هل ستتوقف عجلة الاقتصاد العالمي في ظل تدهور الإنتاجية؟
إيهاب علي النواب
2018-06-18 06:34
على الرغم من اندلاع ثورة تكنولوجية أخرى عاد نمو الإنتاجية إلى التباطؤ مرة أخرى، وهذه المرة كان الانكماش على نطاق عالمي، إن انخفاض نمو الإنتاجية هو أحد أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي اليوم. فالإنتاجية هي المحدد الرئيسي لمستويات المعيشة على المدى الطويل، وقد كان تباطؤ نموها مشكلة قائمة لبعض الوقت منذ فترة تعود لما قبل الأزمة المالية العالمية، وامتد أثرها إلى مجموعة كبيرة من البلدان. ويعود جزء من المشكلة إلى صعوبات القياس الإحصائي، خاصة فيما يتعلق بصعوبة قياس التحسينات التي تطرأ على جودة الخدمات وتأثير التكنولوجيات الحديثة. غير أن جزءاً من التباطؤ حقيقي وقد يستمر في المستقبل. ويعني تراجع نمو الإنتاجية حدوث تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي مستقبلاً. ومن منظور السياسات، فإن استمرار التباطؤ في نمو الإنتاجية قد يعني تشديداً أسرع للسياسات النقدية، خاصة في الولايات المتحدة، التي تعكف على دورة التشديد الخاصة بها.
كان نمو الإنتاجية يسير في اتجاه هبوطي منذ عقد السبعينات من القرن العشرين. وفي الولايات المتحدة، تراجع من معدل نمو سنوي بمتوسط 2.5% خلال 1996-2004 إلى مجرد 1.1% في السنوات 2004-2014. وفي الآونة الأخيرة، تباطأ نمو الإنتاجية بأكثر من ذلك، حيث بلغ نموها في المتوسط 0.5% فقط خلال السنوات الثلاث الماضية. ولا تقتصر المشكلة على الولايات المتحدة، فقد أثرت أيضاً على معظم الاقتصادات الكبيرة. وبين دول مجموعة السبعة، تباطأ نمو الإنتاجية من 2.4% في السنوات 1970-1996 إلى 0.9% فقط خلال الفترة 2004-2014.
وهناك ثلاث نظريات لتفسير هذا التباطؤ في الإنتاجية. تقول النظرية المتفائلة أن التباطؤ في الإنتاجية هو نتيجة لتزايد عدم الدقة الإحصائية. ووفقاً لهذه النظرية، فإن قياس التحسن في الإنتاجية في قطاع الخدمات أصعب بالمقارنة مع قطاع التصنيع. فتقييم نوعية الخدمة التي تأتي مع وجبة في مطعم ما أصعب على موظفي إحصاءات الحساب الوطني من تقييم جودة السيارات المنتجة في أحد المصانع. وبالمثل، مع تزايد الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والإنترنت في حياتنا اليومية، فإن التقليل من شأن تأثيرهما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى المبالغة في تقييم التباطؤ في الإنتاجية. فمن الصعب جداً قياس قيمة الانتشار الواسع للمعرفة الرقمية والترفيه، فقد أصبحا متاحين للجميع تقريباً دون مقابل.
ما النظرية الثانية، فهي تعترف بمشكلة عدم الدقة في قياس الإنتاجية، ولكنها تقول بأن التباطؤ الذي حدث في الإنتاجية خلال العقود الأخيرة لا يمكن أن يعزى بالكامل إلى تلك المشكلة. فجزء من ذلك التباطؤ حقيقي والعوامل المسببة له يمكن أن تستمر في المستقبل. وتشمل هذه العوامل التباطؤ في التجارة العالمية وزيادة الحمائية اللذين وفرا الحماية للشركات الأقل إنتاجية من المنافسة الدولية. والعامل الآخر هو تباطؤ نمو الاستثمار الذي أدى إلى خفض رأس المال والآلات المتاحة للعاملين، مما أدى بدوره إلى تقليص نمو الإنتاجية. ويجادل البعض بأنه وبالإضافة إلى تباطؤ معدلات الاستثمار، فإنه يتم توجيه الاستثمارات للقطاعات الأقل إنتاجية مثل قطاع العقارات أو القطاع المالي، وهو ما تسبب في انخفاض عام في معدلات الإنتاجية. ويمكن أن يكون ارتفاع معدلات البطالة في أعقاب الأزمة المالية العالمية قد فاقم هذه المشكلة، حيث أدت وفرة الأيدي العاملة الرخيصة إلى زيادة اعتماد الشركات على اليد العاملة بدلاً من رأس المال وتراجع محفزات الاستثمار في التكنولوجيا المعززة للإنتاجية.
أما النظرية الثالثة والأكثر تشاؤماً بشأن نمو الإنتاجية ترى أن عصر التطور التكنولوجي قد ولّى وأننا استنفذنا جميع المزايا من ازدهار الإنتاجية الذي رافق الثورة التكنولوجية. ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن ابتكارات مثل نظام الصرف الصحي المنزلي والطائرات أشدّ تأثيراً في تغيير حياتنا المعاصرة من تويتر ويوتوب. غير أن هذه النظرية قد تكون غارقة في التشاؤم. فعادة ما يستغرق الأمر عقوداً لاستيعاب تأثير التكنولوجيا الحديثة بالكامل في حياة الناس الشخصية والعملية. وليس من الصعب أن يتخيل المرء مكاسب الكفاءة التي يمكن أن نحصل عليها من محركات البحث ومواقع حجز الخدمات على الإنترنت وأنظمة تحديد المواقع (GPS). ومع ظهور تكنولوجيا حديثة في الأفق مثل السيارات بدون سائق، فقد يكون لها نفس التأثير في تغيير نمط الحياة كنظام الصرف الصحي المنزلي والطائرات.
ويرى الكثير بأن النظرية الثانية هي الأكثر ترجيحاً، ونعتقد أن جزءاً من هذا التباطؤ راجع إلى اعتماد قياسات خاطئة في الإحصاءات، لكن جزءاً آخر من التباطؤ حقيقي وقد يستمر في المدى المتوسط دون المبالغة في التشاؤم بشأن المدى البعيد. ويفضي تباطؤ الإنتاجية إلى تراجع في معدل النمو الاقتصادي، خصوصاً إذا تضافر معه انخفاض في نمو عدد السكان. علاوة على ذلك، فإن تباطؤ معدل نمو الإنتاجية يعني أن الشركات ستضطر إلى توظيف عدد أكبر من العمال لتلبية الطلب المتزايد لعدم قدرتها على جعل العدد الحالي من العمال أكثر إنتاجية. وعادة ما يؤدي تراجع البطالة وانخفاض نمو سوق العمل الناتج عن هذا الوضع إلى ارتفاع الأجور والتضخم. وبالتالي، فإن من شأن استمرار تباطؤ الإنتاجية أن يؤدي إلى زيادات أكثر حدة في أسعار الفائدة من ما كان يُعتقد سابقاً، وهذه مشكلة قد تواجه الاقتصاد الأمريكي قريباً.
إن التحسينات التي تطرأ على مستويات المعيشة تعتمد بشكل كلي على ارتفاع الناتج لكل عامل، وتباطؤ الإنتاجية هو تفسير رئيس للركود في الدخل الحقيقي، والضغوط من أجل التقشف في المالية العامة في البلدان ذات الدخل المرتفع. جيني جروسمان من جامعة برنستون وثلاثة من المؤلفين المشاركين يجادلون بأن التباطؤ الملحوظ في نمو دخل الفرد، يفسر أيضا التراجع الحاصل في حصة اليد العاملة من الدخل القومي في البلدان الغنية، وكما ينبغي علينا أيضا تركيز الاهتمام على الولايات المتحدة، لأن هذا البلد الكبير كان يقود جبهة الابتكار قدما منذ أواخر القرن التاسع عشر. تبين دراسة أجراها كل من نيكولاس كرافتس من جامعة وورويك وتيرينس ميلز من جامعة لافبورو، وجود تراجع في الاتجاه العام لنمو عامل الإنتاجية الكلي في الولايات المتحدة من أكثر من 1.5 في المائة سنويا في أوائل السبعينيات إلى 0.9 % في الآونة الأخيرة.
كما يرى أخرون إن مع تبني مزيد من الشركات للحلول الرقمية، ومع تعزز تعافي الطلب بفِعل الأشكال الجديدة من فرص تشغيل العمالة والاستثمار، نتوقع أن يتعافى نمو الإنتاجية. وتسهم عوامل لا حصر لها في مكاسب الإنتاجية، لكن نظير المحرك البخاري في القرن الحادي والعشرين ــ التحول الرقمي، والبيانات، وتحليلها ــ هو الذي سيعمل على تحريك وتحويل النشاط الاقتصادي، وإضافة القيمة، وتمكين مكاسب الإنتاجية المعززة للدخل والرفاهية.