عندما تخذل الديمقراطية الناس
بروجيكت سنديكيت
2016-03-15 09:15
كاتارينا بيستر
نيويورك-لقد قال الحائز على جائزة نوبل امارتيا سين مقولته الشهيرة بإن المجاعات لا تحصل في الدول الديمقراطية وذلك لأن الحكومات التي تخضع للمساءلة سوف تفعل ما بوسعها من أجل تجنب المجاعة على نطاق واسع. إن المنطق نفسه ينطبق على مياه الشرب النظيفة وهي مثل الطعام مصدر لا غنى عنه لبقائنا ورفاهيتنا.
لكن الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية تقدم لنا رؤى محبطة عن حدود مقولة سين وكيف يمكن للديمقراطيات أن تخذل الناس الذين من المفترض ظاهريا أن تخدمهم ففي سنة 2014 توقفت الحكومة البلدية في فلنت –ميتشيغان عن شراء المياه من ديترويت وبدأت بالبحث عن مصادر للمياه من نهر مجاور ولقد كان الدافع وراء القرار هو المخاوف من إرتفاع التكلفة حيث تم تجاهل المخاوف المتعلقة بنوعية المياه.
لقد تبين أن مياه النهر قد أدت إلى تآكل الأنابيب القديمة في المدينة بحيث أصبحت مياه الحنفيات تحتوي على مستويات مرتفعة من الرصاص السام ولكن يبدو أنه لم يهتم أي شخص بالموضوع وغضت حكومات المدينة والولاية الطرف وحتى بعد أن أعلنت الشركات والمستشفيات بإن المياه غير صالحة للإستخدام وتحولت لمصادر أخرى.
لقد إشتكى سكان فلنت من رائحة وطعم المياه ولكن بغض النظر عن مدى إرتفاع أصواتهم الفردية أو الجماعية كان يتم الإستهانة بكلامهم على أساس إنه ينم عن الجهل أو يتم رفضه ككلام صادر عن أناس تعودوا على الشكوى وحتى بعد أن قدم الأطباء الدليل على أن مستويات الرصاص في دم أطفال المدينة قد تضاعفت خلال عام، لم تلقى إعتراضات سكان فلنت أذانا صاغية.
إن من الممكن إن الولايات المتحدة الأمريكية هي واحدة من أكثر الديمقراطيات نجاحا في العالم حيث تجري فيها إنتخابات دورية وفيها حكومة تمثيلية من المفترض أن تكون حسب مقولة إبراهام لنكولن الشهيرة "من الناس ولأجل الناس" ولكن لم تقم الحكومة على أي مستوى بإتخاذ الخطوات الضرورية من أجل التحقق من أن سكان فلنت لديهم القدرة على الوصول لمياه شرب آمنة.
إن فلنت ليست قضية منعزلة فهي تمثل مشكلة عالمية فالملايين من الناس في العالم يفتقدون للقدرة على الوصول لمياه شرب نظيفة فعادة ما يتم إجبار فقراء العالم على شرب المياه الملوثة أو حفر الثقوب في خطوط الأنبابيب أو شراء زجاجات المياه التي تعد أغلى بكثير من المياه التي تتدفق من حنفيات جيرانهم الأغنى علما إن القضية تزداد أهمية بينما تستعر المنافسة من أجل الحصول على مياه الشرب.
عندما تثبت الحكومة أنها غير قادرة على الإستجابة ولا تتمتع بالكفاءة فإن الحل المعتاد هو الحد من نفوذها وذلك من اجل إطلاق قوى السوق ولكن عندما يتعلق الأمر بالموارد الضرورية –مثل المياه- فإن هذه المقاربة تصبح بغيضة من الناحية الأخلاقية. إن تخصيص مياه نظيفة على سبيل المثال لأولئك الذين لديهم القدرة على أن يدفعوا أكثر يعني أن التطبيقات الصناعية سوف تكون لها الأولوية مقارنة بالإحتياجات الفردية مما سوف يؤدي إلى عدم توفر المياه للكثيرين.
إن المشكلة الحقيقية ليست شح المياه بل هي التوزيع غير المتساوي للموارد الحالية مما يعني أن الفقراء لا يستطيعون دفع ثمنها.إن هذا يمكن تحمله عندما يتعلق الأمر بالبضائع العادية- لايمكن أن يحصل كل شخص على يخت– ولكن عندما يتعلق الأمر بمصدر ضروري، يتوجب علينا التحقق من القدرة على الوصول إليه على أساس عادل.
إن هذا يعني أنه يتوجب علينا إيجاد طريقة أفضل لإدارة الموارد مثل المياه فحتى تكون الرسالة فعالة يجب أن تصل للأشخاص الذين يتحكمون بمقاليد الأمور سواء كانوا من المسؤولين المنتخبين أو من الجهات التنظيمية أو من القطاع الخاص. إن الإنتخابات تعطي الأشخاص الفرصة للتصويت ولكن هذا لا يعني إعطائهم صوتا أو الإستماع إلى أصواتهم التي ترتفع بالشكوى.
إن فلنت هي عبارة عن دعوة للإستيقاظ فيما يتعلق بالديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية فهي عبارة عن درس صارخ في الحاجة لإدارة أفضل على مستوى العالم. عندما ينتج عن جهود تخفيض النفقات مياه شرب تفشل في تلبية المعايير الصحية الأساسية فإن شعار "الحكومة من أجل الناس" سوف يتآكل بشكل خطير.
وكما أظهرت الحائزة الراحلة على جائزة نوبل ايلنور أوستروم بإن الناس العاديين قادرون على إقتسام الموارد وتجنب " مأساة العامة " ولكن القدرة على التحرك هي في أيدي أولئك المسيطرين على الموارد الضرورية وليس في أيدي أولئك المحتاجين لتلك الموارد ولو أردنا حل مشكلة التوزيع العادل للموارد فإنه يتوجب على السلطات تحمل مسؤولياتها تجاه الناس التي تحكمهم مما يعني الإستماع والتعلم وفي نهاية المطاف قيادة الجهود من أجل التعامل مع هذه المشكلة.