الانتظار نماء لثقافة الشيعة

كريم المحروس

2019-04-21 07:48

دراسة التأريخ الشيعي في العلوم الإنسانية من أكثر المواد إثارة لمقولات العقل.. أجمل ما فيها أن عقيدة "الإنتظار" تحفظ للشيعة مكونات ثقافتهم وتساهم في نموها بشكل مستقر في غياب الدولة الشيعية أو في وجودها. وهذا ما ينقض القول بأن الأديان لا بد لها من دولة..

لقد عاشت مجتمعات الشيعة قرونا طويلة بلا دول وبلا قيادات وزعامات، وتعرضوا لأبشع ألوان جرائم الإبادة لم تتعرض لمثلها المذاهب؛ ولكن ثقافتهم لم تتوقف عن النمو ولم تنقرض أو تتلاشى، وذلك بفضل إيمان الشيعة بعقيدة الإنتظار..

‏انتهت مئات المذاهب والأديان المنحرفة والمختلقة وانقرضت. وكان أحد الأسباب في ذلك فشلها في إقامة دولة ترعا عقيدتها. وتمسكت أديان ومذاهب أخرى بمشروع دولة فسادت بالبطش واستمر بقاؤها.. واستقل التشيع بعقيدة الإنتظار ولم تكن الدولة أكبر همه فتميز في بقائه وبثقافة يأتيها الناس من كل فج عميق.

الدولة والقيادات والزعامات في سيرة التشيع تمر على الشيعة مرور الكرام ولم تكن شرطا في نمو ثقافة التشيع. وعقيدة الإنتظار لا تقاس بوجود دولة ولا زعامة ولا قيادة وإلا انتهى وجود الشيعة منذ القرن الأول الهجري وتلاشت ثقافتهم..

بعض مثقفي الشيعة يصف مجتمعه بـ"المتخلف" حتى نهاية القرن الـ19م فلم يقم دولة، وأن القرن العشرين شهد نهضة الشيعة من سباتهم فتجاوزوا عهد التخلف فأقاموا الدول.. هذه قراءة بتصنيفات ساذجة وفدت على الشيعة من إيحاء فكر حزب التحرير والإخوان واقتبسها مفكرونا بـ"الغلط"ولا تنطبق على الشيعة..

‏ولو آمنا بهذا التصنيف لأرجعنا عامل نهضة الشيعة إلى فكر التحرير والإخوان الذين اقتبسوا فكرهم عن فلاسفة "الأنوار" التي أشعلت الثورة الفرنسية بمفاهيمها، ولأرجعنا قيام دول في إيران والعراق ولبنان لفضل من الشيخ النبهاني وحسن البنا وسيد قطب!.

"الانتظار" أعظم مؤثر في تنمية ثقافة الشيعة والمحافظة على الوجود الشيعي مستقرا في سكينة بال.. الانتظار أعظم مفهوم في عقيدة التشيع ولا ينفك عن الإمامة ولا تقوم للشيعة قائمة بلا "انتظار".. إنها المفهوم الذي تستمد ثقافة الشيعية مقومات نموها وتطورها وبقائها ونخشى ان يطغى مفهوم الدولة فيشوه مضامينه!..

كيف للشيعة أن "يتخلفوا" وفيهم عقيدة "الإنتظار"؟!..نستطيع القول أنهم لم يولوا فكر السياسة اهتماما لأسباب متعلقة بـ"التقية" فكان تجنبهم للسياسة دين وليس تخلفا. ولا يعني التزامهم بالتقية بعدهم عن "الإنتظار"، فالإنتظار ليس قيمة سياسية، إنه أعلى شأنا من الدولة ورموزها حتى..

تذكر وأنت تحيي هذه المناسبة أن ما يحققه بعض الشيعة من إنجاز على الصعيد السياسي ليس مبررا لنسيان وجود إمام ننتظر ظهوره وندعو له بتعجيل الفرج، أو لصنع مقامات من أنفسنا بديلة عنه أو أعلى منه شأنا.. وتذكر أن السياسة أداة ليست أرفع شأنا من ثقافتك..

أعمال ليلة النصف من شعبان ستهدينا إلى الرؤية السليمة لمقام عقيدة الإنتظار وعظيم شأنها في صيانة التشيع.. ولنقرأ في السيرة التأريخية للإنتظار مجردين من أوهام الفكر المستحدث حتى نقدر عظيم ما نحن فيه من فرحة عز وفخر وقوة ورباطة جأش في هذه الليالي المباركة..

سنفرح في هذه الليلة.. ليلة ميلاد إمام "الإنتظار" عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.. الإمام الذي أحيانا بغيبته والسبب في بقائنا أمة حيوية راسخة أقدامها في الأرض وعنقها إلى السماء ممدودة تطلب تعجيل فرج أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم..

ليلة ميلاده أفضل الليالي من بعد ليلة القدر "فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنّه"!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي