إنتاجية الفرد العراقي في ظل الدولة الريعية
إيهاب علي النواب
2018-07-26 09:25
في ظل المقارنات الدولية الخاصة بإنتاجية الفرد أو العامل الخاصة بكل من الفرد أو العامل العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة وبين الفرد أو العامل في الغرب، نجد إن إنتاجية العامل في الغرب مرتفعة قياساً بالعامل العربي، ولو ركزنا الصورة على العامل العراقي بشكل أكثر تركيزاً سنجد الأمر ذاته معه، أيً كان عمله وعلى كافة المستويات والاختصاصات.
والأسباب وراء ذلك كثيرة، لكن يبدو إن أهمها وفيما يخص العراق هو ترسخ الريعية والدولة العميقة في ذهنية المجتمع، فإقتصادياً يُقصد بترسخ الريعية هو إعتماد البلد على مورد وحيد في النشاط الاقتصادي وكما معلوم لدى الجميع هو النفط، وبالتالي فأن في ظل الدولة الريعية تكون الغلبة والسيطرة للقطاع العام على حساب القطاع الخاص سيما وإن النفط هو ثروة سيادية لا يمكن تركها للقطاع الخاص في ظل ايدولوجية الدولة الريعية من أجل السيطرة على الايرادات المتأتية من النفط من أجل ضمان القيام بواجباتها وتمشية نفقاتها ...الخ.
إن مسألة الريعية قد لا تكون حاجز أمام الدولة في تحقيق النمو والتنمية وباقي الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، فحتى في ظل هيمنة القطاع العام على قطاع النفط، يمكن أن يتولى القطاع الخاص مهمة قيادة باقي القطاعات الاقتصادية سيما القطاع الصناعي والزراعي والتجاري، ولكن المشكلة في إن أغلب الدول الريعية والتي منها العراق كانت ذو توجه إشتراكي شمولي مسيطر على القطاعات الاقتصادية كافة عبر القطاع العام.
وهذا عمق المشكلة وفاقمها بشكل كبير، اذ فضلاً عن ريعية الدولة فقد أزاح القطاع العام القطاع الخاص من المنافسة وأمتد الى باقي الدولة حتى سيطر على مواردها وأصبح التوظيف كله بيد الدولة في جزءه الأكبر، حتى أصبحت الوظيفة في الدولة هي السبيل الوحيد لكل مواطن عراقي سواء كان لايقرأ ولايكتب أو حاصل على شهادة عليا في أي تخصص، وبالتالي تجذرت وتعمقت حالة التبعية للدولة كونها الملجأ الوحيد للعيش للمواطن، وحتى يبقى تحت سيطرتها ورحمتها دائماً كي تضمن انصياعه وولاءه التام لها.
وكما هو معلوم وفي ظل القطاع العام فأن آليات العمل هي عادة ماتتسم بالتعقيد والروتين الاداري وكثرة الاجراءات وصعوبة استحصال الموافقات والالتزام الشديد بالقرارات وتنفيذها مهما كانت، ساهمت في تكوين وإنشاء عامل أو موظف حكومي يعمل في مناخ من روتين العمل المتكرر والقائم على التكرار اليومي وبذات السياق، وبالتالي فأن الدولة بهذا قتلت متعمدة روح التجديد والابتكار والحافز نحو الابداع والمنافسة داخل وخارج مؤسساتها، التي تمثل أساس وانطلاق القطاع الخاص، وهذا انعكس في أن تخمد روح المبادرة لدى المواطن العراقي والتي تمثل المنطلق للقطاع الخاص وسبيل استمراره.
وقد يعارض البعض أو أنه قد يرى أنه بالرغم من ذلك انه كان هناك انتاجية عالية للعاملين في الكثير من القطاعات وأن الدولة قد وفرت الدعم للكثير، بل وان حزم الدولة جعلت العامل لايضيع وقته أو أن يقل مستوى انتاجه بسبب المناخ السائد وشدة العقوبات التي كان تصيب من يتخاذل في عمله، وهذا صحيح ولكن هي في ذلك لم تكن تريد هذا من أجل أن العامل وتطوير مستوى معيشته نحو الافضل، بل إن هذا التوجه كان لغرض تحقيق مصالحها الخاصة وبقاءه، واضافة لذلك وفي ظل الروتين والتعقيد الاداري غابت برامج التطوير والتدريب المستمر والأخذ بالتحسينات على مستوى التكنولوجيا أو ما وصل اليه العالم الا في حدود ما يخدم مصلحتها، وبالتالي خلقت طبقة خاملة من العاملين تعمل فقط من أجل العيش لا أكثر وبمستوى دخل منخفض للغاية لايكاد يسد الرمق، وهذا مادفع الالاف للعمل خارج المؤسسة الحكومية والانخراط في أعمال خاصة بسيطة أحياناً لاتليق حتى بصاحبها من أجل ضمان بقاءه على قيد الحياة.
وهنا قد يُطرح تساؤل مهم، اذا ماكانت مستويات الدخول المنخفضة هي من دفعت الافراد للعمل خارج المؤسسة الحكومية، بمعنى إن ثمة هناك رغبة في العمل في القطاع الخاص؟ وجواباً على ذلك، نعم هذا صحيح ولكن ليس في ظل الدولة العميقة التي تمثل الشق الثاني من المصيبة بعد الريعية الاشتراكية، فقد ترسخ مفهوم التبعية والعمل ضمن القطاع الحكومي وعلى مدار الزمن في ذهنية الفرد العراقي، سيما وأنه بعد التغيير في 2003، لم تقم الدولة بتحديث وتطوير منظومة العمل في مؤسساتها، بل ذهبت الى المشكلة التي كان يعاني من العامل أو الموظف وحلها عبر رفع مستوى الدخول، فهي لم تقم بذات الوقت باليآت من شأنها رفع مستوى الانتاجية أو دعم القطاع الخاص لخلق حالة من التنافسية والابداع في تقديم أفضل السلع والخدمات.
وليس هذا بغريب ففكر الدولة رغم تبدل النظام وتحول الاقتصاد العراقي الى اقتصاد السوق، الا إن ذات الفكر لايزال هو ذاته في الادارة في اتباع المركزية، ولربما هو أمر متعمد كون الدولة تريد ضمان أصوات الناخبين لها وهذا لايتم الا من خلال حصر التوظيف بيدها، وبالتالي برزت فكرة التوظيف الحكومي من جديد في ذهنية الفرد العراقي وتبعيته للدولة على أنها أفضل ضمان للعمل، حتى وإن توفرت الظروف المواتية لقيام قطاع خاص، فأن الفرد سيبقى يحبذ العمل في القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص الذي يؤمن بالمهنية والكفاءة والانتاجية العالية، وهو ماأدى الى أن تبقى إنتاجية الفرد العراقي وستبقى اذا ما بقت الدولة العميقة متجذرة في ذهنية هذا الفرد.