الأحاديث المُفَسِّرة لمعنى المولى والولاية
شبكة النبأ
2022-07-18 06:35
بقلم: العلامة الشيخ عبد الحسين الاميني
وقبل هذه القرائن كلّها تفسير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه معنى لفظه وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذّة بالقذّة.
أخرج القرشيّ عليّ بن حميد في شمس الأخبار (۱) (ص ۳۸)، نقلاً عن سلوة العارفين ـ للموفّق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني، والد المرشد بالله ـ بإسناده عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه لمّا سُئل عن معنىٰ قوله: « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه »، قال: « الله مولاي؛ أَولىٰ بي من نفسي لا أمرَ لي معه، وأنا مولى المؤمنين؛ أَولىٰ بهم من أنفسهم لا أمرَ لهم معي، ومن كنتُ مولاه أَولىٰ به من نفسه لا أمرَ له معي، فعليٌّ مولاه أَولىٰ به من نفسه لا أمرَ له معه ».
ومرّ في صفحة (۲۰۰) في حديث احتجاج عبدالله بن جعفر علىٰ معاوية قوله: يا معاوية إنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، وأُسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ، والمقداد، والزبير بن العوّام، وهو يقول:
« ألستُ أَولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا: بلىٰ يا رسول الله.
قال: أليس أزواجي أمّهاتكم؟ قلنا: بلىٰ يا رسول الله.
قال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أَولىٰ به من نفسه »، وضرب بيده علىٰ منكب عليّ، فقال: « أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، أيُّها الناس أنا أَولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعليّ من بعدي أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر... » ـ إلىٰ أن قال عبدالله:
ونبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم قد نصب لأُمّته أفضل الناس وأَولاهم وخيرهم بغدير خُمّ وفي غير موطن، واحتجّ عليهم به، وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسىٰ، وأنَّه وليّ كلّ مؤمن من بعده، وأنَّه كلُّ من كان هو وليّه فعليّ وليّه، ومن كان أَولىٰ به من نفسه فعليّ أَولىٰ به، وأنَّه خليفته فيهم ووصيّه. الحديث.
ومرّ (ص ۱٦٥) فيما أخرجه شيخ الإسلام الحمّوئي في حديث احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان قوله: « ثمّ خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
أيّها الناس أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أَولىٰ بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلىٰ يا رسول الله.
قال: قم يا عليُّ، فقمت، فقال: من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
فقام سلمان، فقال: يا رسول الله ولاءٌ كمَاذا؟ قال: ولاءٌ كَوِلاي؛ من كنتُ أَولىٰ به من نفسه فعليٌّ أَولىٰ به من نفسه ».
وسبق (ص ۱۹٦) في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين قوله: ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « أيّها الناس إنَّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأَولىٰ بهم من أنفسهم، من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول الله ولاءٌ كماذا؟ فقال: ولاءٌ كَوِلاي؛ من كنت أَولىٰ به من نفسه فعليّ أَولىٰ به من نفسه ».
وروى الحافظ العاصمي في زين الفتىٰ قال: سُئل عليُّ بن أبي طالب عن قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ». فقال: « نصبني عَلماً إذ أنا قمت، فمن خالفني فهو ضالٌّ ».
يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد ـ يوم الغدير ـ لمّا أمره به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليرفعه فيعرِّفه، وينصبه عَلَماً للأُمّة، وقد مرّ ذلك (ص ۱٥، ۲۳، ۱٦٥، ۲۱۷)، وأشار إليه حسّان في ذلك اليوم بقوله:
فقال له قم يا عليُّ فإنّني
رضيتُكَ من بعدي إماماً وهادياً
وفي حديث رواه السيّد الهمداني في مودّة القربىٰ (۲): فقال ـ رسول الله ـ: « معاشر الناس أليس الله أَولىٰ بي من نفسي يأمرني وينهاني، ما لي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلىٰ يا رسول الله.
قال: من كان الله وأنا مولاه فهذا عليٌّ مولاه؛ يأمركم وينهاكم ما لكم عليه من أمر ولا نهي، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله، أللّهمّ أنت شهيد عليهم، أنِّي قد بلّغت ونصحت ».
وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعليٍّ مسؤولٌ عنها يوم القيامة، رُوي في قوله تعالىٰ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (۳) أي عن ولاية عليّ عليه السلام والمعنىٰ: أنَّهم يُسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة؟
وذكره وأخرج حديثه شيخ الإسلام الحمّوئي في فرائد السمطين في الباب الرابع عشر (٤)، وجمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين (٥)، وابن حجر في الصواعق (٦) (ص ۸۹)، والحضرمي في الرشفة (ص ۲٤).
وأخرج الحمّوئي (۷) من طريق الحاكم أبي عبدالله بن البيِّع (۸) عن محمد بن المظفّر قال: حدّثنا عبدالله بن محمد بن غزوان، حدّثنا عليّ بن جابر، حدّثنا محمد بن خالد بن عبدالله، حدّثنا محمد بن فضيل، حدّثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
« أتاني ملك فقال: يا محمد سَلْ من أرسلنا قبلك من رسلنا علىٰ ما بُعثوا؟
[قال: قلت: علىٰ ما بعثوا؟ قال] (۹): علىٰ ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب ».
وقال (۱۰): ورُوي عن عليّ عليه السلام أنَّه قال: « جُعلت الموالاة أصلاً من أصول الدين »، وأخرج (۱۱) من طريق الحاكم ابن البيِّع: حدّثنا محمد بن عليّ، حدّثنا أحمد بن حازم، حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي، عن أبيه، عن أبي صادق، قال: قال عليّ:
« أصول الإسلام ثلاثة لا ينفع واحد منها دون صاحبه: الصلاة، والزكاة، والموالاة ».
ومرّ (ص ۳۸۲) عن عمر بن الخطّاب نفي الإيمان عمّن لا يكون أميرالمؤمنين مولاه.
وقال الآلوسي في تفسيره (۱۲) (۲۳ / ۷٤) في قوله تعالىٰ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) بعد عدّ الأقوال فيها:
وأَولىٰ هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلّا الله، ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم الله تعالى وجهه.
ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
« إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة، ونصب الصراط علىٰ جسر جهنّم لم يَجُزها أحدٌ إلّا من كانت معه براءة بولاية عليّ بن أبي طالب ». وأخرجه محبّ الدين الطبري في الرياض (۱۳) (۲ / ۱۷۲).
ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالىٰ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)، وقوله: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا) (۱٤)، وما أخرجه الحفّاظ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من حديث البراءة والجواز، فلا أحسب أنَّ ضميرك الحرّ يحكم بملاءمة هذه كلّها مع معنىً أجنبيٍّ عن الخلافة والأولويّة على الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلاً من أصول الدين، ويُنفى الإيمان بانتفائه، ولا يرىٰ صحّة عمل عامل إلّا به.
وهذه الأولويّة المعدودة من أصول الدين والمولويّة التي يُنفى الإيمان بانتفائها ـ كما مرّ في كلام عمر (ص ۳۸۲) ـ صرّح بها عمر لابن عبّاس في كلامه الآخر، ذكره الراغب في محاضراته (۱٥) (۲ / ۲۱۳) عن ابن عبّاس قال:
كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة وعمر علىٰ بغل وأنا علىٰ فرس، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب، فقال: أما والله يا بني عبدالمطّلب لقد كان عليٌّ فيكم أَولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر.
فقلت في نفسي: لا أقالني الله إن أَقَلْته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين، وأنت وصاحبك وَثَبْتُما وأفرغتما (۱٦) الأمر منّا دون الناس.
فقال: إليكم يا بني عبدالمطّلب، أما إنَّكم أصحاب عمر بن الخطّاب، فتأخّرتُ وتقدّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرتَ، وقال: أعد عليّ كلامك.
فقلت: إنَّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليك جوابه، ولو سكتَّ سكتنا.
فقال: إنَّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لِمَا قد وترها.
قال: فأردتُ أن أقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثه، فينطح كبشها، فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟
فقال: لا جرم، فكيف ترىٰ؟ والله ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتىٰ نستأذنه.
وفي شرح نهج البلاغة (۱۷) (۲ / ۲۰) قال عمر: يا ابن عبّاس أما والله إنَّ صاحبك هذا لأَولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أنَّا خفناه على اثنين.... ـ إلىٰ أن قال ابن عبّاس ـ: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين؟
قال: خفناه علىٰ حداثة سنِّه، وحبِّه بني عبدالمطّلب، وفي (۲ / ۱۱٥): كرهناه علىٰ حداثة السنِّ وحبِّه بني عبدالمطّلب.
والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نور وحكمة مودوعة في قلوب مواليه عليه السلام ودونها كانت تُشَدُّ الرحال، ولتعيين حامل عبئها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في المحاسن والمساوئ (۱۸) (۱ / ۳۰) في حديث طويل جرى بين ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه:
قال الشاميّ: يا ابن عبّاس إنَّ قومي جمعوا لي نفقة، وأنا رسولهم إليك وأمينهم، ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي، فإنّ القوم هالكون في أمر عليّ، ففرّج عنهم فرّج الله عنك.
فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام إنَّ مَثَل عليٍّ في هذه الأمّة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسىٰ عليه السلام ـ ثمّ ذكر حديث أمّ سلمة، وفيه لعليٍّ فضائل جمّة ـ فقال الشاميّ يا ابن عبّاس ملأتَ صدري نوراً وحكمةً، وفرّجتَ عنّي فرّج الله عنك، أشهد أنَّ عليّاً رضي الله عنه مولاي ومولىٰ كلّ مؤمن ومؤمنة.
(وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (۱۹)