واقع الزراعة في العراق وتحدياتها

مصطفى ملا هذال

2023-05-03 08:24

قال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم "بيت لا تمرَ فيه جياع اهله".

الحديث الشريف لا يقصد هنا المعنى الظاهري للجوع الحقيقي، فالإشارة الى إمكانية الجوع تأتي من فقدان عنصر مهم من عناصر التغذية، بالنسبة للأفراد المحتمل جوعهم بخلوا منازلهم من التمر.

في المضمون الباطن لهذا الحديث الشريف هنالك حث مباشر للاهتمام بالزراعة واكرام النخلة التي تتصدر الأشجار والمحاصيل الزراعية في العراق الذي سمي في الماضي ببلد السواد، في تعبير عن ارضه المغطاة بالمزروعات.

تحولت ارض الرافدين السوداء الى مساحات بعيدا عن لونها الأصلي مكتسية بألوان أخرى خالية وبعيدة عن الزرع، غير قادرة على مقاومة عمليات التجريف المستمر، فلم تعد الهوية الزراعية للعراق محافظة على مكانتها، اذ تحول الى بلد يستورد ما كان يصدره في السنوات القليلة الماضية.

تخيل ان محصول الطماطة والباذنجان وغيرهم يتم استيرادهم من دول تعاني من فقر مدقع، فقر في المقومات الزراعية الى جانب الأراضي الخصبة، لكن الفرق الوحيد هو ان تلك الدول لديها الإرادة والتخطيط لتحويل بلدانها من مستهلك الى مُصدر، وبالفعل صار العراق أحد اهم أسواق هذه الدول.

وقوف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في احدى مزارع انتاج القمح ليعلن عن بدء موسم التسويق قبل أيام وما صرح فيه، يعيد الى الذاكرة جميع التصريحات التي اكدت على عزم الحكومة الاهتمام بالقطاع الزراعي، ومنذ ذلك الحين ولغاية لحظة وقوف السوداني في محافظة واسط فان الزراعة تعاني من التراجع والتدهور المستمرين.

ومن الآفات التي هاجمت حقل الزراعة في البلاد هي شح المياه، تلك المشكلة التي احتاجت من سياسي العراق وقفة حقيقية لبعث الحياة في القطاع الزراعي بعد ان وأدته الارادات الدولية، وحجمت نسب الاطلاقات المائية، وفي النهاية جفاف اغلب الأنهار والاعتماد على مياه الآبار غير الصالحة للسقي في اغلب الأحيان.

يتميز القطاع الزراعي في العراق عن غيره، بأنه مصدر عيش لسكان البلد، الى جانب كونه فرص عمل لملايين الافراد الذي يعدون امتداد طبيعي لأجدادهم المعتمدين على مهنة الزراعة منذ مئات السنين قبل الميلاد.

وبموجب التعداد الذي اجري في البلاد سنة 1997، ظهرت نسبة 19.6% من اجمالي السكان يعملون في القطاع الزراعي، بينما تضاربت الآراء حول مساحة الأراضي الزراعية بسبب فقدان أدلة البيانات والمعلومات الأساسية إذ تُشير بعض الآراء إلى (30) مليون دونم، من مجموع مساحة الأراضي العراقية البالغة (177،770) مليون دونم، أي ما يشكل قرابة (17%) من مساحة العراق، وهي نسبة جيدة مقارنة بكثير من عالم الجنوب، فمثلاً الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في جمهورية مصر العربية لا تشكل إلا (6%) من مجمل المساحة الكلية.

الفيروس الحقيقي الذي اخترق القطاع الزراعي هو قلة الدعم الحكومي، ومن جراء هذه الشحة او غياب الدعم الفعلي ظهرت اختلالات هيكلية دائمية يعاني منها الاقتصاد العراقي الذي أبقى حصة مساهمة القطاع الزراعي فارغة تقريبا او تقلصت كثيرا، اذ تشير الإحصاءات الرسمية الى ان نسبة مشاركة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، هي (9. 3%).

يتضح من هذه النسبة الضئيلة لمساهمة القطاع الزراعي كمية العلل والتحديات التي تواجهه، مما أدى الى تخلف التنمية الزراعية وتراجعها مقارنة بالبلدان التي أدركت أهمية تنويع مدخلاتها وتعدد مصادر دخلها، على العكس من التي اعتمدت بشكل كلي قطاع واهملت البقية ما يشي بشيء من العبثية والتخبط.

التحديات الزراعية العراقية تتفرع الى اتجاهين:

الاتجاه الأول هو الذي أشرنا اليه في السطور السابقة والمتمثل في نقص الدعم الحكومي، والنظرة الى القطاع الزراعي على انه مصدر ثانوي ولا يمكن الاعتماد عليه لتلبية الحاجة الفعلية وتعزيز المكانة الاقتصادية، وفي النهاية لم ينل سوى الإهمال والتراجع الكبير حتى بات المزارع يجلب محاصيله من سوق الخضر الغنية بالمستورد.

ومن التحديات أيضا هو اليأس الذي أصاب المزارع من عدم جدية الحكومات بتوفير مستلزمات الزراعة الضرورية كتوفير البذور بأسعار مدعومة، وتسليم المبيدات الزراعية، فضلا عن المكافحة الدورية للبساتين والخضر وما ينعكس على ذلك من نتائج إيجابية تتجلى بجودة المحصول وتميزه.

اما الاتجاه الثاني من التحديات، فهو تأخر البلاد في إدخال التقنية الزراعية واستخدمها في زيادة الإنتاج الزراعي، فلا تزال اغلب الطرق والوسائل المستخدمة في الزراعة تعود الى عشرات السنين الماضية، بينما العالم المتحضر اوجد البدائل واعتمد على الطفرة التقنية والتقدم التكنولوجي وتوظيف ما يرتبط منها في الحقل الزراعي.

الزراعة مساهم فعال في تعزيز الاقتصاد الوطني ولها العديد من المساهمات الاخرى، فهي من تحافظ على تماسك الدولة عن طريق رفد الشعب بقوت يومه واحتياجه من الغذاء، كما لها السطوة الكبير في الحفاظ على صحة وسلامة المستهلك وتخليصه من الامراض المصاحبة للمواد المستوردة وأخيرا محافظتها على النظام البيئي وتحسينه.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا