسندات الخزينة القصيرة الاجل وغيرها من ادوات الاستثمار المالي السيادية بدلاً من الاستثمار في اصول عالية العائد قليلة السيولة وبمخاطر عالية، ذلك لضمان فاعلية عمل السياسة النقدية في التصدي لمخاطر سيولة الاقتصاد وتوفير مقومات استقرار العملة الوطنية ضد تقلب موازين المدفوعات والصدمات الخارجية المفاجئة.
فيلحظ ان واحدة من اسباب ازمة جنوب شرق اسيا في تسعينيات القرن الماضي تمثلت بقيام المصارف المركزية الاسيوية بالاستثمار في الخيارات المالية ذات النمط الامريكي والمشتقات الصعبة التسييل في اسواق المستقبليات مما زاد الطين بلة في توفير السيولة بالعملة الاجنبية حالاً لمواجهة مخاطر تقلب الحساب الجاري لموازين مدفوعاتها وقت ذاك. في حين اظهرت محافظها توافر موجودات كفوءة وسائلة (من الناحية الشكلية فحسب) ولكن في حقيقة الامر كانت موجودات محافظها ضعيفة التسييل بسبب ارتفاع درجات مخاطرها سعياً وراء العائد ومخاطر جمة في سيولتها، ولذلك اعتمد صندوق النقد الدولي منهج ادلة الاستثمار الرصينة والآمنة كي تسترشد البنوك المركزية بها في ادارة احتياطياتها من العملة الاجنبية بيسر وكفاية عاليتين وتجنب مخاطر السيولة.
وبهذا فان جانب من احتياطيات البنك المركزي العراقي الدولارية وجزء من روافد الموازنة العامةً من عائدات النفط يتم استثمارها بشكل آمن بموجب دليل الاستثمار المعدل والمتفق على مبادئه مع صندوق النقد الدولى قبل اكثر من اثنتي عشرة سنة ضمن سياسة تنويع المحفظة للحصول على عوائد مناسبة ومنها السندات الامريكية السيادية ذات التصنيف الائتماني العالي AAA بالغالب.
وقدر تعلق الامر بالتاريخ المالي للعراق منذ العام ٢٠٠٣ فلابد من الاشارةً الى ان قرار مجلس الامن ١٤٨٣ في مايس ٢٠٠٣ قد الزم العراق بفتح حساب مقبوضات نفطية يسمى OPRA في البنك الاحتياطي او الفيديرالي الامريكي في نيويورك وهي آلية مركزية لاستقطاع تعويضات حرب الكويت وهي الآلية التي ظلت قائمة حتى اليوم، اذ مازال يمارس ضد العراق للأسف الشديد اجراءات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ولو بشكل خجول او غير ظاهري الى حين اطفاء تعويضات حرب الكويت كاملة والتي لم يبق منها سوى اقل من ٤،٥ مليار دولار. واجد شخصياً في ذلك تعسف لا مثيل له ضد مصالح الشعب العراقي المجروح. اما احتياطيات البنك المركزي العراقي المودعة او المستثمرة في البنك الفيديرالي وموضوع حمايتها من اجراءات الحجز القضائي او التجميد.، فان من المفيد ان نذكر على سبيل المثال لا الحصر واحدة من الوقائع القضائية:
اذ سبق للمحكمةً الفيديرالية في ولاية نيويورك ان رفضت دعوى حجز قضائية على اموال تعود للبنك المركزي الارجنتيني قبل سنوات مضت لكون تلك الاموال هي غير تجارية وتؤدي وظيفة الاستقرار وتعود ملكيتها لبنك مركزي يشير قانونه الى الاستقلالية. والحال نفسه يفترض ان يسري في تطبق معايره القانونية على اموال البنك المركزي العراقي طالما ان اموال البلاد مودعة في مؤسسة مصرفية تمارس وظيفة البنك المركزي ايضاً وتحمل اهداف الاستقرار ذاتها.
وعلى الرغم من ذلك يجب ان لانغفل بل نتجنب المخاطر السياسية مع الدولة المضيفة للأموال. فمخاطر التصادم بالولايات المتحدة (من وجهة نظري الشخصية) تحمل تجربة تاريخية قاسية ومريرة في تاريخ العراق المالي. فالرئيس الامريكي الاسبق بوش وبعده الرئيس اوباما ولغاية ٢٠١٣ كانا يمنحان حسابات البنك المركزي العراقي تحديدا (بما في ذلك ودائع الحكومة العراقية المفتوحة باسمه ضمناً) وطوال عقد من الزمن حصانة قانونية immunity بموجب امر رئاسي تنفيذي executive order يصدر سنوياً استناداً الى قوانين الطوارئ الامريكية. وعلى الرغم من ذلك فكل شيء جائز ما يقتضي تجنب حصول مخاطر قانونية تحت تطبيق مبدأ النفس البديلة alter ego وتعريض احتياطيات البنك المركزي لمخاطر التجميد بالإنابة عن الجمهورية لا سامح الله. وسبق للعراق ان تعرض ابان التسعينيات لمثل هكذا ممارسات قانونية ضارة اعتمدتها المحاكم في مناطق الولاية القضائية jurisdiction الاوروبية وغيرها وكانت شديدة الضرر على الشعب العراقي.
لذا اجد من الحكمة والعقل تجنب الصراع او الدخول في مخاطر تصادم مع مصالح الولايات المتحدة كدولة كبيرة احتلت العراق واسقطت النظام السابق وقادرة على فعل شيء مؤذي ومن ثم يصبح من السهولةً عليها ان ترمى المشكلات على عاتق الشعب العراقي وجماهيره الفقيرة. فجروح حصار التسعينيات لم تندمل بعد والتي رافقتها اربعة عقود متتالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية الضائعة.