إلى أي شيء يحتاج الأطفال الفقراء

بروجيكت سنديكيت

2023-10-24 07:38

بقلم: مايكل آر سترين، هاري ج. هولزر

واشنطن، العاصمة ــ تُـرى ما هي أفضل طريقة لمساعدة الأطفال الأدنى دخلا على تسلق السلم الاقتصادي؟ يريد التقدميون إنفاق مبالغ أكبر من الأموال العامة على الرعاية الصحية، والتعليم، وبرامج تشغيل العمالة، والإعفاءات الضريبية لصالح الأسر الفقيرة، في حين يؤكد المحافظون على الحاجة إلى مزيد من المسؤولية الشخصية، والأسر المستقرة التي تتألف من والدين متزوجين، وحوافز العمل في برامج الإنفاق الاجتماعي.

الواقع أن أدلة متزايدة تشير إلى أن كلا الجانبين على حق.

يزودنا تقرير جديد بحجم كتاب نشرته الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، بعنوان "الحد من الفقر بين الأجيال" (شاركنا في إعداد هذا التقرير)، بتحليل دقيق للسياسات التي ثبت أنها تساعد الأطفال الفقراء على تحسين ما يتوصلون إليه من نتائج في حياتهم كبالغين. بالإضافة إلى هذا، يقدم كتاب جديد من تأليف الخبيرة الاقتصادية ميليسا كيرني بعنوان "ميزة وجود كلا الوالدين"، دليلا قويا على أن النشأة في ظل والدين متزوجين تعمل على توليد مزايا مهمة ودائمة للأطفال طوال حياتهم.

لا شك أن الفقر بين الأطفال انخفض بدرجة كبيرة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، على الرغم من الزيادة الكبيرة التي طرأت عليه في العام الماضي. مع ذلك، لا يزال ثلث الأطفال الفقراء (وخاصة الأطفال الفقراء من السود والأميركيين الأصليين) تنتهي بهم الحال إلى أن يصبحوا بالغين فقراء، وهو معدل أعلى كثيرا من نظيره بين الأطفال غير الفقراء.

وكما يوثق مجلد الأكاديمية الوطنية للعلوم، يعاني الأطفال من ذوي الدخل المنخفض من سوء الصحة والتعليم المتدني الجودة، وهم أكثر عُـرضة لخطر ارتكاب جريمة ودخول السجن، وكل هذا يحد من قدرتهم على أن يصبحوا بالغين منتجين وقادرين على الحصول على أجور مجزية. علاوة على ذلك، يواجه الأطفال السود حواجز إضافية ناجمة عن التمييز والعنصرية، وهم إحصائيا أكثر ميلا إلى الانخراط في سلوكيات ضارة ــ مثل ارتكاب جريمة أو الحفاظ على ارتباطات ضعيفة بقوة العمل مع تقدمهم في السن ــ والتي تتسبب في تعزيز نقائصهم.

نحن نعلم أن وجود والد واحد فقط يتسبب في حرمان الطفل من أموال الوالدين، والوقت، والطاقة اللازمة لمساعدته في إحراز النجاح، وأن الصبية الذكور يتأذون أكثر من الفتيات بغياب الأب. بيد أن أعدادا متزايدة التضاؤل من الأطفال ينشأون في ظل والدين متزوجين في المنزل. من الملحوظ أن هذه النتائج والميول تختلف بدرجة كبيرة حسب الطبقة. فكما توضح كيرني، ينشأ ما يقرب من 90% من الأطفال المولودين لأبوين حاصلين على تعليم جامعي في بيت يضم والدين، في حين أن هذا ينطبق على أعداد متزايدة التضاؤل من الأطفال الذي يفتقر آباؤهم إلى شهادات جامعية.

ولكن ماذا يمكننا أن نفعل لمساعدة الأطفال ذوي الدخل المنخفض؟ الواقع أن مجلد الأكاديمية الوطنية للعلوم حافل بأدلة مباشرة تؤكد أن الاستثمار في الأسر الأدنى دخلا، فضلا عن مدارسها وأحيائها، من الممكن أن يحسن فرص الأطفال في الحياة. وقد تبين أن زيادة التمويل للمدارس من الروضة إلى الصف الثاني عشر في الأحياء الفقيرة، ودعم قدر أكبر من التنوع بين المعلمين، من العوامل التي تساعد في تحسين نتائج الأطفال، كما هي حال البرامج الرامية إلى ضمان القدرة المستمرة على الوصول إلى الرعاية الطبية والتغذية. على نحو مماثل، من الممكن أن تقدم المساعدات المالية وخدمات الدعم المحسنة الكثير لمساعدة طلاب الجامعات الفقراء، كما يفعل التدريب المهني العالي الجودة.

من الممكن أيضا بذل المزيد من الجهد على الجانب الأبوي من المعادلة. تتمثل أفضل طريقة لتحسين حوافز العمل والدخل بين الأسر المنخفضة الدخل في توسيع نطاق الإعفاء الضريبي للدخل المكتسب، وهو الدعم الذي تبين أنه يزيد من تشغيل العمالة والاكتفاء الذاتي في حين يعمل على تحسين نتائج الأطفال التعليمية. وقد تعود بعض المساعدة الإضافية للآباء غير العاملين بالفائدة على أطفالهم أيضا بمرور الوقت.

للحد من جرائم الشباب واحتجازهم في أحياء فقيرة، يتعين علينا أن نستثمر في المؤسسات المجتمعية وبرامج الوقاية الفَـعّـالة مثل Becoming a Man. ومن المفيد نشر أعداد أكبر من رجال الشرطة في الشوارع، وتوسيع نطاق الشرطة المجتمعية؛ ولكن ينبغي لنا أيضا أن نعمل على تثبيط ممارسة حبس المراهقين لارتكابهم مخالفات بسيطة لأول مرة، لأن هذا يضر بشكل دائم بفرصهم في الحياة.

الآن وقد أصبحت الحكومة الفيدرالية الأميركية بالفعل على مسار مالي غير مستدام، لن يكون الإنفاق الجديد لزيادة الحراك الاجتماعي الصاعد، من الناحية المثالية، ممولا بالمزيد من الدين. بدلا من ذلك، لابد من إعادة توجيه الإنفاق الحالي على الأسر الأعلى دخلا (من خلال برامج الاستحقاقات وقانون الضرائب). سوف تعمل إعادة التوازن على هذا النحو على مواءمة الميزانية بشكل أفضل مع جهود مكافحة الفقر بين الأجيال، وهو ما يعتبره المحافظون والتقدميون على حد سواء أولوية وطنية مهمة.

قد يصر المحافظون بحق على ضرورة بذل مزيد من الجهد من جانب الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات للتأكيد على الفوائد التي تعود على الأطفال من نشأتهم في أسر تتألف من والدين متزوجين. إن غياب الأب ليس مجرد اختيار لأسلوب الحياة؛ فهو يلحق الأذى بالأطفال، ويدوم الضرر لعقود من الزمن. ولكن ماذا يمكننا أن نفعل على هذه الجبهة؟ يجب أن نزيد من الاستثمار في الجهود الرامية إلى تحسين جودة العلاقات بين الأزواج الشباب وبراعتهما كوالدين. ورغم أننا لا نعرف إلا القليل عن الحلول الناجحة، فإننا قادرون على دعم مزيد من التجريب. وقد تساعد أيضا برامج الأبوة المجتمعية المقدمة للآباء غير المتزوجين وغير الأوصياء.

من الأهمية بمكان ألا يخشى القادة المنتخبون والمعلقون التصريح بأن وجود والدين متزوجين في حياة الأطفال يعينهم على إحراز النجاح. الرسائل مهمة. يتعين على أولئك منا القادرين على التأثير على المناقشات العامة أن يبذلوا مزيدا من الجهد لإعادة ترسيخ القاعدة الاجتماعية التي تؤكد على أهمية الزواج في تحسين نتائج الأطفال.

عندما يتعلق الأمر بمساعدة الأطفال الفقراء، يجب أن نعترف بأن كلا من التقدميين والمحافظين لديه نصف الحقيقة إلى جانبه. ويستحق الأطفال من ذوي الدخل المنخفض أفضل فرصة ممكنة للإفلات من براثن الفقر عندما يصلون إلى مرحلة البلوغ. وهذا يستلزم الاعتراف بأن النصفين يشكلان واحدا صحيحا.

* مايكل آر سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد المشاريع الأمريكية، وهو مؤلف كتاب الحلم الأمريكي لم يمت: (لكن الشعبوية يمكن أن تقتله)
هاري ج. هولزر هو أستاذ السياسة العامة في جامعة جورج تاون.
https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي