لغة الأرض تفوز بجائزة الطيب الصالح العالمية في السرد
شبكة النبأ
2019-02-25 05:23
الاديب علي حسين عبيد:
*معلّمي الأول فلاح لا يقرأ ولا يكتب
*القصة القصيرة لا يمكن أن تُصنَع من سراب
حوار: نجاح الجيزاني
تُعدّ جائزة الطيب الصالح للكتابة الإبداعية من الجوائز الأدبية الشهيرة في الوطن العربي، كونها تقترن باسم الأديب السوداني العالمي الطيب صالح الذي وصفه النقاد بعبقريّ الرواية العربية، وقد أطلقتها شركة زين السودان للاتصالات النقالة، وذلك في محوريّ الرواية والقصة القصيرة ومحور ثالث متغيّر من دورة إلى أخرى ليستوعب الدراسات النقدية والشعر وفنون الكتابة الأخرى، وأُطلِقَتْ هذه الجائزة في مناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة الطيب صالح، ويأتي إطلاق هذه الجائزة من باب تشجيع الفن والثقافة في السودان والوطن العربي، والجدير بالذكر أن القيمة المالية للجائزة تبلغ مئتيّ ألف دولار أمريكي، ويُشرف عليها لجنة مختصة بمجال الأدب والقصة القصيرة والرواية، حيث يتم فرز الأعمال الفائزة في درجةٍ عالية من الشفافية والعدالة.
أعلن عن الجائزة لأول مرة في شباط من عام 2011م.
وفي دورتها التاسعة حصد المراكز الأولى في كل من الرواية والقصة القصيرة الأديبان العراقيان الأستاذ حسن النواب عن روايته (ضحكة الكوكوبارا) والأستاذ علي حسين عبيد عن مجموعته القصصية ( لغة الأرض ) فكان الفوز فوزا عراقيا كاسحا بامتياز.
التقينا الأستاذ علي حسين عبيد ليحدثنا عن مجموعته الفائزة (لغة الأرض) فكان هذا الحوار:
• نحن قرأنا للأديب السوداني الطيب صالح مقالات وأعمدة صحفية في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد في مجلة العربي الكويتية..
ربما الجيل الجديد لا يعرف شيئا عن هذا الأديب يا حبذا لو تضعون القارئ الكريم بالصورة للتعرف على تراث هذا الرجل وكيف وصل للعالمية؟
- الطيب صالح أديب روائي سوداني ينحدر من بيئة ريفية ومن عائلة فقيرة ذات ثقافة بسيطة، استطاع بعد سنوات طويلة من العمل في الإذاعة البريطانية، وبعدها انتقل إلى قطر ليتسلم منصب مدير عام وكالة الأخبار والإعلام القطرية، وقد تسلّق سلّم الشهر بعد أن كتب روايته الأشهر موسم الهجرة إلى الشمال عام 1966 التي تُرجِمت خلال إلى الإنجليزية وبعدها إلى أكثر من 30 لغة. وطالما تم وصفه من قبل النقاد والأدباء العرب بعبقري الرواية العربية. يصف الطيب صالح في روايته هذه البيئة والعلاقات الاجتماعية بأسلوب مغاير تجاوز السائد وضرب ما يُسمى ضوابط الأدب الملتزم الذي كان يساعد الطغاة والفاسدين على الاستمرار في خداع الناس البسطاء ومواصلة قمعهم وبهذا جاء الطيب صالح ليكسر النمط السردي السائد من خلال معتقداته وأفكاره الاستثنائية النابعة من خلفيته الثقافية وتنشئته الدينية. واصل الكتابة وتأليف بعض الأعمال الأدبية ومن أهمها روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” التي أصبحت عمله الروائي الأشهر في مسيرته الأدبية والتي جعلت منه واحدًا من أعظم الكتاب العرب في القرن العشرين، له أيضا روايات أخرى منها: عرس الزين، الرجل القبرصي، دومة واد حامد.
• مجموعتك القصصية الفائزة بالمرتبة الأولى (لغة الأرض) لماذا اخترت لها هذا العنوان بالذات دون سواه؟ لمحات سريعة إذا أمكن من محتوياتها، ريثما تُطبع وتصل ليد المتلقي.
- تضمّ مجموعتي القصصية (لغة الأرض) 14 قصة قصيرة، بحدود 27 ألف كلمة، تدور أحداثها عمّا تعرّض له العراقيون بسبب الحروب التي ملأت حياتهم طوال العقود الماضية ولا تزال، في كل قصة هناك شخصية محورية تتعرض للموت المباشر بسبب الحرب أو الموت بسبب انعكاساتها، هناك موت بانفجار ما، وآخر بسبب الفوضى وثالث بافتراس ذئاب الصحراء له، في المجمل قصصي هذه تشكل إدانة للحرب، وتسعى لتصوير مرحلة تاريخية قاسية وعنيفة عانى منها العراقيون ولا زالوا، وهناك عامل مشترك بين جميع القصص يكتشفه القارئ بعد الانتهاء من قراءتها، أما بشأن اختيار لغة الأرض كعنوان، فقد قلت في القصة إن الأرض كائن يشعر ويحس يثور ويهدأ، حنون وغاضب، وللأرض لغتها التي لا تفهم غيرها، فإنْ فهم الإنسان لغة الأرض سوف يستطيع الحفاظ عليها وإدامة العلاقة المصيرية معها.
• يُقال إن هناك جدلية بين المجتمع والقاص، علاقة لا تنفك تتضح معالمها في المنجز الثقافي، الى أي مستوى وصل الأستاذ علي عبيد في احتواء كل عناصر المجتمع في منجزه الفائز بالمرتبة الأولى في مسابقة الطيب صالح العالمية؟
- كاتب القصة لا يمكنه العيش في عزلة عن الناس، لأن المحيط الاجتماعي هو الذي يزوّده بالأفكار والقيم والثقافة وردود الأفعال تجاه الواقع، لذا فإن موهبة الكاتب مهما تألقت وتميزت لا يمكنها أن تصنع إبداعا وتميّزاً بعيدا عن استكناه خفايا المجتمع واستغوار أسراره والغوص في مشكلاته، وغالبا ما يتكّئ القاص على الأحداث التي يعيشها أو يراها أو يسمع بها، مدعوما بالتجربة الثقافية وحساسية الموهبة، إنهُ يوظّف هذا الخليط ليخرج منه في نصوص سردية تعرض للقارئ أحداثا ومواقف وأفكارا مختلفة، في قصصي هذه لا يوجد مضمون خارج المجتمعي، وكما قلت معاناة الناس من الحروب والمشكلات الخطيرة التي انعكست منها على حياتهم هي المادة الأساس لكتابة (لغة الأرض).
• لا شك إن فن القصة القصيرة يمثل الشكل الفني الأنسب والأصلح للتعبير عن لحظة ما، أو موقف سريع الإيقاع، يقول الأديب (موباسان): إن في حياتنا لحظة عابرة قصيرة ومنفصلة، لا يصلح لها أدبيا سوى القصة القصيرة. سؤالي هو: هل يستطيع القاص أن يحوّل القصة القصيرة إلى رواية طويلة؟ هل سيفلح في ذلك في تصوركم؟
- لا أستطيع أن أتصوّر قصة قصيرة ناجحة تخلو من الأحداث أو الحكاية حتى لو كانت بالغة القِصَر، والأخيرة لا يمكن أن تُصنع من سراب، حتما هناك شخصية تقوم بها، أما التعبير عن لحظة ما، فيمكن أن نعالج ذلك عبر الشعر، في مجموعتي لغة الأرض، كل قصة يمكن تطويرها لتصبح رواية، ويحكي لنا التاريخ السردي العالمي والعربي، أن هناك قصصا تم تطويرها من مؤلفيها لتصبح فيما بعد روايات ناجحة، إذاً في اعتقادي، يمكن أن أستخرج مجموعة قصص من رواية، ويمكن أن أنسج رواية من مجموعة قصص، ولكن تبقى حنكة الكاتب وموهبته وقدراته هي المسبّب الأول للنجاح أو الفشل.
• كما هو معلوم بحسب بعض النقاد، إن أول ظهور للقصة القصيرة، كان في الولايات المتحدة على يد ( إدغار ألن بو ) فـ (إدغار) يعتبر من رواد القصة القصيرة الحديثة في الغرب، ثم انتقلت بعدها الى العالم، وفي مصر أيضا انتعشت القصة هناك انتعاشا كبيرا وملحوظا، ما هو تقييمك للقصة القصيرة في العراق هل بلغت ذلك النضج الكافي والذي يؤهله للريادة في هذا الفن الجميل؟
- في كتاب السيرة الذاتية لادغار ألن بو الذي ترجمته سولافة حجازي، يستطيع القارئ أن يطّلع على أسرار القصة القصيرة، بعد رحلته مع السيرة الأدبية للشاعر القاص ادغار ألن بو، ويمكن معرفة الكثير من شؤونها بعد قراءة قصص يوسف إدريس أو نجيب محفوظ، فهي كأي كائن ينمو من (البذرة إلى شجرة البلوط العملاقة)، في العراق هناك أجيال لكتاب القصة بدأت بجيل ما قبل الخمسينيات صعودا، وقد اتفق النقاد على تجييل كتاب القصة كل عشر سنوات، فهناك الجيل الخمسيني والستيني المتمرد أو المغاير والضارب للقواعد التقليدية في كتابة القصة، ثم يجيء السبعيني والثمانيني الذي أنتمي له، وكما أرى أن لكل جيل خوّاصه في كتابة القصة، ولكن هناك (عامل مشترك) أو رابط بين جميع الأجيال القصصية، قد يتألق في محطة ما ويخبو أو يتضاءل في محطة أخرى، ولكن لا احد يمكنه القول أن القصة القصيرة العراقية غير حاضرة، أو غير متطورة، القصة العراقية لها حضورها العربي الذي لا يمكن لأحد أن يغض الطرف عنه، وفي سماء القصة العربية نجوم من كتاب العراق يُشار لهم بفخر واعتزاز، وقد حصد القصاصون العراقيون أهم جوائز القصة منذ عقود مضت، أما فوز (لغة الأرض) بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح العالمية، فهي إكمال لمسيرة وليست نهاية لها، ما يؤكد بأن القصة العراقية تقف إلى جانب شقيقاتها بفخر.
• ما رأيك في هذه المقولة: (القاص الناجح هو القاص الحقيقي القادر على تحريك الماء في محيطه الراكد)؟ هل استطاع الأديب علي عبيد أن يحرك شيئا ما في واقعنا المعاش، خصوصا تلك التي لها تداعيات على مستوى الوطن بأكمله؟
- القصة القصيرة والسرد عموما لا يمكن أن تكون له انعكاسات فورية على المجتمع، لأسباب تتعلق بطبيعة فن القصة، فحتى تكتب قصة متميزة ومؤثرة لا يمكن أن تأخذ مادتك من الواقع الحالي، فهذا الأمر يصحّ ويصلح لكتابة الأخبار الصحفية، ولكتابة المقالة، أما القصة القصيرة فدائما تكمن مادة الكاتب في العمق التاريخي، ومثال قريب على ذلك، أن زمن أحداث قصصي وروايتي طقوس التسامي معظمها يعود إلى سنوات بعيدة، وقد قرأت ذات مرة أن الثورة الفرنسية جاءت كنتاج لأفكار روايات كُتبتْ قبل حدوث الثورة بعقود، لذلك أنا أطمح أن أحرّك شيئا ما في المحيط ولكن لا أظن أن رد فعل الوسط القارئ سيكون سريعا أو مباشرا تحت تأثير ما كتبتهُ، وهنا لابد أن أقول أن القاص ليس خطيبا ولا يحبّذ الهتاف، إنه يسعى لتشذيب شخصية الإنسان وذائقه وأفكاره بشكل غير مباشر عبر جماليات السرد.
• السؤال الأخير: هل كنتم تتوقعون الفوز الكاسح والحصول على إحدى مراتب الشرف لمجموعتك القصصية هذه ؟ ولمن تهدون الفوز.
- (الفائزون يعرفون أنفسهم أو يتوقعون فوزهم)، لا أعرف أين قرأت هذه الجملة ومن قالها، لكنني كي أكون صادقا مع نفسي، لم أكن أتوقّع هذا الفوز وبهذه المرتبة إلا بنسبة قليلة، على الرغم من أن عدداً من الأصدقاء الكتاب الذين اطلعوا على قصص (لغة الأرض) قبل أن أشارك بها في جائزة الطيب صالح، أكَّدوا لي جودتها واحتمالية فوزها، ولكن بعد أن سمعتُ بفوزي عدتُ إلى قراءة بعض قصص (لغة الأرض)، فوجدتُ أنها تستحق فعلا، لأسباب كثيرة، في المقدمة منها مضامينها الإنسانية.
أما الإهداء فهو أولا لبلدي الحبيب العراق وللسردية العراقية، ولكل شهداء الحروب الذين شهقت أرواحهم نحو السماء تاركةً لنا أرضاً نطمح أن تستبدلَ لغة الحرب بالسلام.