الصين والقدرة على المزج بين اقتصاد السوق والاقتصاد الاشتراكي

إيهاب علي النواب

2017-12-07 05:00

خلال العقود الثلاثة الاولى بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949 ظلت حكومة الصين تنفذ نظام الاقتصاد المخطط حيث تضع الهيئة الحكومية الخاصة أهداف ومهمات التنمية الاقتصادية لمختلف القطاعات، ووفر هذا النظام حينذاك ضمانا للتنمية الاقتصادية الصينية بشكل مستقر وفقا للخطط والاهداف المقررة، ولكنه في الوقت نفسه قيّد بشكل شديد حيوية وسرعة التنمية الاقتصادية نفسها .

وإبتداء من نهاية السبعينات من القرن الماضي بدأت الصين بإصلاح النظام الاقتصادي المخطط. وفي عام 1978 بدأت بتنفيذ نظام المقاولة العائلية للانتاج في المناطق الريفية، وفي عام 1984 انتقل إصلاح النظام الاقتصادي من الارياف الى المدن، وفي عام 1992 قررت الصين إقامة نظام إقتصاد السوق الاشتراكي باعتباره إتجاها لاصلاح النظام الاقتصادي .

في اكتوبر عام 2003 أكدت الصين بشكل واضح أهداف تحسين نظام إقتصاد السوق الاشتراكي ومهماته. تتمثل هذه الاهداف في تطوير دور السوق الاساسي في توزيع الموارد الى حد أكبر، وزيادة حيوية المؤسسات وقدرتها التنافسية، وإكمال التحكم الكلي الحكومي على الاقتصاد الوطني، وتحسين وظائف الحكومة في الادارة والخدمات العامة، وتوفير الضمان التنظيمي الفعال في بناء مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بناء على مبدأ التنمية المنسجمة بين المدن والارياف والتنمية المنسجمة الاقليمية وتنسيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنسيق التنمية المنسجمة بين البشر والطبيعة وإنسجام التنمية الداخلية مع متطلبات الانفتاح على العالم الخارجي. أما المهمات الرئيسية فتتمثل في تحسين النظام الاقتصادي الاساسي باعتبار اقتصاد نظام الملكية العامة قطاعا إقتصاديا رئيسيا يتطور سوية مع الاقتصاديات المتعددة الملكيات وإقامة نظام إقتصادي صالح للتعديل التدريجي للقطاع الاقتصادي ذي القطبين المدني والريفي، وتشكيل آلية تدفع التنمية الاقتصادية الاقليمية المنسجمة، وبناء نظام أسواق حديث موحّد ومنتظم في الانفتاح والمنافسة، وتحسين نظام التحكم الكلي ونظام الادارة والنظام القانوني الاقتصادي وإكمال النظام الصحيح في التشغيل وتوزيع المداخيل والضمان الاجتماعي وإقامة آلية صالحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة .

وبناء على هذه الخطط المقررة ستتم إقامة نظام اقتصاد السوق الاشتراكي المتكامل نسبيا في الصين في عام 2010. ويتحسن هذا النظام حتى يصبح متكاملا وناضجا ممتازا في عام 2020 . إن الحدث الاقتصادي الأبرز هو صعود الصين من الفقر إلى وضع الدخل المتوسط. وهذا هو السبب في أن تشي قادر على الحديث عن الصين كنموذج.

على أن السؤال هو: كيف استطاع هذا النظام الذي فشل في موسكو أن ينجح في بكين؟ يكمن الفرق الكبير بين النتيجتين في الخيارات الرائعة التي اتخذها دينج تشياو بينج. لقد حافظ الزعيم البارز الصيني الذي تولى بعد ماو تسي تونج على النظام السياسي اللينيني، فقبل كل شيء، حافظ على الدور المهيمن للحزب الشيوعي – مع تحرير الاقتصاد في الوقت نفسه.

وقد اتضح تصميمه على الحفاظ على سيطرة الحزب من خلال قراراته خلال ما وصفه الصينيون بـ "حادث 4 حزيران (يونيو)" ويصفه الغربيون بأنه "مجزرة ساحة تيان آن مين" في 1989. إلا أن عزمه على مواصلة الإصلاح الاقتصادي لم يتعثر أبدا. وكانت النتائج مذهلة.

ما إذا كان بمقدور للاتحاد السوفياتي أن يتبع مثل هذا الطريق، من قبل، هذا أمر مفتوح للنقاش. على كل حال، لم يفعل ذلك. ونتيجة لذلك، فإن روسيا اليوم لا تعرف كيف تحتفل بثورة أكتوبر التي حدثت قبل قرن من الزمان: يظل الرئيس فلاديمير بوتين حاكماً مستبداً، على الرغم من اختفاء النظام الشيوعي.

تشي هو أيضا مستبد. كانت هيمنته على الحزب والبلد واضحة للعيان في مؤتمر الحزب. لقد كان أيضا وريثاً للتقليد اللينيني. إن شرعيته تقوم على شرعية الحزب. ما نتائج الزواج الصيني بين اللينينية والسوق. بالتأكيد تعلمت الصين جوانب اقتصادية من الغرب، لكنها ترفض السياسة الغربية الحديثة. وفي ظل تشي، أصبحت الصين أكثر استبدادية وغير ليبرالية بشكل متزايد.

في الحزب الشيوعي، الصين لديها قالب حديث ظاهريا لنظامها القديم من السيادة الإمبراطورية والبيروقراطية القائمة على الجدارة. أما الحزب الآن فهو الإمبراطور. لذلك، كل من يسيطر على الحزب يسيطر على كل شيء. وينبغي للمرء أن يضيف أن التحولات في الاتجاه الاستبدادي قد وقعت في مكان آخر، خصوصا في روسيا.

والذين يعتقدون أن سقوط الاتحاد السوفياتي بشر بانتصار دائم للديمقراطية الليبرالية كانوا على خطأ. هل سيواصل هذا المزيج من النظرية السياسة اللينينية مع اقتصاد السوق العمل في الوقت الذي تتطور فيه الصين؟ يجب أن يكون الجواب: نحن لا نعرف. قد تكون الإجابة الإيجابية هي أن هذا النظام ليس فقط يتناسب مع التقاليد الصينية، بل إن البيروقراطيين أيضا متمكنون بشكل استثنائي منه. نجح النظام بشكل مذهل حتى الآن. غير أن هناك أيضا أجوبة سلبية. الأول هو أن الحزب هو دائما فوق القانون. وهذا يجعل السلطة في نهاية المطاف بلا قانون.

الآخر هو أن الفساد الذي يهاجمه تشي متأصل في نظم تفتقر إلى عمليات ضبط من الأدنى. وهناك أمر آخر هو أن هذا الواقع سيؤدي، على المدى الطويل، إلى استنزاف الدينامية الاقتصادية. وهناك أمر آخر إضافة إلى ما سبق، وهو أنه مع تقدم الاقتصاد ومستوى التعليم، تصبح الرغبة في أن يكون للناس رأي في السياسة رغبة ساحقة. على المدى الطويل، لن يصمد حكم رجل واحد على الحزب وحكم حزب واحد على الصين. كل هذا هو على المدى الطويل. والموقف الفوري واضح تماما. تظهر الصين كقوة عظمى اقتصادية تحت حكم استبدادي لينيني يسيطر عليه رجل واحد، بقية العالم ليس أمامه خيار سوى التعاون السلمي مع هذه القوة الصاعدة. وعلينا معا أن نهتم بكوكبنا، وأن نحافظ على السلام، وأن نعزز التنمية، وأن نحافظ على الاستقرار الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، يجب على الذين يؤمنون بالديمقراطية الليبرالية - القيمة الدائمة لسيادة القانون والحرية الفردية وحقوق الجميع للمشاركة في الحياة العامة - أن يعترفوا بأن الصين ليست منافسا أيديولوجيا كبيرا فحسب، بل هي ترى نفسها كذلك، بصدق.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي